الحل السياسي .. حان وقت الحقيقة

عبد الرحمن الحاج7 يوليو 2018آخر تحديث :
الحل السياسي .. حان وقت الحقيقة

استيقظ الجميع فجأة على اتفاق روسي-إسرائيلي حول درعا والحدود الجنوبية التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر، وانسحاب الضامن الأمريكي من اتفاق تخفيض التصعيد بدون أي شرح للمبررات لمن ضمن لهم، وبدون أن يكون لدى أي طرف في المعارضة أي معرفة حقيقية بما يجري، أحست المعارضة بخيانة أمريكية لم تكن متوقعة في عهد ترامب، على الأقل كان ينبغي أن يكون هنالك تفاهم سياسي مع “الحلفاء” الذين هم المعارضة على الأقل أسوة بحلفائهم “بي واي دي” الكردي، لكن الأمريكيين لم يروا أي قيمة أو أهمية لذلك، ولم يكلفوا خاطرهم بمجرد الإعلام بانسحابهم من اتفاقية خفض التصعيد في هذه المنطقة. الجميع يعلم أن تحذيرات الأمريكيين للفصائل من القيام بعمل عسكري يخفف عن الغوطة ويمكن أن يهدد العملية الروسية هي التي منعت الفصائل من المبادرة بالتصعيد خوفاً من أن تتعرض درعا لهجوم بمبرر خرقها لاتفاق الجنوب، ووقعت الكارثة الآن، ويجب أن يكون هذا درساً بليغاً لجميع الموجودين في واجهة المعارضة بقوة المظلة الإقليمية والدولية وليس بأي سبب آخر.

تلقت المعارضة في الواقع دروس كثيرة لكنها لم تستفد من أي منها، يعود ذلك إلى رغبة بعض الطامحين منها بالصعود إلى الواجهة بغض النظر عن الثمن، فقط ليذكر في التاريخ بأنه كان “رئيساً” لشيء ما في المعارضة، أو كان عضواً في أبرز مؤسسة لـ”صنع القرار” في المعارضة واستثمار القوى الدولية والإقليمية هذا الطموح، وخروج الجادين فيها والصادقين خوفاً من تشويه السمعة أو إحساساً بفشل الأجسام السياسة في التعبير عن الثورة وتحقيق تطلعاتها، أو بسبب تهميشها الذي عملت عليه أطراف عديدة لأنهم يشكلون عقبة أمام الاستحواذ على قرار المعارضة.

ارتُكبَت آثام كثيرة تحت ضغط الدول وأُحدثت نقلات في الواجهة السياسية للثورة أدت إلى شللها التام، النقلة الأولى حصلت بتشكيل الائتلاف نفسه نهاية عام 2012 الذي كان صناعة دولية بالتمام، الأشخاص الذين كانوا أعضاء فيه تم اختيارهم بين الدول (بما في ذلك أعضاء المجلس الوطني)، وقتها كان واضحاً أن هنالك رغبة للتحكم والسيطرة على المعارضة السياسية من دول إقليمية ودولية في الوقت الذي كان ينحسر فيه النظام على الأرض بسرعة كبيرة. كان عام 2013 و2014 هو أكثر الأعوام الذي شهدنا فيه صراعاً إقليمياً للاستحواذ على المعارضة السياسية والعسكرية على الأرض واستتباعها لطرف ما، في حين كان هذان العامان هما العامان اللذان استحوذت فيهما إيران على عمق الدولة وبشكل خاص قطاعي الجيش والأمن.

النقلة الثانية كان تشكيل الهيئة العليا للتفاوض في مؤتمر رياض1، كان هذا قراراً دولياً بالكامل جاء بعد تفاهمات فيينا2 في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015 الذي شارك فيه الروس والإيرانيون ومهد للقرار 2245 الذي أريد له أن يكون تأويلاً جديداً لبيان جنيف1، شاركت كل الدول الإقليمية المعنية مباشرة بالأحداث في سوريا في وضع القوائم، حتى روسيا شاركت في وضع تلك القوائم، ودفعت أعضاء من المنصات الوظيفية (التي شكلتها لتفتيت المعارضة من الداخل) ليكونوا جزءاً من الهيئة التفاوضية، وتنافست الدول فيها لتحقق أغلبية معينة موالية لها. لم تستشر أي من أطراف المعارضة في هذا المؤتمر، بل فرض عليها فرضاً بقرار دولي، وكان عليها التنفيذ وحسب، بالرغم من أنه نظرياً كان بالإمكان للائتلاف الذي كان ما يزال يملك على الأقل قيمة رمزية في تمثيل الخط السياسي الأساسي للمعارضة أن يمتنع عن المشاركة ويُفشل مشروع رياض2، لكن عملياً كان أعضاء الائتلاف الذين يطمحون للتصدر مستعدين للقدوم بصفتهم الشخصية بغض النظر عن أي موافقة من الائتلاف، الذي لا يملك آليات محاسبة أساساً، وكانت هذه واحدة من العلل القاتلة التي ظهرت بدءاً من تشكيل الائتلاف.

