باتت مسؤولية فشل الثورة السورية تلقى على الإسلاميين في الآونة الأخيرة رغم العديد من الأسباب الأخرى التي أدت لانحرافات في خط الثورة؛ وكرس ذلك ممارسات قاتلة ارتكبتها جماعات وتنظيمات مختلفة تحت غطاء الإسلام سواء بشقه السياسي أو الجهادي القاعدي.
اندلعت الاحتجاجات الشعبية بداية من درعا لأسباب يغلب عليها الطابع الاجتماعي السياسي دون أن يكون وراءها دوافع وأسباب دينية مباشرة رغم دور المسجد العمري بدرعا ورمزيته في انطلاقها؛ ثم اعتمد الناشطون المساجد مراكز انطلاق رئيسية للحراك كونها تتيح العمل ضمن تجمعات بشرية كبيرة مع عدم وجود بدائل أخرى في ظل إجراءات النظام القمعية؛ ولم يكن ذلك بدوافع أو توجهات دينية وجرى بموافقة ودفع من يساريين وعلمانيين.
ارتباط المظاهرات بالمساجد في المدن الكبرى التي يغلب على تركيبتها السكانية الإسلام السني أدى لظهور شعارات دينية ذات طبيعة شعبية وعودة العديد من الشباب تدريجياً للتدين دون أن يؤدي ذلك لتحول الحراك نحو الطائفية والتطرف.
يسود في سورية نمط من التدين المعتدل يتجلى في بيئة محافظة منفتحة ترفض التطرف والارهاب؛ وقد بدأ ظهور الجهاديين والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة في سورية من خلال مشاركتهم في حرب العراق ضد القوات الأمريكية بتواطئ وترتيب من أجهزة المخابرات السورية دون أن يشكل ذلك حالة شعبية.
استناداً لمكانتهم الاجتماعية تزايد دور الخطباء والمشايخ في الحراك من خلال دورهم في الخطابة ومراسم تشييع الشهداء ثم في قيادة التظاهرات وتوجيهها؛ وقد تكرس دور بعض مشايخ حمص في وقت مبكر منذ اعتصام الساعة الجديدة في 17 نيسان 2011 وأصبح هذا الدور أساسياً بعد ذلك؛ فيما لمع اسم الشيخ أحمد الصياصنة من خلال احتجاجات درعا؛ وبرز دور مشايخ دمشق إثر محاصرة النظام مسجد الرفاعي في كفرسوسة.
لا يمكن إنكار حق المشايخ ورجال الدين ولا غيرهم المشاركة في النشاط الثوري؛ وكانت الجهود تصب باتجاه مشاركة فاعلة تضم كافة أطياف ومكونات المجتمع السوري؛ لكن المشكلة تكمن في مصادرة الحراك واستغلاله لصالح توجهات حزبية وفئوية ضيقة لا وطنية.
لم يندلع الحراك الثوري بدفع ولا قرار من تنظيمات إسلامية لم يكن لها حضور تنظيمي ما عدا حالات تعاطف وارتباط قديم مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي؛ ولكن تلك التنظيمات استفادت من تواجد المشايخ في الحراك لتنظيمهم في صفوفها وتوجيه الدعم المباشر لهم من الخارج؛ بينما أعلن حزب التحرير الإسلامي عن ظهوره مع بداية الحراك في تلبيسة.
من الطبيعي أن يتطور الحراك الشعبي باتجاه ديني عاطفي مع عدم ظهور مشاريع وطنية جامعة؛ وتتحمل مسؤولية ذلك كافة التيارات والأحزاب السياسية التي كانت تخفي فشلها وتبرر الحالة السائدة وتتغاضى عن معالجتها.
كانت مصلحة النظام تقتضي دفع الحراك باتجاه الطائفية والإرهاب من خلال حشد وترهيب الأقليات باستغلال شعارات دينية انطلقت في بعض المظاهرات؛ وبكرت بثينة شعبان في الإعلان؛ بعد أيام من انطلاق حراك درعا؛ عن مخطط إرهابي وهابي لإقامة إمارات إسلامية دون وجود أي مؤشرات أو بوادر لذلك؛ وساهمت تسريبات مخابرات النظام في حقن الرأي العام طائفياً حيث كان يقوم رجال المخابرات بتوجيه الإهانات الدينية بشكل متعمد؛ وجرى تشويه صورة الجامع العمري بدرعا بشكل مؤلم بعد اقتحام مخابرات النظام له حيث تم وضع الأموال والأسلحة وانتهاك حرمة الجامع ورمزيته.
جهد الناشطون لاستيعاب عنف أجهزة النظام وعدم الانجرار خلف أجندته الطائفية المكشوفة؛ لكن تزايد انتهاكات النظام بشكل غير مسبوق أدى لظهور ردود أفعال غاضبة ومن ثم تشكل الجيش الحر بهدف حماية المتظاهرين وردع أجهزة النظام؛ وكان ذلك التحول بداية الانتقال نحو صراع عسكري دامٍ كان يسعى إليه النظام.
انتهت فترة التصالح الهش بين الثورة بمبادئها السلمية والإسلام الشعبي الذي كان يمثل صمام الأمان لمنع انحراف الحراك عن مساره الأصلي؛ وأصبح الدور الرئيسي في قيادة الثورة بعد ذلك للإسلام السياسي والجهادي وهو محور أحاديث قادمة.
عذراً التعليقات مغلقة