ضمن المدى المنظور، سيستمر تدفق المساعدات العربية والدولية إلى مطارات المناطق التي يسيطر عليها النظام، كعلامة على سلوك عربي جديد تجاهه. السبب المعلن هو الكارثة الزلزالية، بينما يمكن اعتبار الأسباب الأخرى، هي ما يفرض الإيقاع العام لكل الأطراف في العلاقة معه، ولا سيما الزيارات المتكررة لمسؤولين عرب، كان آخرها وفد الاتحاد البرلماني العربي.
يعتقد محور عربي وازن، أن بإمكانه استعادة دمشق، من حالة وضع اليد الإيرانية! وأن فعل ذلك لا يحتاج سوى لجهود دبلوماسية ودودة، ومساعدات مادية يشعر النظام من خلالها، أن إخوته يقفون بجانبه، وأنه ليس بحاجة للغرباء!
غير أن ما يتم التطبيل له على أنه “انفتاح عربي” يعاني من عطب جوهري، تتراكب فيه عدة مسائل، لتشكل عقدة غير قابلة للحل.
من ناحية أولى، لا يمكن إقناع بشار الأسد، بوجوب استغلال الفرصة المتاحة حالياً، طالما أنه ما برح يدعي خروجه من “الحرب” منتصراً، رغم الوضعية المهترئة لمقومات سيطرته، وإدارته للدولة.
يظنون أن انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، وكذلك بذلها الجهود التي تشجعهم على انفتاحهم الراهن، سيجعلها موافقة على خطتهم
وفي السياق ذاته، يعتقد المندفعون صوب دمشق، أن مشكلتهم الوحيدة هي السيطرة الإيرانية، بحكم تعارض المصالح بينهم وبين طهران، وتخوفهم من السياسة العدوانية لنظام الملالي، غير أن هذا الاعتقاد، يبدو بحاجة لتحديث ضروري، إذ يُنحي هؤلاء الوجود الروسي هنا منذ العام 2015، عن دائرة الأخطار المهددة لمصالحهم، ويظنون أن انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، وكذلك بذلها الجهود التي تشجعهم على انفتاحهم الراهن، سيجعلها موافقة على خطتهم، التي تهدف إلى دفع النظام صوب القبول بعملية سياسية، تنهي الأزمة!
لكن الحقيقة التي يعرفها السوريون قبل غيرهم، تقول بأن بوتين لم يأت إلى بلادهم، كي يجرب أسلحته الجديدة، ويدرب جنوده على الرماية فقط، بل حمل قواته إلى هذه البقعة من الأرض، كي يجعل منها منطلقاً لفرض معطيات مختلفة، في سياق علاقته المضطربة أصلاً مع الدول الغربية، والتي تخضع لصراع جيوسياسي عميق.
وبالتالي، فإن تبسيط الحالة بالشكل الذي يعتقده الداعون إلى استعادة سوريا عربياً، يحكم على كل خطواتهم بالسذاجة، إذ يغيب عنها التفكير بتاريخ تعاطي النظام نفسه مع كل المبادرات، التي مضت فيها الجامعة العربية منذ العام 2011، لإيجاد حل عربي للأزمة، حيث يتذكر الجميع، كيف قام بافراغ كل المساعي، التي بذلت من أجل منع تفاقم المشكلة، ليبقي على الحل الوحيد، الذي يريده، أي الحرب على الثائرين ضده.
هل يمتلك العرب أدوات جديدة، يستطيعون من خلالها تحسين سلوك النظام؟
فعلياً لا يوجد أي معطيات مختلفة عما سبق، سوى ما يعتقده البعض من أن رفضه مبادراتهم السابقة، كان يأتي من موقع قوته آنذاك، وأنه فقد كثيراً من ذلك، بعد كل هذا الوقت، وخاصة مع اشتداد إحكام العقوبات الدولية على عنقه، وأنه بات جاهزاً للمضي في الحل الذي ينقذ بلاده.
غير أن تصور هؤلاء لحالة بشار الأسد، على أنه مجرد طفل “أزعر”، نبذته عائلته، بسبب سوء تصرفاته، فذهب بدلاً عنها إلى رفاق السوء، وأنه سيعود حين سيفتحون له باب البيت، هو قمة الجهل بتكوين من يتعاطون معه.
إذ على هؤلاء، إذا كانوا لا يعرفون، أن يقوموا بفحص عقل “شقيقهم”، لتبين مدى قدرته على التفكير بالأخطار المحدقة ببلاده، منذ عام 2011 وحتى الآن. وبعد ذلك عليهم أن يحللوا دمه، كي يعلموا إلى أي مستوى، وصل به “إيدز” الصلف والادعاء، وهل سيعود مقراً بذنبه؟ ومعتذراً منهم عن جعل نفسه مطية للإيرانيين وللروس، وبما يعاكس مصالح البيت العربي الواحد؟ أم أنه سيعود إليهم، معتقداً بأنه زعيمهم الأقوى، الذي يجب أن يعتذروا منه، عن سوء تعاملهم معه سابقاً!
هم ربما لا يعرفون بأن من أدمن قتل الناس، لن يهتم ببضعة آلاف ممن تسببت الكارثة الطبيعية بموتهم
“من الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر الشيء نفسه” هكذا قال ألبرت أينشتاين ذات يوم، لكن الإخوة العرب لم يسمعوا بهذا القول، ولهذا فإنهم يظنون، بأن وضعية النظام المنكوب بالكارثة، تكفي للمضي صوب غاياتهم، وهم ربما لا يعرفون بأن من أدمن قتل الناس، لن يهتم ببضعة آلاف ممن تسببت الكارثة الطبيعية بموتهم.
وهم بالإضافة إلى حماقتهم هذه، يظنون أنه بالإمكان إنجاز حل ما في البلاد، يقوم على قواعد يرفضها النظام أصلاً لأنها ستؤدي إلى نهايته، وإنه سيتملص منها عاجلاً أم آجلاً، طالما أنها لا تمتلك أدوات تجبره على القبول بها، من مثل قرار وفق الفصل السابع يأخذه مجلس الأمن، يلزمه بتنفيذ القرار الأممي 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية.
وقبل هذا وذاك، كيف يعتقد هؤلاء أن بإمكانهم تغيير سلوك الأسد، وهم يمضون من خلال مسار فوقي، لا يهبط صوب الآخرين، الذين يمتلك جزء كبير منهم سيطرات على الأرض، كما يشغل بعضهم مواقع فاعلة في سياق العملية السياسية المأمولة؟
وأيضاً، ألا يشعر عشاق “تبويس الشوارب” كأسلوب دبلوماسي لحل الأزمات، بأن عليهم الاقتراب ولو قليلاً، من الضحايا، أي السوريين الذين شردوا فنزحوا ولجؤوا، وأولئك الذين قُتل أحبتهم بسلاح الأسد وإيران وروسيا، واختفى أفراد من عائلاتهم في مجاهل عدوان النظام على شعبه، فصاروا إما مفقودين أو معتقلين مجهولي المصير، ليسمعوا منهم رأيهم وتصورهم عن حل مستدام ينهي شقاء، طال كثيراً!
عذراً التعليقات مغلقة