ليس بالعراضات وحدها.. أساليب الاحتجاج الثوري الغائبة

عماد غليون17 يناير 2018آخر تحديث :
ليس بالعراضات وحدها.. أساليب الاحتجاج الثوري الغائبة

يمكن كتابة تاريخ الثورة السورية بالاعتماد على مواعيد المظاهرات وأماكنها؛ وقد كان يسود نقاش وجدال طويل حول تسمية أيام الجمع التي تحظى مظاهراتها باهتمام ومتابعة واسعة من الناشطين؛ ولا تكاد تفارقنا ذكريات تلك الأيام الجميلة حين كان يصدح القاشوش في مظاهرات حماة الرائعة برحيل بشار؛ كما لا ننسى الساروت عندما كان يشدو في ساحات حمص أغاني الثورة الشجية مع الحرة فدوى سليمان.

جرت الاحتجاجات الأولى في دمشق بطرق مختلفة؛ فقد تم تنظيم وقفات واعتصامات وتظاهرات سواء في الشارع أو أمام وزارة الداخلية وسفارات دول الربيع العربي.

كانت الشعارات الأولى بسيطة ومعبرة بشكل مباشر عن مطالب المحتجين بالحرية والكرامة؛ لكن الأمور تغيرت مع اتساع نطاق الاحتجاجات التي تحولت لتظاهرات سرعان ما أخذت شكل العراضة الشعبية التقليدية.

لم يعرف السوريون قبل الثورة سوى مسيرات التأييد للأسد وسياساته والتي كان يجيد النظام تنظيمها وحشر الجموع فيها لإظهار مدى الشعبية التي يتمتع بها ويقوم بتسويق ذلك المشهد للخارج؛ وبطبيعة الحال فقد كانت كافة أشكال التعبير والاحتجاج السياسي الأخرى محرمة على السوريين وقد انكشف بالفعل انعدام الخبرات في التخطيط والتنظيم بعد اندلاع الثورة.

مارس النظام عنفاً مضاعفاً ضد أي تظاهرات واعتصامات تجري على نطاق المدن الكبرى ومنذ البداية ارتكب مجزرة الساعة لمنع اعتصام حمص الشهير في نيسان 2011؛ وأصبحت التظاهرات – العراضات محصورة ضمن أحياء ومناطق محاصرة.

عدالة أي قضية لا يجعلها تكسب التعاطف والتأييد ما لم يستطع أصحابها تقديمها وشرحها بالطريقة والأسلوب الذي يمكن أن يقنع الآخرين.

لا شك أن ناشطي الثورة السورية فشلوا بشكل ذريع في تنظيم نشاطات نوعية مدروسة وموجهة لإقناع الرأي العام الدولي بما ارتكبه النظام من جرائم بحق الشعب السوري وذلك على الرغم من توفر ما يكفي من القضايا لإدانة النظام بالدليل القاطع من قتل وتدمير وتهجير واعتقال وتعذيب وسلاح كيماوي، ولعلّ ملف قيصر يكفي وحده بما فيه من وحشية وبطريقة توثيق جرائم النظام الفظيعة.

رغم أن العراضة جميلة وتثير حماس المشاركين ولكنها تبقى في النهاية وسيلة تعبير محلية لا يمكن تسويقها في الخارج؛ كما أن ضرورات اللحن والإيقاع والقوافي تجعل المنشد يعطيها الأولوية على طرح شعارات جديدة لمواكبة التطورات ويصبح همه كسب رضى الجمهور من الحاضرين والمتابعين على الفضائيات؛ وخاصة الجزيرة والعربية التي وصلت في بعض المراحل للتحكم بمواعيد التظاهرات ومضمونها وأماكنها بما يتوافق مع أجندتها الإعلامية من خلال تقديم الدعم والتجهيزات التقنية؛ كما أن  بعض الممولين استطاعوا توجيه بعض المظاهرات بشكل مباشر ومن أشهرهم الشيخ عدنان العرعور؛ ومع استمرار المظاهرات لوقت طويل باتت الشعارات والأغاني مكررة فيها وبدأت بالظهور بعض الشعارات الدينية بعضها متطرف ولا وطني؛ كما أصبحت الشتائم للأسد الأب والابن سمة مميزة لكل المظاهرات؛ وفي النتيجة أصبحت عملية التظاهر نشاطاً يومياً مكرراً للتنفيس والتعبير عن الموقف ضد النظام دون الحصول منها على رؤية أو طريقة لإسقاط النظام وما هو مستقبل سورية بعد ذلك.

وأدت سيطرة المغنين أو المنشدين وفريق تنظيم  التظاهرات – العراضات لسعيهم لفرض الأجندة الخاصة بهم وداعميهم وهي ليست على الدوام متوافقة مع أجندة الثورة وقد تكون مناقضة لها.

الغريب أن ينقل الناشطون أسلوب التظاهر – العراضة معهم إلى خارج  سورية دون استخدام أساليب  التعبير والاحتجاج المعروفة رغم توفر كافة الظروف والإمكانيات والفضاء المفتوح لذلك؛ والغريب العزوف الدائم لقيادات المعارضة عن المشاركة؛ كما أن الزخم والحماس والمشاركة في الخارج كانت  أضعف ومن الطبيعي أن يكون تأثيرها أدنى.

رغم قيام بعض الناشطين في الخارج بأشكال متطورة من الاحتجاجات كالاعتصامات والإضرابات عن الطعام إلا أنها بقيت محدودة ولم يتم تكريسها وتبنيها والاهتمام بها لتحقق نتائجها.

أتذكر كم كان جميلاً وناجحاً اعتصام الشموع أمام السفارة الفرنسية في القاهرة في 16 كانون الثاني 2012 احتجاجاً وتضامناً مع مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكييه حيث أن هذه الطريقة تلامس طريقة تفكير الغربيين.

في مقابل تكوين النظام لشبكة علاقات عامة في الخارج استطاعت التسويق له إعلامياً وقلب الحقائق لصالحه فإننا لم ننجح في تطوير أساليب احتجاج وبقينا نراوح عند المظاهرة – العراضة.

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل