سننتصر حتماً.. سننتصر

زاهر الدالي16 مارس 2018آخر تحديث :
زاهر الدالي

سبع عجاف تلك التي ذقناها بمرارة .. في نهاية السنة السابعة تعود سلسلة الذكريات، ففي كل عام كنا نعدّها سنة أخيرة ونقول لا بدّ أن العام القادم سيحمل النصر، لكن السنوات توالت لتصل بنا الأيام إلى أصعبها وأسودها.

إن تزامن الذكرى السابعة مع الحملة المخيفة على الغوطة تجعل المرء يجلس محبطاً يجتر آلامه ولا ناصر له ولا نصيرا، فالتكالب العالمي وتصفية الحسابات وتقاسم الأرض يخلق دوامة يتوه فيها كل المفكرين والمثقفين فما بالك بذاك الرجل الطيب وهذا الفلاح الذي لم يعرف كيف يجني محصولاً ـ إن كان هناك محصول أصلاً ـ طيلة سبع صعاب ،هؤلاء القابعون تحت القصف كيف هو حالهم.

ذاكرتنا التي امتلأت جروحاً وبثوراً ولم تعد تعرف سوى الدمع والدم طعماً، باتت ذكريات الأيام القليلة الجميلة من عمر الثورة كفتحة صغيرة في جدار عال لسجن مظلم.

ومضات نور كانت تشع بين الحين والآخر تلك التي كنا نعيشها عندما كنا نستقبل ضابطاً منشقاً يصل بيته أو يصعد منصة المظاهرات الليلية التي زادت وتيرتها في رمضان 2011، وبدأت أسماء شباب بعمر الزهور ضباط من مدينة الرستن تملأ وسائل الإعلام، (أحمد خلف، عبد الرزاق طلاس، عمر شمسي، أحمد بحبوح، محمد دالي، همام الديك، وليد العبدالله، فادي الكسم الذي استشهد مبكراً) وكثر غيرهم… أعرفهم طلاباً في ثانوية محمد سعيد أيوب أكثرهم لم يكن يعرف معنى كلمة حرب جلّهم من الطيبين البسطاء، أذكر أنني دربت أكثرهم على كيفية حمل واستعمال السلاح وكلما زاد عدد المنشقين كلما زدت فرحاً واعتداداً بنفسي لأنني كنت مدرباً عسكرياً فاشلاً فشلت متعمداً في زرع تبعية عمياء لنظام البعث .. وكنت مع مجموعة ليست قليلة من المدرسين نخرج يومياً في مظاهرات رمضان 2011 وكلنا فرح بالشباب الذين كانوا طلابنا وهم يحملون السلاح لحمايتنا من هجوم مباغت لشراذم النظام التي باتت تختبئ في مقراتها كالجرذان.

سقوط النظام

نعم سقط النظام مع أول مظاهرة خرجت في الرستن، سقط النظام حتى نحن الموظفين والتابعين للنظام والمرتجفين خوفاً لم نستطع كبح جماح أنفسنا ودخلنا متخفين بأغطية على أوجهنا بين جموع الشباب المتحمس، وأذكر ليلتها كنا كثر وبيننا كان عقيد من أصدقائنا استشهد فيما بعد وكذلك (أبو علي) الشهيد الجميل رحمهما الله وتقبلهما، صحيح أننا كنا نغطي وجوهنا لكننا ونحن نهتف مع الجموع الغفيرة “الشعب يريد اسقاط النظام” كنا فرحين وسعداء وقمة سعادتنا عندما صعد (يوسف المنور) رحمه الله على الأكتاف ليهتف أمام مفرزة أمن الدولة والجميع يردد خلفة بهدير عال دفع زبانية النظام إلى أن يختفوا داخل جحورهم.

نعم سقط النظام عندما حاول عناصر الشرطة ومديرية المنطقة تفريق المتظاهرين خسروا سياراتهم التي التهمتها سجائر المتظاهرين وولاعاتهم. بعد اشتعال سيارات الشرطة وسماع عيارات نارية متفرقة من مقر قيادة الشرطة تفرقنا كل في طريق ..

في اليوم التالي اجتمعنا بإحساس جديد وشعور جديد، يومها جلسنا عند أبو عرب نتحدث بالسياسة وبصوت عال دون حساب للجدران التي لها آذان، صديقنا الضابط يومها تساءل عن تمثال المقبور وهل سيأتي اليوم الذي يسقط فيه مهدماً، ضحكنا جميعاً ثم تابعنا حديثنا معجبين بهؤلاء الشباب الصغار الذين صنعوا مالم يصنعه كثيرون غيرهم…  تزامن سقوط التمثال مع استشهاد صديقنا الضابط والذي قضى في ظروف غامضة لم تعرف تفاصيلها وللأسف مات ولم يرى كيف تدحرج رأس الطاغية الأب ولم يشهد فرحة الآلاف من أبناء الريف الشمالي الذين تجمعوا وكان سقوط أول وأكبر تمثال لحافظ لعن الله ذكره.

في قطار الذكريات هذا تأتيك الغوطة تصفعك على وجهك بحجم القصف والمعاناة فتنسى كل ما هو جميل تنسى كل ما مررنا به من ذكريات لنعود إلى المفاصل القاتمة من عمر الثورة سقوط القصير وماجرَّ من ويلات على الثورة، سلسلة كبيرة من الهزائم، حمص، الزبداني، مضايا، وحلب لتتقلص مناطق الحرية بتكالب وتآمر كل من عرفنا وكلَّ من لم نعرف .. كل شيء ضاق في حياتنا إلا الحقد… الحقد على نظام أوغل في قتلنا فمن لم يمت جسده ماتت روحه لذلك فإن الحقد داخلنا كبر وتوسع ليصبح أكبر من طائفة ومن زمرة حاكمة، فالحقد الذي نشعر به في العام السابع من عمر الثورة نراه يغطي أصحاب اللحى المتأسلمين الذين نالوا من جسد الثورة الطاهر وخضبوا لحاهم بدمائنا.. حقدنا لم يعد يعرف ضوابط المكان والزمان؛ إنه حقد على كل من ظاهر لنا العداء والاجرام وكل من غدر بنا وتآمر علينا… لكن الأمل يتجدد بالنصر يتجدد بصوت تلك الطفلة التي وقفت من قلب الملجأ بداخل الغوطة لتصرخ علَّ ضمائر العرب والعالم تستفيق.. يتجدد الأمل بسواعد هؤلاء الرجال الصامدين على أطراف دمشق كشوكة في حلق هذا العالم المتخاذل والمتواطئ.. سننتصر حتماً سننتصر.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل