خلقت ملابسات خبر موت الطفلة نهلة في أحد مخيمات الشمال السوري جدلاً اجتماعياً ودينياً واسعاً على وسائل التواصل الإجتماعي عن الظروف اللاإنسانية التي تعامل بها الأب مع طفلته بعد أن طلق والدتها وتزوج مرة أخرى تاركا ابنته التي لا تتجاوز 6 سنوات مربوطة بجنزير تتجول في المخيم نهارا ومخبوزة بقفص ليلا مع إهمال تغذيتها حتى ماتت مختنقة بلقمة كانت تسد بها جوعها.
صدمة كبيرة عمت وسائل التواصل الإجتماعي بين حزن على حالها و حال أطفال آخرين تمارس عليهم أشكال مختلفة من الإهمال والعنف الجسدي بأشكال مختلفة تحت ذريعة التربية كما اعترف والد نهلة أنها كانت كثيرة الحركة فلم يجد أي طريقة للتعامل معها إلا ربطها بجنزير.
هذه الحادثة تعيدنا إلى أساليب التربية المتجذرة بالعادات والتقاليد التي تبيح للأهل استخدام ما يرونه مناسب للتأديب ومن ضمنها الضرب والشتم دون أدنى تفكير بعواقب هذه التصرفات اللا مسؤولة على جيل كامل يتجذر العنف في سلوكه ويتحول لنمط حياة وتدور حلقة العنف من جديد عندما يكبر الأطفال ويصبحون أب وأم يمارسون ذات الطريقة مع أطفالهم.
صحيح أن أغلب الأهل في مجتمعاتنا ليسوا مجرمين كوالد نهلة ولا يصل مستوى العنف في تعاملهم مع أطفالهم هذا الجنون ولكنه لا يخفي القاعدة الدينية التي تبنى عليها العلاقة بين الوالدين والأطفال (أنت ومالك لأبيك) مما يعطي للأهل “كرت مفتوح” للتعامل مع أطفالهم كما يشاؤون كأنهم ملكية خاصة لهم، واستنادا لتفسير هذا الحديث النبوي وغيره من الأحاديث الصحيحة التي تحث على ضرب الأطفال (علموهم على سبع واضربوهم على عشر) مما يعطي للأبوين غطاءً شرعياً لاستخدام العنف لغايات تتعلق بالتربية من وجهة نظرهم.
ظاهرة العنف ضد الأطفال ليست حكرا على مجتمعاتنا فهي ظاهرة عالمية تعاني منها أغلب المجتمعات بنسب متفاوتة وكان لشيوع هذه الظاهرة واستمرارها سبب في اعتماد الأمم المتحدة معاهدة حقوق الطفل عام ١٩٨٩، بحسب الاتفاقية يعرّف الطفل بأنه كل شخص تحت عمر الثامنة عشر لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة.
تعترف الاتفاقية أن لكل طفل حقوق أساسية، تتضمّن الحق في الحياة، الحق في الحصول على اسم وجنسية، الحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين.
تلزم الاتفاقية الدول بأن تسمح للوالدين بممارسة مسؤولياتهما الأبوية. كما تعترف الاتفاقية بحق الطفل بالتعبير عن الرأي، بحمايته من التنكيل والاستغلال، أن يتم حماية خصوصياته وألا يتم التعرض لحياته.
وفي النظر لتجاوب الدول العربية مع اتفاقية حقوق الطفل كانت أغلب تحفظات تلك الدول تعارض أي مادة لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية في عودة إلى النظرة الشرعية للتعامل مع الأطفال الذين يسمح الشرع بالوصاية الكاملة عليهم جسديا ونفسيا و يبرر استخدام العنف ضدهم وما نتج من قوانين تتوافق مع هذه الرؤية الشرعية بحيث اصبح تعديل القانون وفصله عن الدين وتفسيراته أحد أهم المعوقات التي تقف أمام تطبيق الإتفاقية وخلق بيئة صحية لتربية الأطفال في مجتمعاتنا.
بذلك حادثة موت الطفلة نهلة ليست الحادثة رقم صفر بل هي سلسلة طويلة ومتكررة من العنف الممارس ضد الأطفال بأشكال مختلفة كرستها العادات والتقاليد وبتأييد الشرع والقانون والجدل الدائر حاليا بين مستنكر لاستمرار هذه الثقافة والعمل بشكل جدي لإدانة هذا السلوك دون إي تجميل للواقع ومحاولة تبرئة ساحة الدين وتشريعاته تارة او ضعف القانون وتطبيقه تارة أخرى او تحميل الفرد مسؤولية افعاله لم تعد مجدية لأن هناك خلل إجتماعي واضح يحتاج لبلورة قوانين واضحة لا يحتمل تفسيرها وجهين بإدانة أي انتهاك ضد الأطفال بداية باهلهم ولا ينتهي عند الغرباء …بل على العكس تماما العنف الذي يمارس على الطفل من اقرب الناس اليه والذي فطريا هو الطرف الذي يشعر الطفل بالأمان بوجوده في حياته يترك ندوب في شخصية الطفل لا تمحيها السنين بل تخلق دائرة لا متنهاية من العنف والعنف المضاد الذي يجعل المجتمع متماهي مع هذه الظاهرة لايجد مشكلة في تقبلها ولا يفكر بضرورة رفضها تماما كما كانت تتجول نهلة بالمخيم والجنزير يلف ساقها دون إي رد فعل من سكان المخيم لإنقاذها قبل وفاتها.
عذراً التعليقات مغلقة