نصوص أدبية|| حتميّة المواقف.. في القلمِ السيف

محمد موسى محمد ديب24 أبريل 2024آخر تحديث :
محمد موسى محمد ديب
محمد موسى محمد ديب – صحفي سوري

قد تضيعُ التفاصيل في حنايا الذكريات التي شكّلت هاجساً لا بأسَ به عند كثيرٍ من المشاعر التي كُنّا نُحاول بناءها على الصفائح التكتونيّة الأرضيّة، وقد يختلط التشبيه بالعنفوان، وقد تمتزج المفردات بين حسيّة وأخرى مجازيّة وأخرى حقيقيّة، فتنّوع المشاعر الملموسة والتي تصبُّ ختاماً في الضمير هي الأقلُّ والأكثر نُدرةً في حياتنا الحاليّة.

إنَّ المزجَ بين الحقيقة والخيال لا يُضاهى بالعبثِ الحتمي على خبايا وأزقّة المكان الحسّي، الذي حاولتُ فيه الولوجَ إلى الأرواح، فقد لا نكونُ منصفينَ في أوصافنا، ولا ثوراتنا ولا من وقف معنا ولا من كانَ علينا ولا من وصلنا ولا من قطعنا، ولا من عبثّ بتلك المشاعرِ الجيّاشة التي قطنت داخل تفاصيلنا المنهكة.

اليوم وفي ريحٍ بربريّة قد خلت بزاوية الحروف الضعيفة، مع تفاصيلٍ لا بأس بها من أجواءٍ ربيعيّة جاءت نفحاتٌ من ثورةٍ سوريةٍ بأكملها، كانت تعجُّ بالتفاصيل والمشاعر والأحاسيس، وكانت بين الحين والآخر تُجسّد الواقع المؤلم لأبناءِ وطنها.

تنحدرُ هذه المجازِفة بحياتها من مدينةٍ قديمةٍ جداً في ذلك الوطنِ الحزين، الذي امتلأ بالأحداثِ المؤلمة والحزينة والشرارات والتضحياتِ والتهجير القسري، قد لا تكون من هذا الكوكب المتواضع، بل ربّما تكون من ذلك الكوكب الكرتوني الذي كان يظهر بقناة تلفزيونيّة للأطفال.

نعم كوكبٌ ورديُّ اللون فيه تفاصيلٌ رحمانيّة وتفاصيلُ الحبِّ والرحمة والرِّقة والمودّة، امتهنتْ العربيّة في ربيع العمر لوصل ما قطعتهُ التفاصيل، فدرستْ في كليّة الآداب قسم اللغة العربية، معاهدةً نفسها على أن تصل من خلال دراستها صوتَ النَّاس المظلومة في أحياءِ مدينتها.

آلامٌ وثورة.. في القلمِ السيف

بدأتْ ثورة عارمة ضدّ الظّلم في ربيع عمرها، ولم ترضَ الهوان والجلوس مكتوفة الأيدي وأبناء الوطن يتعرّضون للعديد من النَّكبات، من اعتقالٍ وقهرٍ وظلمٍ، فحملتْ على عاتقها أن تنقل كلّ تلك التفاصيل من احتجاجاتٍ وفضحٍ للفساد من خلال قلمها الحرّ الذي كان سيفاً حاقّاً بيد أهلِ الحق والمظلومين بوجه الظالمين الفاسدين.

ولأنَّ الثمرة الناضجة في شرقنا العربي الأوسط تتعرض دوماً للخذلان الذي يقف عائقاً أمام النجاح البسيط، تعرّضت تلك الصحفية والروحيّة لمحاولات كسر قلمها السيف، لكن سرعان ما تبوء المحاولات بالفشل الذي لا يأتي لهدم الأحلام من فراغ، بل من مقاومة بعد برودٍ في حنايا التفاصيل التي أنهكت الحروف فيها، لكن كانت كالعاصفة التي عصفت بكلِّ من عبث بقلمها السيّف، فما زادتها محاولات السطو على كرامتها وهدم ما بنته إلا عزيمة وإصرار على إكمال طريق الحقّ.

في الحقيقة، إنّ الكلمات اليوم لا تفي جهود من يحاولُ بكلّ ما عنده ليصل مشاعرَ حبّه لأرضه وربّما رسائل ودّ لأشجار الكينا والزيتون، وشيئاً من تفاصيل مدينة خالد ابن الوليد، فتخون الكلمات الخيالية كاتبها ليقف مكتوف الأيدي عن ردِّ الجميل.

حتميّة المواقف في مكان الوفاء

إنَّ المواقفَ الأكثرُ مبيعاً دخلت أرقاماً قياسيّة في عصرنا الحالي، وقد يأخذ البعضُ شيئاً منها بعين الاعتبار، من خلال التصافي التي حالت إلى مآلات عديدة جُسِّدت بالوفاء، وتتلاطمُ الحروف بحثاً عن السكينة الحقيقية في الوصوف، وفي تحقيق الذات التي تَنعم بضميرٍ صادقٍ لا ينام حتّى يعرف ما له وما عليه من واجبات تجاه نفسه ومجتمعهِ وأهلهِ ومحبّيه، وتجاه قضاياهُ الساميّة التي تعدّ منبراً للحريّة المسلوبة من أجسادِ الشعوب في هذا الكوكبِ الذي يحاولُ جاهداً أن يكونَ عادلاً.

قد سلكت الصحافيّة “عائشة صبري” دربَ النضال، لا تأبهُ لأيِّ مصلحةٍ خاصّة عند أي اعتبار لأي أحد، حملت على عاتقها الوصول بكلِّ صدقٍ وأمانةٍ وحبّ حقيقيّ عظيم، علماً أنَّها تعرضت لعشرات المواقف التي تعكس حتميّة النجاح في بقعةٍ جغرافيّةٍ يقفُ خلفها المعلّقين والمدمّرين للأحلام، الذين لا يشغلهم سوى تدمير ما بناه الإنسان الحالم في الوصول لنشوةِ الحريّة التي لا يعرف طعمها جيّداً إلا من تحلّى بأخلاقها.

هنا تتضحُ ما هيأتِ الأمور في سبيلِ فضح المستور، وفضح من يعمل على تسطيحِ المفاهيمِ في الثورة السورية من خلال رمي الاتهامات الباطلة على فتاةٍ عملت حتى وصلت لما وصلت من نجاحات ثورية مفعمة بالحريّة، لا وصول مزيّف كمن ادّعى بذلك!

القلم الصادق في صحافةِ الحقّ

إنَّ ثمن القلم الصادق في صحافةِ الحقّ قد يُكلّف الكثير من المتاعب لصاحبهِ وقد يأكلُ من صحتهِ وجهدهِ دون مردودٍ واضحٍ له، بل على العكس تماماً صاحب هذا القلم يدفع الغالي والنفيس في إبراز عدالة قضيّة ثورته، وفضح كلِّ من تسلّق الثوريّة باسم الشعب، وكلِّ من هدّم الثوابت العربيّة لدى فئات الشعب في خرسانته الصلبة، التي دوماً ما تتشكّل هذه الخرسانة بثلّة من شرفاء الشعب الحرّ، ومن يعمل على نقل همِّ هذا الشعب بكلِّ من يستطيع من أدوات إعلامية كانت أو غيرها، حتّى ينضم ناقل ذلك إلى هذه الخرسانة.

يعملُ البعض على تسطيح ما فعله الأشخاص الأحرار من كُتّاب وصحفيين وغيرهم وتخوينهِ أيضاً، وذلك كما حصل مع الصحفيّة “عائشة صبري” فقد لا تكون النتائج لما نقدِّمه من تضحياتٍ صحيّة وبحثٍ وتعبٍ وجهدٍ مدججٍ بالصبر والحنكة والمقاومة، والولوجِ فيما هيأت التفاصيل التي يبحث عنها الضمير الثوري والشخصي لكلِّ شخص فينا يتعبه ضميره في الوقوف لجانب ثورته التي يعتبرها جزءاً من حبّه وحلمه وكلّ التفاصيل، دون قيّد وتعالي على ما يقدّمه الحرّ، فهو يعتبر أنّ التضحية بكل شيء فداء للضمير والثورة عبارة عن واجب وأقلّ من ذلك.

من هذه الجمل غير المرتبطة كثيراً ببعضها، والتي تحدثنا عن العديد من المواجع لكلّ من يضحي ويقوم بفداء لضميره الحقّ، ولكلّ من يقوم بتقديم الغالي والنفيس في سبيل عدالة قضيته، التي يرسم خلالها أحلام شعبه وأحلام نفسه، وأحلام بلده البسيط.

عائشة صبري هي واحدةٌ من مئاتِ الصحافيين الذين كانوا وما زالوا يبذلون ما ظهر من تضحياتهم وما خفي في سبيل الحرية وفضح الفساد والمستبدين، على أن نكون عادلين مع أنفسنا بذلك.

اترك رد

عاجل