منذ أن انتهى مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس في 9 يوليو وبعد الصدى الكبير الذي كان له، خصوصا بحضور الأمير تركي الفيصل وكلمته القوية التي أثارت غضب نظام الملالي، بدأت طهران بحملة مسعورة ضد الشعب الإيراني.
وحسب ما ورد من أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس في الفترة من 11 إلى 17 يوليو تم شنق 30 سجينا في مختلف المدن الإيرانية وشنق 5 سجناء في السجن المركزي في أراك وإعدام سجين في مراغه بعد 8 سنوات من الحبس. وفي الفترة نفسها تمت جرائم أخرى اقترفها النظام من إعدام وتعذيب.
وتم في 13 يوليو إعدام جماعي لـ6 سجناء في سجن جوهردشت في كرج، وفي 16 يوليو تم إعدام سجينين آخرين في السجن المركزي في “لاكان” بمدينة رشت. وفي يوم الأحد 17 يوليو تم شنق 16 من الضحايا بينهم امرأة في إعدام جماعي في مدينتي كرج وبيرجند.
السؤال الذي يطرح هنا لماذا كل هذا الغضب والهستيريا من كلمة الأمير تركي الفيصل على الرغم من حضور ساسة من الولايات المتحدة، خاصة من الحزب الجمهوري، ومن أوروبا وكندا وأفريقيا وآسيا والكل شدد على ضرورة سقوط النظام الإيراني لاستتباب الأمن والسلام في المنطقة والعالم؟ كما أن المؤتمر كان في باريس وليس الرياض لكن الحاكمين في إيران لم تزلزلهم سوى كلمة الأمير تركي الفيصل وهذا له دلالات كثيرة.
إن السبب الحقيقي لغضب النظام الإيراني من كلمة الفيصل أن هذا النظام حريص كل الحرص على أن يجعل الصراع بين إيران والسعودية صراعا طائفيا قوميا، لكن حضور الأمير تركي الفيصل إلى المؤتمر وإلقائه لهذا الخطاب المؤثر الذي امتدح به الحضارة الفارسية والشعب الإيراني أثبت للجميع أن الصراع سياسي وليس طائفيا قوميا كما يريده النظام الإيراني، وهو الأمر الذي جعل النظام يستشيط غضبا إلى درجة التهديد باغتيال الفيصل. كل هذا يؤكد أن ما قام به الأمير تركي الفيصل كان صائبا وناجحا وإلا لما كانت ردة فعل النظام بهذا الشكل.
طيلة العقود السابقة سياسة الدول العربية وخاصة السعودية مع النظام الإيراني كانت في مصلحته، فمنذ اندلاع ثورة الخميني في 1979 وتهديده للأنظمة العربية بسقوطها وتصدير الثورة كانت السياسة المتبعة في السعودية هي ردة الفعل والمزايدة في الدين التي خدمت النظام. فعندما أحرج الخميني السعودية بأنها لا تتبع الدين الحقيقي وبالتالي هي غير جديرة بحماية الحرمين على حد تعبيره، إضافة إلى عامل حركة جهيمان التي كانت في نفس السنة واستخدمت نفس حجج الخميني أدى ذلك إلى قلب الحالة الاجتماعية في السعودية رأسا على عقب.
وأسوأ ما حدث لمواجهة أيديولوجية الخميني هو تأليف المئات من الكتب ضد الشيعة ونعتهم بـ”الرافضة” و”المجوس” “والفرس”، وكأننا بذلك نزج العرب الشيعة زجا في أحضان إيران محققين أحلام الحكومة الإيرانية. كل تلك الأمور دعمت وصف النظام الإيراني للسعودية بأنها دولة متطرفة طائفية، وللأسف أحداث الحادي عشر من سبتمبر دعمت أقاويله في نظر الغرب تحديدا.
أهمية حضور الأمير تركي الفيصل وخصوصا بعد الصدى الكبير لمشاركته أنها تعتبر نقطة تحول في سياسة السعودية تجاه النظام الإيراني ويجب أن تترجم إلى خطط استراتيجية على الصعيد الداخلي في السعودية وأيضا الخارجي للحد من الطائفية التي أشعلت المنطقة وهذا يكون كالتالي:
*على الصعيد الداخلي لا يجب أن يكون المجتمع السعودي رهينة للأحداث السياسية وخصوصا في الصراع مع النظام الإيراني وبالتالي يجب أن تعود معالم الحياة طبيعية كما كانت قبل 1979 فمن حق المجتمع السعودي أن ينعم بوسائل ترفيه وحرية اختيار في شؤونه الخاصة كباقي الدول الخليجية. خلق مجتمع مرفه ومتسامح مهم جدا في مكافحتنا للتطرف الذي نعاني منه في الداخل وتحسين صورتنا في الخارج.
*دعمنا للمعارضة الإيرانية سيشغل النظام بنفسه وبالتالي سيكف تدريجيا عن دعم حروب الوكالة والتدخل في شؤون الدول العربية ودعم الميليشيات. وانخراط الدول العربية في تلك الحروب لا يخدم سوى النظام ومن الإجحاف أن تكون الدول العربية ضحية ذلك الصراع مع النظام الإيراني. لقد دمرت العراق وسوريا والآن اليمن بسبب هذا الصراع وحروب الوكالة وفي نفس الوقت لم تتحقق أهدافنا بكبح جماح هذا النظام بل ازداد نفوذا.
*دعم المعارضة الإيرانية سيؤكد للجميع أن الصراع بين السعودية وإيران هو صراع سياسي وليس طائفيا قوميا كما يروج النظام لذلك. يجب منع تلك العبارات الطائفية ضد الشيعة سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي فلن نقنع المعارضة الإيرانية ولا الشعب الإيراني بصداقتنا تجاههما إذا كان هذا الأسلوب المتبع في البلاد.
*الصدى الكبير للمؤتمر من خلال التغطية الإعلامية الضخمة يثبت تأثير الإعلام سواء التقليدي أو الجديد على الرأي العام، وهذا يثبت الدور الكبير للقوة الناعمة لخدمة الأهداف السياسية والاجتماعية. لذلك إنشاء قناة فضائية قومية ضخمة ناطقة بالفارسية والعربية والإنكليزية تمثل جميع أشكال المعارضة الإيرانية وتوضح جرائم النظام ضد الشعب والنظام البديل أمر حتمي في هذه المرحلة.
*دعمنا للمعارضة الإيرانية يجب أن يكون لكل المنظمات وليس لفئة واحدة أو أفراد معينين ويجب أن يكون لكل الطوائف والأعراق سنة وشيعة، عربا وعجما. فهذا النظام اللا إنساني ظلم الجميع ولم يترك أحدا. فالتركيز يجب أن يكون على سقوط النظام أما من يكون الرئيس أو النظام فهذا يحدده الشعب الإيراني.
*البعض يقول إن دعمنا للمعارضة سيشكك في مصداقيتها. هذا أمر انتهى في إيران لأن الشعب الآن في حالة إحباط تام من هذا النظام الديني الفاشي ويريد التخلص منه بأي شكل من الأشكال.
لقد ذكر حسن الخميني حفيد الخميني “أن النظام الحاكم في إيران ليس إسلاميا بل هو نظام شمولي مستبد يحكم باسم الدين ولا بد من إسقاطه” وتمنى في عام 2003 لو أن أميركا أسقطت النظـام الإيـراني كمـا فعلت في العراق، وقد تم إقصاؤه حاليا من مجلس الخبراء.
إذا مقولة إن دعم المعارضة سيضعف مصداقيتها تحليل قديم، لكن أهم شيء على الدول العربية الابتعاد عن أي دعم للانفصال لأن هذا سيثير غضب الشعب الإيراني ولن يقبله أحد وأيضا سيثبت كلام النظام الإيراني بأن الدول العربية تريد الدمار والتفكيك لإيران.
لقد حاولت الدول العربية وخاصة السعودية بجميع الوسائل التفاهم مع النظام الإيراني على مدى الـ37 سنة الماضية وكل المحاولات باءت بالفشل. فهذا النظام ليس فقط مصرّا على تصدير الثورة بل تصدير الفوضى للتغطية على فشله في الداخل.
وقد أثبتت الأيام أن لا فرق بين إصلاحي ومحافظ في هذا النظام والكل سواء. فالسفارة والقنصلية السعودية في إيران أحرقتا في عهد حسن روحاني المحسوب على التيار الإصلاحي.
سياسة السعودية في السابق مع نظام الملالي كلها للأسف صبت في مصلحته والآن حان الوقت لتغيير قواعد اللعبة وأهمها من خلال دعم المعارضة الإيرانية بشتى الطرق والوسائل للتخلص من هذه الطائفية القاتلة.
* نقلاً عن: “العرب”
عذراً التعليقات مغلقة