اقتل لكن ليس بالكيماوي: من معاني الضربة الثلاثية

سليمان نحيلي18 أبريل 2018آخر تحديث :
اقتل لكن ليس بالكيماوي: من معاني الضربة الثلاثية

على مدار سبعِ سنواتٍ ،تُوغل آلة الإجرام الأسدي في الشعب السوري الثائر تقتيلاً وتشريداً واعتقالاً وتدميراً، بمؤازرة الحليفين الروسي والإيراني، حتى بلغت ضحايا هذا الشعب زهاء نصف مليونٍ حسب أقلّ التقديرات من منظمات حقوقية محايدة.

وأمام استمرار تلك الجرائم المشهودة والمنقولة مباشرةً للعالم أجمع، لم تكن ردّة فعل العالم عامةً والغرب خاصةً بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، سوى التنديد والشجب والأسف والمناشدة. إلى أن تجرأ النظام الأسدي المجرم باستخدام السلاح الكيماوي لعدة مراتٍ بحق المدنيين، كان آخرها في مدينة دوما، مستفيداً من تهاون المجتمع الدولي معه إزاء استخدام هذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياً. عندها بدأ الغرب الغربُ بالتباكي على أرواح المدنيين والأطفال السوريين الذين لم يزيدوا على المئة، متعامينَ عن مئات الآلاف الذين أُزهقت أرواحهم بالأسلحة التقليدية، وكأنهم ليسوا بشراً، وأنّ الذين قضوا بالسلاح الكيماوي، هم بشرٌ فقط لكن بخمس نجوم أو بسبعة أرواحٍ ينبغي الرد على قاتلهم والانتقام منه.

هلّلَ الكثيرونَ للضربة الثلاثية البريطانية الفرنسية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي شغلت الإعلام العالمي أياماً قبل تنفيذها، وذهب البعض بالأمل بعيداً، وتدميراً إياها بدايةَ إسقاط النظام الأسدي.

لكنّ الدول الثلاث كانت واضحةً منذ البداية، فصرّحت عبر مسؤوليها أنها ستكون محددةً ومنتقاةً، وأنها تهدف إلى تدمير البنية التحتية لإنتاج وتطوير السلاح الكيماوي الأسدي، وأنها لا تهدف إلى إسقاط النظام البتة، إنما ردعهُ وحلفاؤه عن تكرار استخدام السلاح الكيماوي بحق المدنيين مجدداً. وكأنّ القتل بالسلاح الكيماوي فقط هو المحرّم دولياً، ومخالف لمبادئ حقوق الانسان والأخلاق العامة، أما القتل بوسائل أخرى فهو أعمال غير إجرامية لا تتنافى مع مبادئ حقوق الانسان والأخلاق العامة.

إزاء هذه الوقائع والحقائق والاعتبارات التي تدعو للسخرية والمرارة، كانت الضربة الثلاثية التي وُجِّهت لمواقع النظام المذكورة آنفاً، بعد أن مُنحَ الوقت الكافي للاستعداد لها، وإخفاء معالم وآثار جريمته، والمواد الكيماوية المحرمة، عدا عن إخلاء المطارات العسكرية من الطائرات.

وبعد الضربة الاستعراضية تلك ،كان لابدّ من عودة العمل وإرضاء خاطر ملك ملوك إسرائيل، فهاهي المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن تصرّح (لم نكن نريد الضربة ،لكن بشار الأسد اضطرنا لذلك).

وكذلك ما جاء في الجريدة الرسمية الصهيونية يديعوت أحرنوت (بإمكان الأسد تنفسُ الصعداء فالضربة محدودةُ الأهداف). وكأنها تقول له لقد توسطنا لك بعدم المساس بحكمكَ ،والحمد لله على سلامتك.

أمام هذا الوضوح والمحدودية في الأهداف والنتائج، فهم النظام وحلفاؤه الرسالة جيداً، فعكفَ عن استخدام السلاح الكيماوي، أو علّق استخدامه إلى حين تقضي الضرورة، ووجه منذ اليوم التالي للضربة الغربية حملةً عسكريةً كبيرةً إلى ريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي، كي تدكّ المنازل فوق رؤوس ساكنيها من المدنيين العزّل بشتّى صنوف الصواريخ والقذائف، وليقضي تحتها من الضحايا الأبرياء مايفوق ربما عدد ضحايا المجزرة الكيماوية في دوما.

وهاهم الايرانيون يعلنون من الغوطة الشرقية على لسان مستشار المرشد الأعلى، أنهم يعدّونَ العدة للتوجه إلى درعا وإدلب.

إن من حسن الاستنتاج الواقعي القول: إن هذه الضربة لا تدلّ على أية تغيرات استراتيجية في توجّهات الإدارة الأمريكية من الناحيتين العسكرية والسياسية إزاء الملف السوري، ولا أدلُّ على ذلك سوى محدودية ودقة الضربة من حيث الزمان والمكان، وعدم إحداثها أضراراً كبيرة في بنية النظام العسكرية، فهي ما زالت تريده معافى، بالقدر الذي يكمل فيه مهمته التدميرية في سورية، علاوةً على أن الضربة لم تمس أيةَ أهداف روسية أو إيرانية.

خلاصة القول: إنّ الضربة الغريبة الترامبية لم تكن سوى ضربة استعراضية محدودة، بمثابة تجديد رخصة للنظام وحلفائه بقتل المزيد من الشعب السوري، وكأني بترامب يقول لعميله بشار: اقتل من السوريين ماشئتَ، لكن ليس بالكيماوي ،فنحنُ عنكَ غافلون.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل