“مجرمون في سبيل وطننا”

حازم الأمين20 يونيو 2019آخر تحديث :
“مجرمون في سبيل وطننا”

سريعا ما بدأ زَرْعُ جبران باسيل يأتي أُكله. تحول خطاب الرثاثة الوطنية إلى خطة عمل لشبان وشابات، ولأحزاب ووزارات وبلديات. شبان يقتحمون متجرا يعمل فيه سوريون، ولافتات موقعة من وزارة العمل تدعو فيه أرباب العمل للاستعاضة عن العمالة السورية بـ”عمالة وطنية”.

شعور السوريين بعدم الأمان يفضي إلى مفارقات مؤلمة، كأن يتقدم منك نادل في مقهى ويسألك بلهجة هي غير لهجته. إنه جبران باسيل، سيد الجمهورية وصهرها. الصهر الناجي من بين أصهار رؤساء دول مشرقنا.

لكن الأمر لم يقتصر على السوريين، ذاك أن عدم مقاومة الخطاب ولاحقا قبوله بصفته لغة الدولة والمجتمع والحزب، سيفضي إلى انتقاله من مستوى العلاقة باللاجئ إلى المستوى الوطني. سريعا ما ظهرت واقعة بلدية الحدث التي أعلن رئيسها، جهارا نهارا، أنه يمنع بيع وإيجار منازل أبناء بلدته إلى غير المسيحيين! القرار غير دستوري طبعا، إلا أن مجاهرة من هو في موقع رسمي به هو ذهاب بمقولة “الاختلاف الجيني” إلى مستواها الوطني. جبران باسيل أعطى صفارة الانطلاق لثقافة كراهية لن تقف عند حدود اللاجئ السوري.

والحال أن باسيل ـ وأقرانه “جينيا” ـ يريد حماية لبنان “ديموغرافيا” بخروق هائلة لحقوق الإنسان البديهية، ويريد حماية الوجود المسيحي بخرق للدستور اللبناني، وهو بهذين الخرقين يستفيد من الصمت المذهل الذي يمارسه رئيسه في الحكومة سعد الحريري، ومن التواطؤ الخبيث الذي يمارسه حزب الله. ومثلما نهشت “جينات التفوق” الحريري في موقعه في التوازن الرئاسي، بدأت هذه “الجينات” تقترب من الحزب، ذاك أن المستهدف في قرار بلدية الحدث هو جمهور الحزب الذي يخافه أصحاب الجينات الباسيلية على رغم التفاهم الكاذب الذي يربط الجماعتين.

لقد تحولت مقولة “الاختلاف الجيني” إلى خطاب رسمي لبناني، وإلى ممارسة سياسية واجتماعية. “نعم نحن عنصريون في سبيل وطننا”، هذه مقولة رددها وزراء ونواب وقادة لبنانيون، وهذه قد تقود إلى مقولات من نوع “نعم نحن مجرمون في سبيل صربيا الكبرى”. ألم يقلها يوما أحد مجرمي الحرب من الميليشيات الصربية، ممن كانوا يشاركون في عمليات إبادة البوشناق في ضواحي ساراييفو. من السهل على العنصري في سبيل وطنه أن يصبح مجرما في سبيل وطنه. ومن السهل على العنصري في سبيل وطنه أن يصبح عنصريا في سبيل طائفته. واقعة بلدة الحدث مؤشر واضح على هذا الاحتمال، وعلى تحوله واقعا مقبولا.

أما أنت أيها اللبناني العادي، أيها اللبناني غير المخصب جينيا، والذي نالك من بلدك فشله وفساده وارتهان طبقته السياسية، أيها اللبناني الذي شعرت بالعار عندما تقدم النادل السوري منك وغيّر لهجته، فعليك تباشر فعلا تصويبيا. كن عنصريا ولا تخجل. اللافتات التي كتبها وزراء وعُلقت في الشارع الذي تعبره يوميا مع ابنك تدعوك لذلك. كن عنصريا في سبيل وطنك، فأنت أصلا عنصري في سبيل طائفتك. النقلة ليست كبيرة. لكي تكون طبيعيا عليك المباشرة بهذا العمل التصويبي. ابدأ بذلك قبل أن تفقد صوابك. المشاهد من حولك ستتكثف. غدا ستحمل اللافتات دعوات للتسلح، ذاك أن ما يجري قد يتطلب ذلك.

لبنان سيشارك بمؤتمر أستانة الذي سيبحث أيضا بموضوع اللاجئين. سيمثلنا هناك جبران باسيل طالما أن سعد الحريري في واد آخر. سيحمل الوزير عينة مختبرية تثبت التباين الجيني، وسيأتي محملا بدعم من قوى عالمية. فلاديمير بوتين سيبتسم للوزير تلك الابتسامة المراوغة، وحسن روحاني سيعده بأن لا يتدفق الشيعة على بلدة الحدث، ورجب طيب أردوغان سينظر إلى وزير “الملة المارونية” نظرة سريعة ويمضي في طريقه للمفاوضة على مستقبل إدلب. وسيعود الوزير المخصب من المؤتمر حاملا دعم مجتمع دولي مواز، لمشاريعه في مواجهة اللاجئين. أما مشاريعه في مواجهة مواطنيه من أبناء الطائفة الحليفة، فهي مؤجلة طالما أن حزب الله مستعد لمُبادلة إذلالهم بنفوذه.

أما نحن، اللبنانيون العاديون وغير المخصبين جينيا، فستضيق المساحة الضيقة أصلا علينا. سيتضاعف شعورنا بالعار، وفي كل يوم سنواجه بمواقف تشعرنا بضرورة المغادرة. فباسيل هو الرئيس المقبل، على ما يقولون في لبنان، وطالما أنه ماضٍ في بيع لبنان في مقابل تأمين المنصب العتيد، فهو سيكون الرئيس، ونحن سنُحكم بخطاب عنوانه “عنصريون في سبيل وطننا”.

الوقت تأخر ولن نجد من يأوينا، ولا سبيل أمامنا سوى أن نصرخ، حتى وإن لم يجد الصراخ.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل