نشبت خلافات، مساء أمس الأربعاء، داخل “فرقة المعتصم” العاملة ضمن الفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري، ما أسفر عن إصابة القائد العام للفرقة المعتصم عباس ومقتل شقيقه، مع إعلان عزل “عباس” وإحالته للقضاء بتهمة “الخيانة والفساد”.
وأفادت مصادر عسكرية لـ موقع تلفزيون سوريا، بأن هناك طرفين رئيسين للصراع داخل الفرقة، الأول يتمثل بقائد الفرقة المعتصم عباس وإخوته، والثاني بمدير المكتب السياسي مصطفى سيجري، والقيادي علاء الدين أيوب (الفاروق أبو بكر).
تفجر الخلاف بعد أيام من الحشد
قبل الدخول بتفاصيل الأحداث والمواجهات التي جرت، أمس، بين طرفي الخلاف في الفرقة، يجب الإشارة إلى أن إرهاصات الصراع بدأت تظهر للعلن، منذ عدة أيام، من خلال الإشارة إلى خروج “سيجري” من الفرقة وتشكيل كتلة مستقلة، حيث سعى “عباس” إلى مهاجمة مواقع “سيجري” لمنعه من تنفيذ مخططه.
وفي ذلك الوقت، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع قائد الفرقة المعتصم عباس للاستفسار منه عن صحة ما يشاع بهذا الخصوص، ليجيب: “هذه أخبار منشورة على الإعلام الأسود، لا أساس لها من الصحة ولا يوجد شيء أبداً، هناك من يسعى إلى تشويه سمعة الفرقة لأغراض مجهولة للأسف”.
اقرأ أيضاً
اشتباكات واعتقالات.. شخصيات تعزل قائد “فرقة المعتصم” وتتهمه بـ”الخيانة”
في اليوم نفسه (الأحد الفائت)، عرضنا ذات الاستفسارات عن “سيجري” ليجيب قائلاً: “لست خارج الفرقة، ولكن هناك استنفارات عسكرية تجهزت بأمر أبو العباس وإخوته (قائد الفرقة)، وأنا موجود في مقر القيادة ومعي جميع أعضاء مجلس القيادة”.
وأشار “سيجري” إلى أن الأزمة تفجّرت بعد أن نشر تغريدة على حسابه في منصة “إكس” تتعلق بجزء من الواردات المالية القادمة للفصائل العسكرية، وحصة كل عنصر منها.
ماذا ورد في التغريدة؟
خلال شباط الماضي، كشف مصطفى سيجري، أن راتب الفرد الواحد من الجيش الوطني السوري يجب أن يكون 3800 ليرة تركية شهرياً، حيث ذكر في منشور على منصة “إكس”، أن المنحة المالية المقدّرة بـ3800 ليرة تركية تُسلّم لقادة الفصائل في الجيش الوطني عن كل عنصر واحد، علماً أن العناصر لا يتسلّمون نصف المبلغ المذكور في أحسن الأحوال، وهذا ما يفتح باب الأسئلة عن سبب عدم تلقي الأفراد لمنحهم المالية كاملة.
وقال في منشوره، إنّ “توحيد الحواجز والمعابر الداخلية في ريف حلب الشمالي والشرقي تحت إدارة وإشراف الشرطة العسكرية يشكل حالة إيجابية وخطوة ضرورية في إطار عمليات ضبط الأمن الداخلي وإنهاء المظاهر المسلحة وإزالة الحواجز الأمنية التابعة للفصائل العسكرية عبر تمكين إدارة الشرطة العسكرية وتوحيد الحواجز الداخلية، وذلك استجابةً للمطالب الضرورية والملحة لأبناء المناطق المحررة”.
وأما عن الموارد المالية، فقد أشار المتحدث إلى “منح مقاتلي الجيش الوطني السوري زيادة بنسبة 100 في المئة على المنح المالية الشهرية الثابتة، بالإضافة إلى الموارد المالية والعائدات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية بعد توحيد الصندوق المالي وتسليم المعابر الداخلية لإدارة الشرطة العسكرية”.
وبذلك، تبلغ حصة الفرد الواحد من مقاتلي الجيش الوطني السوري نحو 3800 ليرة تركية، مفسراً ذلك بالقول: “على سبيل المثال لا الحصر في شهر كانون الثاني لعام 2024 خُصصت 2000 ليرة تركية للمقاتل (منحة شهرية ثابتة)، و40 دولاراً (حصة المعابر الخارجية)، و17 دولاراً (حصة المعابر الداخلية)، ليكون المجموع 3800 ليرة تركية”.
