يواجه رفعت الأسد، عم الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، جملةً من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأوروبية، بدأت بتهمة اختلاس الأموال العامة من خزينة الدولة السورية، ووصلت اليوم حد إحالة ملفه إلى النيابة العامة السويسرية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يعود تاريخها إلى مطلع الثمانينات. وذلك، لتورطه المباشر، على ما تفيد المعطيات، في ارتكاب مجزرة سجن تدمر (1980)، التي راح ضحيتها نحو ألف سجين، ومجزرة حماة (1982)، التي يرواح عدد ضحاياها بين 10 و40 ألف قتيل، بحسب مصادر مختلفة.
آخر تلك الدعاوى، وأكثرها حساسية ربما، هي تلك التي رفعها ابن أحد نزلاء سجن تدمر، بعد أكثر من 37 عاماً على فقدانه والده، باحثاً عن بعض العدالة، والكثير من الإجابات. وذهب الرجل إلى الادعاء الشخصي ضد رفعت الأسد أمام المحكمة السويسرية، مستفيداً من أن القضاء السويسري يتيح ذلك، ومستعيناً بجمعيات سورية ومنظمات حقوقية دولية تدعم الضحايا في خوض مسار قانوني وقضائي، قد يمنع الجناة من الإفلات من العقاب.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، دمّر نهاية عام 2015 مبنى السجن السياسي/ الجناح الشرقي بنسبة 70%، وهو مبني على الطراز الفرنسي القديم، وأبقى على الجناح الغربي، حيث السجن العسكري، الذي ألحق حديثاً بالمجمع، ما يطمس ذاكرة المكان ونزلائه بشكل شبه كلي.
ويقول حكيم، الذي وافق على الإجابة على أسئلة “درج” شرط إغفال هويته والاكتفاء بالإشارة إليه بالاسم المستعار، إنه لم يكن يعلم إمكانية مقاضاة رفعت الأسد أو أي من أركان النظام السوري, وإن كان بالطبع يحلم بذلك. “كان هناك أمل، لكنني لا أستطيع القول إنني توقعت أن يتحقق. كنت أحلم دائماً بهذا اليوم. فقد عانينا الكثير، وعانى الآلاف مثلنا، وتحطمت حياة أسر بكاملها بسبب جرائم رفعت الأسد، وهذه الآن فرصة للحصول على العدالة وإعادة الاعتبار والكرامة لنا جميعاً، ويجب أن نغتنمها”.
ينسب إلى رفعت الأسد، قيادة القوات المعروفة باسم “سرايا الدفاع”، التي ارتكبت مجزرة سجن تدمر كرد على محاولة اغتيال أخيه، الرئيس السابق حافظ الأسد. ففي فجر 27 حزيران (يونيو) 1980، غادرت سرايا الدفاع دمشق، وتوجهت إلى سجن تدمر الذي يبعد 200 كلم شمالاً. وما إن وصلت، حتى اقتحمت الزنزانات، وشرعت في قتل جميع النزلاء بطريقة وحشية. واعتمدت السلطات التعتيم الإعلامي الكامل، فلم يعلم غالبية السوريين بما جرى، وبقيت عائلات كثيرة تجهل مصير أحبائها وتنتظر خروجهم في أي لحظة.
ويروي حكيم: “كنت صغيراً في ذلك الوقت، وكان والدي اعتقل في وقت سابق من الأحداث بسبب آرائه السياسية وانتقاده الشديد للنظام، زرناه للمرة الأخيرة قبل مجزرة تدمر. ولكن بعدها، انقطعت أخباره كلياً ومنعنا من الزيارة، وبقينا سنوات طويلة نتعرض لكل أنواع الابتزاز مقابل الحصول على معلومة عنه. اضطررنا لدفع أموال طائلة لكثيرين، حاولوا استغلال حاجتنا، ومعظمهم على صلة بالمخابرات السورية. لكن وعلى رغم كل شيء، فشلنا في الحصول على إذن زيارة”. ويضيف: “عشت سنوات طويلة أنتظر خروج والدي من السجن، وعند سماعي الخبر الصاعق باستشهاده في مجزرة تدمر لم أصدق، حاولت التأكد مراراً من السجناء الذين خرجوا بعد ذلك، وجميعهم أكد أنه قضى في تدمر. كان هذا أمراً فظيعاً”.
والحال أن النظام لم يسلم العائلات جثث الضحايا، بل أبقاهم أحياء في سجلاته، إمعاناً في معاقبة أسرهم وأبنائهم، جاعلاً الاستفادة من أملاكهم أو التصرف بها أمراً مستحيلاً. ويقول حكيم: “سطى بعض ضباط الأجهزة على أملاك والدي، ولم يكن في إمكاننا أن نفعل شيئاً بوجود تهديداتهم. فعلى رغم تعاطف الناس معنا، إلا أنهم خافوا حتى من تقديم أي مساعدة لنا”. ويتابع: “إبقاء والدي حياً في سجلات النظام، أبقاه حياً في ذاكرتي، فقد كنت آخر من رأه قبل اعتقاله”.
وككل عائلات المعتقلين، عوقبت عائلة حكيم بالحرمان من التعليم، والعمل في الوظائف الحكومية ولو الدنيا منها، ومن الاستفادة من أي تقديمات اجتماعية. فهم محرمون من “الموافقة الأمنية”، التي تمثل شرطاً لأي عمل أو وظيفة في دوائر الدولة، وحتى لاستخراج أوراق أو الزواج أحياناً. “أراد نظام الأسد أن يحطمنا ويجعلنا مثالاً يؤدب به السوريين ويخوفهم من مجرد الاعتراض على حكمه”، يقول حكيم، الذي يصف حياته كلها كالسجن الذي عاش داخله من دون أن يدخله. فالكوابيس لا تفارقه حتى اللحظة.
ومعلوم أن رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لعب دوراً محورياً في إيصال شقيقه إلى الحكم عام 1970، وشغل منصب نائب الرئيس. كما كان قائداً لقوات النخبة، المسؤولة عن الدفاع عن النظام، والمعروفة بـ”سرايا الدفاع”. ورأى كثيرون في رفعت، الخليفة المحتمل لأخيه، لكنه اتهم بمحاولة الانقلاب عليه، فتم نفيه إلى أوروبا، حيث عاش منذ عام 1984، متنقلاً بين جنيف وباريس ولندن وماربيلا. وفي حزيران (يونيو) 2016، وجه إليه القضاء الفرنسي تهماً باختلاس الأموال العامة، وتبييض أموال، والتستر على رواتب موظفين غير مصرح بهم. وتبعاً لذلك، تعرضت بعض أملاكه، المقدرة بنحو 90 مليون يورو، إلى الحجز في فرنسا، ثم في إسبانيا، وقبل فترة في إنكلترا، وهو اليوم ممنوع من مغادرة الأراضي الفرنسية.
لكن قبل ذلك، وتحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، تنبهت منظمة trial International (ترايال الدولية)، إلى وجود رفعت الأسد في سويسرا، فأجرت تحرياتها، وقدمت أول بلاغ جنائي للنيابة العامة السويسرية، يتعلق بمجزرة حماة، التي يعتقد أن “سرايا الدفاع” نفذتها بأوامر مباشرة من رفعت الأسد. وعلى الفور، فتح تحقيق جنائي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
تتمتع سويسرا بترسانة قانونية شاملة لمحاكمة مجرمي الحرب، وغيرهم من المرتكبين للتعذيب، الموجودين ضمن الأراضي السويسرية. غير أن الوسائل العملية المتاحة في هذا الصدد، لم تكن كافية، لأن المجرمين كثيراً ما يستخدمون البلدان الغربية كملاذ آمن لهم. وبناءً على ذلك، أنشأت سويسرا وحدةً خاصة، مكلفة بمتابعة الجرائم الدولية، على غرار عدد من الدول الأوروبية الأخرى.
وفي 1 كانون الثاني (يناير) 2011، دخلت حيز التنفيذ أحكام جديدة، تعتمد “نظام روما الأساسي” للمحكمة الجنائية الدولية، فوجدت الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية طريقها إلى القانون الجنائي السويسري، إلى جانب تعريف أدق لجرائم الحرب. وتتولى النيابة العامة للاتحاد السويسري حالياً مسؤولية المحاكمة على هذه الجرائم، ويذهب اختصاصها إلى الجرائم المرتكبة في الخارج من قبل رعايا أجانب، يجدون أنفسهم في الأراضي السويسرية (بحسب الولاية القضائية العالمية).
بناءً عليه، وبموجب مهمتها القاضية بملاحقة ظاهرة الإفلات من العقاب، واصلت “ترايال الدولية”، طيلة السنوات اللاحقة لتقديمها البلاغ الأول، تحرياتها، وقدمت عام 2016 بلاغاً تكميلياً للقضية، يتعلق هذه المرة بمجزرة سجن تدمر. وخلال مسار الدعوى، انضم إلى القضية كثير من الضحايا، بعضهم يعتبرون شهوداً مباشرين على عمليات القتل. واعتمدت عناصر الأدلة على شهادات وتقارير لمنظمات غير حكومية، ومقالات صحافية، ووثائق أرشيفية من أجهزة استخبارات دول عدة، ومراسلات السفارات، ووثائق من وزارات الخارجية لبلدان عدة، كلها توضح موقع رفعت الأسد، ودوره في استئصال المعارضة بالأساليب العنفية، وتورط سرايا الدفاع في تلك الأحداث، وجسامة ما اقترفته من قتل وتصفيات.
فبعد مجزرة السجن، في مطلع شهر شباط (فبراير) 1982، وعلى أثر استيلاء تنظيم “الطليعة المقاتلة” على مدينة حماة، جندت الحكومة آلاف الرجال، بينهم سرايا الدفاع، وطوقت المدينة، وقصفتها بالمدفعية الثقيلة والدبابات. وفرض حصار مطبق على المدنيين، فقطعت الكهرباء والمياه، واستمر القتل العشوائي لمدة شهر تقريباً، حتى نهاية شباط (فبراير). وأجريت محاكمات ميدانية، وتصفيات، واعتقالات، واغتصابات، وسوّيت أحياء كاملة بالأرض، بينها المدينة القديمة، في ما اعتبر عقاباً جماعياً، وذلك كله مذكور في اللائحة الاتهامية.
لكن، وعلى الرغم من توافر أدلة كثيرة، والتبليغات الجنائية الإضافية التي تقدمت بها “ترايال الدولية”، والشكاوى التي أودعتها الأطراف المتضررة، إلا أن عمليات التحقيق التي قادتها النيابة السويسرية منذ ذلك التاريخ، يبدو أنها بقيت محدودة جداً. ويقول حكيم: “هنالك بطئ وتلكؤ واضحين يصعب فهمهما، لكن يبقى أن القضية رُفعَت، وهذا وحده يعتبر خبراً رائعاً بالنسبة إلي. فأنا مؤمن أن العدالة في سويسرا ستأخذ مجراها في النهاية، ولدي أمل أن تقوم السلطات القضائية بتحقيق العدالة، وتدين رفعت الأسد كمجرم حرب فارّ من العدالة، فلديها كل الأدلة اللازمة لذلك”.
ونظراً إلى أن القضاء السويسري يمنح أي ضحية كانت فرصة التقاضي ورفع دعوى ضد الجناة، يرى حكيم أنه “سيكون أمراً عظيماً أن يقوم السوريون في كل مكان، ممن فقدوا أشخاصاً في تلك الحقبة، برفع دعاوى في كل مكان يسمح ذلك، يجب أن لا يفلت هؤلاء من العقاب”. ويضيف: “محاسبة رفعت الأسد، ومحاكمته كمجرم حرب، تشكّل رسالة مهمة لنظام بشار الأسد الذي ارتكب الفظائع أيضاً، بأن جرائمه لن تمر من دون عقاب. فذلك سيكون الطريق الأقصر لإنصاف الضحايا، ويشكل رسالة لهم أيضاً، بأن العدالة ممكنة ولو طال بها الزمن”.
أما الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، فهي أن يتصل الضحايا بالمنظمات السورية والأوروبية المعنية بمثل هذه القضايا، سواء تلك الناشطة في أوروبا، أو أي مكان آخر يتيح التقاضي، لكون المسار نفسه بات ممكناً، إذ سيكون من الأهمية بمكان، أن تكثر مثل هذه القضايا وتدعم ملفات بعضها بعضاً.
ورداً على سؤال حول احتمالات “عفو عام” قد يستفيد منه النظام وأركانه، الذي غالباً ما تنتهي إليه النزاعات في الشرق الأوسط كبديل عن مسارات للعدالة الانتقالية والتقاضي الدولي، ختم حكيم: “النظام لا يحتاج أصلاً إلى عفو عام، فهو أساساً لديه ترسانة قانونية تعفي مرتكبي الجرائم من قواته والميليشيات التابعة له من أي محاسبة. لكن على السوريين أن يعملوا جاهدين على جلبهم للعدالة، خصوصاً أن الأدلة باتت الآن حاضرة. فالعفو العام لا يمكن أن يكون بالنيابة عن الضحايا، لأن تلك حقوق أصلية لهم وليست حقوقاً سياسية فقط”.
وأمام انسداد الأفق السياسي، الذي يبدو أن المسارات الدولية تأخذه باتجاه إعادة تدوير النظام و”مؤسساته”، وتحقيق الأخير انتصارات عسكرية بمساعدة الطيران الروسي جواً، وميليشيات عسكرية عالية التدريب براً، قد لا يبقى أمام الضحايا السابقين والحاليين، إلا أن يسلكوا مسلك العدالة الدولية، للاقتصاص من الجناة، وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب للأجيال المقبلة، عسى أن يدفنوا حقبة مريرة مع كوابيس فقدان الأحباء، والبحث الدائم عنهم.
-2-
توجه “درج” ببعض الأسئلة إلى مسؤول التحقيقات الجنائية، المحامي بنديكت دو مولرزو، للوقوف على المسار القانوني والقضائي، الذي تتخذه الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الدولية، والجهة ذات الاختصاص، ومدى قدرة السياسة على التأثير في سير العدالة.
هنا نص الحوار:
-ورد في الملف أن عدداً من الضحايا “حاولوا في الماضي، مباشرة مساع ضد رفعت الأسد على الساحة الجنائية، غير أن ذلك لم يكلل بالنجاح حتى الآن”. لماذا؟ وما هي الضمانة الآن؟
من الصعب تقديم تفسير عام لعدم إفضاء هذا النوع من المساعي إلى نتائج إيجابية. إلا أنه عادة يرجع السبب إلى خصوصية هذا النوع من الملفات، والتعقيدات القانونية المحيطة بها، ومنها ما يتعلق بمستويات الأدلة، ما يؤدي إلى رفض سلطات التحقيق لهذه الدعاوى عندما يرفعها أفراد، ليسوا مطلعين بالضرورة على هذه الخصوصيات. وعملنا بالضبط هو التعرّف إلى هذه الخصوصيات والشروط القانونية، والقيود الزمنية المطبقة، بما يسمح لنا تقديم شكاوى، مع مراعاة حظوظ نجاح ذلك.
أما بالنسبة إلى الضمانات، فيتوقف ذلك على مدى عزم سلطات القضاء السويسري على التحقيق في الملف بالطريقة اللازمة، وهذا لم يرْقّ حتى الآن إلى مستوى تطلعات الضحايا، والأدلة المرفوعة، وأهمية الملف. لذا، ندعو النيابة العامة للكونفدرالية السويسرية إلى التعامل مع الملف وفقاً للقانون السويسري والمعاهدات الدولية الموقّعة، على غرار اتفاقيات جنيف.
-ثمة حصانة سياسية يتمتع بها النظام السوري وأركانه، تجلت في تمسك المجتمع الدولي ببقائه، وبقاء “مؤسسات الدولة”، التي تم تسخيرها بالكامل لممارسة الانتهاكات، وطاولت حتى الجهاز القضائي. ما هي الحصانة الممنوحة للضحايا في المقابل؟ وعلام سيتكلون في رفع قضاياهم؟
صحيح أن مختلف ضحايا النظام، سواء في عهد حافظ الأسد أو ابنه، متروكون لشأنهم، وهم في حالة يأس تام. ونحن نهدف، من خلال هذه الدعوى، إلى تمكين ضحايا مجزرتي تدمر وحماة وأقاربهم، من الوصول إلى العدالة. علماً أن هاتين المجزرتين، تشكلان أساس مجازر النظام، وتم استنساخهما إلى أقصى حد في النزاع القائم حالياً. ونحن نسعى أيضاً، وبشكل غير مباشر، إلى إسماع صوت جميع ضحايا الفظاعات. ونأمل كذلك في إيصال رسالة إلى جلادي هذا العصر، مفادها أن الوقت قد يمرّ، لكنكم قد تمرون أنتم أيضاً أمام العدالة. فلا تعتقدوا أنكم لن تنالوا جزاءكم.
-كيف تجري الأمور عادة؟ هل تبحثون عن ضحايا راغبين بالمقاضاة أم هم يأتون إليكم؟
أحياناً يقصدنا الضحايا مباشرةً. كما أننا عادةً، في إطار تحقيقاتنا، نلتقي آخرين ونستعرض أمامهم إمكانيات تحريك دعاوى أمام القضاء، ونحدثهم أيضاً عن الحدود والصعوبات. وبعدها يعود إليهم قرار تقديم شكاوى إذا رغبوا في ذلك.
-هل من تعريف أو معايير لـ”القضية الرابحة” في المحاكم الدولية؟ وما هي؟
من الضروري العلم بأننا نعمل وفقاً لمفهوم الاختصاص العالمي، الذي يتيح ملاحقة مجرمي الحرب، فقط إن هم انتقلوا إلى الدائرة القضائية، التي تنظر في هذه الجرائم، مع ملاحظة أن هناك استثناءات على غرار ألمانيا، التي تحقق حالياً في جرائم النظام السوري. في العادة، لا بد أن يكون المشتبه فيه تحت تصرّف العدالة. بعدها يتعين وجود شهود راغبين، أو يمتلكون الجرأة، على تقديم بلاغ ضد المشتبه فيه. عادةً، يمنعهم الخوف من ذلك، وهذا مفهوم تماماً. يجب أن تكون الأدلة ثابتة، إذ لا يمكن بسهولة إدانة أحد بارتكاب جرائم حرب، وهذا جيد. وأخيراً، على السلطات القضائية أن تكون لديها نية حقيقية في فتح الملفات والتحقيق فيها.
-هل يمكنك أن تعتبر قضية “حكيم” رابحة؟ وكيف يقاس الربح والخسارة في ميزان العدالة الدولية؟
نعتقد، بالنسبة إلى حالة “حكيم”، أن الأمر يتعلق بقضية مُحكمة، وأن “حكيم” يستحقّ إنصافاً. وفي رأينا، فإن عزم سلطات الادعاء على التحقيق بفعالية، وأيضاً الظروف القانونية المعقّدة ذات الصلة بقانون النزاع المسلّح، عاملان أساسيان في حسم الموضوع.
على المدّعين السويسريين أن يسلموا بمسألة وجود نزاع مسلح في سورية عام 1980، وهو ما نتفق حوله نحن كذلك. والحقيقة أن جرائم الحرب فقط يمكن متابعتها قضائياً. فليس من اختصاص السلطات السويسرية النظر في جريمة لم ترتكب في إطار حرب أهلية. هذا أمر معقّد، وبالضبط هذا ما يجعل منظمات مثل “ترايال الدولية”، تحاول المساهمة بخبرتها في هذه الملفات.
إن العدالة الدولية حركة شاملة، معرّضة لهجمات متكررة، لكنها رغم ذلك في تقدّم. لنأخذ مثلاً قضية حسن هبري، رئيس تشاد السابق، الذي حوكم وأدين مؤخراً بسبب جرائم قتل ارتكبها نظامه. هناك أيضاً التحقيقات الآلية الجارية في ألمانيا بشأن النظام السوري، وكذا المحاكم المنشأة مؤخراً في كولومبيا، وفقاً لاتفاقيات السلام، أو تلك المحاكمات الجارية حالياً في يوغوسلافيا السابقة ضد مجرمي الحرب. كلها خطوات ضرورية لاستعادة السلم. إنها معركة مستمرة، وصعبة أحياناً، لكن خوضها مستحق، وللضحايا حق في ذلك.
عذراً التعليقات مغلقة