ويشير “سيجري” إلى أن تغريدته هذه أثارت غضب قائد الفرقة، بعد أن توضحت مداخيل الفصيل الاقتصادية، وحجم المبلغ الذي من المفترض أن يتسلمه العنصر شهرياً، لتكون أحد أسباب الخلافات بين الطرفين.
ماذا جرى يوم أمس؟
نشبت مواجهات محدودة بين الطرفين، مساء أمس، داخل مقر أركان “فرقة المعتصم” في قرية أرشاف قرب بلدة أخترين شمالي حلب، ما أدى إلى اعتقال قائد الفرقة المعتصم عباس من قبل الطرف الآخر (سيجري – الفاروق).
وأفادت مصادر متطابقة لموقع تلفزيون سوريا، بأن الطرفين اجتمعا داخل المقر، ومن المقرر أن تكون الجلسة للصلح بين الجانبين، إلا أن الأمور توترت بينهما، ما دفع “المعتصم” لمحاولة اعتقال “سيجري” ومن معه، إلا أنه لم يفلح، إذ جرى اعتقال قائد الفرقة نفسه برفقة عدة عناصر.
وأدّت المواجهات إلى إصابة قائد الفرقة بيده، ومقتل شقيقه أحمد عباس، وفي وقت لاحق، أشار “سيجري” إلى تسليم “المعتصم” وجميع الموقوفين إلى قيادة الفيلق الثاني أصولاً.
إعلان عزل قائد الفرقة
وأعلن “سيجري” على حسابه الشخصي، عن عزل قائد الفرقة “المعتصم عباس”، وإحالته للتحقيق بتهمة “الخيانة والفساد” بحسب وصفه.
ونشر “سيجري” بياناً قال فيه: “استناداً إلى صلاحيات المجلس العسكري للفرقة الثالثة في الفيلق الثاني (فرقة المعتصم)، والمنصوص عليها في النظام الداخلي تقرر عزل المدعو معتصم عباس من قيادة الفرقة وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام”.
وأشار البيان إلى إحالة كل من أحمد عباس ومفيد عباس ومحمد عباس وفؤاد عباس للتحقيق الداخلي بتهمة “استغلال النفوذ العسكري والأمني وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام”.
ونص البيان على “مصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لـ(معتصم عباس – أحمد عباس – مفيد عباس – محمد عباس – فؤاد عباس، المسجّلة بعد عام 2011).
ودعا البيان وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة لتشكيل لجنة خاصة للاطلاع على “موجبات القرارات الصادرة عن المجلس العسكري للفرقة، والإشراف على التحقيقات الداخلية”.
ما الدوافع؟
في تغريدة منفصلة، قال “سيجري”، إنّ موجبات التحرك الأخير تكمن بالآتي:
- اكتشاف أكبر ملف فساد مالي وأخلاقي في تاريخ الثورة السورية قد تورط فيه المدعو أبو العباس وإخوته.
- تحويل “فرقة المعتصم” من فصيل عسكري ثوري لشركة تجارية أمنية خاصة بآل عباس في مارع وبناء ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب وبيع شحنات ضخمة من الأسلحة الأميركية النوعية والأسلحة والذخائر الروسية من سوريا إلى ليبيا وتقدر بملايين الدولارات.
- إخفاء وسرقة كامل العائدات المالية الخاصة بالفرقة وتقدر بملايين الدولارات.
- نهب وسرقة رواتب المقاتلين القادمة من تركيا والمخصصات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية والمشاريع الاقتصادية وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات شهرياً.
- انتهاج سياسة الكسب غير الشرعي من خلال نقاط التهريب في مارع وعفرين ورأس العين وتتضمن إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار والتي تقدر بملايين الدولارات شهرياً.
ما ردّ الطرف الآخر؟
لم يصدر تعليق رسمي من الطرف الذي يمثّله المعتصم عباس رداً على التهم الموجهة له من قبل “سيجري”، لكن المكتب الإعلامي للفرقة -المحسوب على “عباس”- نشر بياناً على مجموعات للصحفيين ضمن تطبيق “واتساب” يحتوى على رواية “عباس”.
وجاء في البيان: “بيان توضيحي من قبل قيادة فرقة المعتصم بحادثة الغدر التي حدثت مع مجموعة انقلابية بقيادة مصطفى سيجري والفاروق أبو بكر ضد قيادة فرقة المعتصم، نحيطكم أنه وبعد عدة جلسات للتفاهم بين كل من الأسماء التالية (علاء أيوب الملقب بالفاروق أبو بكر) و(مصطفى سيجري) لحل معظم المشكلات التي جرت بالفترة السابقة تم دعوتنا نحن قيادة فرقة المعتصم من قبل ياسر الحجي مسؤول العلاقات الخارجية في الحكومة المؤقتة للجلوس وتصفير جميع المشكلات السابقة”.
وأضاف: “بعد وصولنا لمبنى قيادة أركان الفرقة، تفاجأنا بوجود عناصر داخل الحمامات والغرف وعلى أسطح المبنى، وباقتحام البناء وإطلاق النار علينا دون سابق إنذار من جميع الجهات والنطق بعبارات تكفيرية لقيادة الفرقة مما أدى لإصابة خفيفية لقائد فرقة المعتصم واستشهاد أخيه أحمد عباس أبو حازم”.
وتابع: “جرى الاشتباك مع عناصر المرافقة للقائد العام وإثر ذلك قامت المجموعات الغادرة باعتقال من بقي على قيد الحياة وعند وصول خبر عملية الغدر التي حدثت لقيادة الفرقة بالكمين المجهز مسبقاً، قامت كتائب وألوية من فرقة المعتصم والجيش الوطني بتوجيهات من الإخوة الأتراك بمحاصرة بناء الأركان وإخراج جميع المعتقلين من البناء المذكور، وعليه نؤكد نحن قيادة فرقة المعتصم بأننا سنقوم بمحاسبة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للقضاء”.
اتهامات بالارتباط مع “هيئة تحرير الشام”
من جهته نشر “علاء الدين أيوب” (الفاروق أبو بكر) صوتيات، ذكر فيها أن المشكلة ليست مع أهالي مدينة مارع أو أحد قاطنيها، إنما “مع عصابة امتهنت السرقة على مدى سنوات وأكلت حقوق المجاهدين، وجعلت من الفصيل شركة استثمار لشراء العقارات في تركيا وبناء الممالك”، حسب وصفه.
وذكر “أيوب” أن “المعتصم عباس” حاول في وقت سابق إدخال “هيئة تحرير الشام” إلى منطقة شمالي حلب، قائلاً: “حاول أبو العباس استلام مبلغ مليون دولار من الجولاني ومنعنا وعرقلنا ذلك، وحاول أيضاً التنسيق مع تحرير الشام لتنفيذ اغتيالات بحق قادة عسكريين ومدنيين في مارع، وكنّا نقف بوجه هذا المشروع”.
وبحسب “أيوب” فإن كلامه يشهد به عدة أشخاص، مردفاً: “عندي شهود، وعندي الأشخاص الذين طلب منهم المعتصم عباس إدخال الأمنيين التابعين لهيئة تحرير الشام إلى مدينة مارع للسيطرة على الفصائل، ثم تسليم المدينة للمعتصم عباس فقط”.
ولفت إلى أن “عباس” كان “يجهّز قائمة تضم عدة أسماء، بهدف تسليمها إلى الأمنيين في “تحرير الشام” من أجل اغتيالهم وتصفيتهم بحجة أنهم مفسدون”.
يشار إلى أن “فرقة المعتصم” تعمل ضمن الفيلق الثاني في الجيش الوطني، بقيادة المعتصم عباس، ويتركز وجودها بشكل رئيسي في مدينة مارع شمالي حلب، وسبق لها أن انخرطت ضمن عدة تشكيلات عسكرية ثم خرجت منها، آخرها “القوة الموحدة” التي ضمّت أيضاً “الجبهة الشامية”، و”تجمع الشهباء”.
الجدير بالذكر أن مآلات الخلاف لم تتوضح بعد، ولا يمكن القول إن كفة طرف ما رجحت على حساب الطرف الآخر، خاصة أن مقتل شقيق قائد الفرقة قد يفاقم الأزمة بين الطرفين، وبدا ذلك واضحاً من خلال صوتية نشرها “عباس”، يقول فيها إن دم شقيقه لن يضيع سدى، كما أن سير الأحداث مرتبط بشكل رئيسي بالطريقة التي ستتعامل فيها وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة والجانب التركي مع الملف.
عذراً التعليقات مغلقة