ورغم كل ما حدث بقي الموقف السياسي للمعارضة متماسكاً في الحد الأدنى، يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الطبيعة الشخصية لرئيس الهيئة العليا والقيادة التي استحوذت على قرار الهيئة آنذاك (معظمها من الائتلاف). كان النظام يتهاوى حين دخل الروس نهاية أيلول/سبتمبر 2015، صار للنظام معلّم روسي بالإضافة إلى المعلم الإيراني، وفقد ما تبقى له من القرار إن كان هنالك شيء تبقى وقتها. في المقابل ورغم تشدد قيادة الهيئة العليا للتفاوض في موقفها السياسي إلا أنها لم تقاوم الضغوط الدولية والإقليمية بما يكفي، وخصوصاً استيعاب نتائج الأستانة، فقد اضطرت لامتصاص رغبة العسكر في التصدر لصنع القرار السياسي في صفوفها فأدمجت ممثلي وفد أستانا أو ممثلي فصائل أستانا في صفوفها.

وسَّع هذا الإدماج الجديد إمكانية تدخل الدول الإقليمية وتأثيرها المباشر على الوفد بدل التأثير على قيادة الهيئة العليا للتفاوض، وانتهى الأمر إلى نقلة رابعة في جنيف 4 كانت بداية إنهاء للمعارضة ومنح النظام مقاعد داخل صفوف المعارضة عندما قبل رئيس الوفد المفاوض مخالفاً تعليمات الهيئة العليا للتفاوض بالجلوس مع منصة موسكو (التابعة مباشرة للروس) ومنصة القاهرة (القريبة من النظام) مع وفد الهيئة العليا للتفاوض، قال الوفد المفاوض حينها إنه تعرض لضغوط استخدمت فيها دموع غزيرة لسفيرة واحدة من الدول الأوربية!

الضغوط بالتأكيد كان يمكن مواجهتها بالتأكيد، لكن واقع الحال أن قيادة الوفد المفاوض كان لها ثلثي الخاطر، فقد أرادت أن تظهر أنها “مرنة” وأنها تفهم السياسة “الواقعية”، أي أرادت أن تظهر أنها تصلح كقيادة سياسية تلبي ما تأمله الدول من المعارضة إن لم نقل تلبي كامل مصالحها.

الفريق الطامح الذي أظهر للدول أنه “مرن” و”عقلاني” و”اقعي” و”مناسب للمرحلة”، أي مفصَّل على قياس التغيير في المواقف الدولية والإقليمية ومستعد لمط واقعيته وعقلانيته إلى حيث تصل الدول الإقليمية في مواقفها من نظام الأسد، بدأ بالتحرك للإطاحة بالهيئة العليا للتفاوض وتكريس نتائج جنيف4  في بنية المعارضة، وعلى الرغم من أن الدول الإقليمية لم تكن حريصة على إنجاز هذه النقلة، أي التعديل في بنية المعارضة؛ إذ ليس في مصلحتها إضعاف “ورقة” المعارضة إذا ما أردت أن تكون طرفاً فاعلاً في الحل السياسي، إلا أن الطموحين وبالاستناد إلى رؤيتهم عن التعامل مع الواقع السياسي (بمعنى ما هو تكريسة في المعارضة) ووعود دول أخرى بأنها ستدعم المعارضة ومحاولة منهم لاسترضاء الروس بشكل رئيس عمل الفريق الطموح على إقناع دول إقليمية بأنه يجب إعادة تشكيل هيئة التفاوض وإدماج العناصر الجديدة (المنصات الروسية الوظيفية)، وأن هذا الإدماج سيكون بمنزلة التفاف عليها واستيعابها في الخطاب الأساسي للمعارضة، وإطلاق العملية السياسية حسب كلام ديمستورا وبعض أعضاء فريقه (سمعت شخصياً في اجتماع بجنيف من رمزي رمزي أن توحيد المعارضة في رياض2 سيطلق العملية السياسية، فسألته عن وجود ضمانه عن ذلك حيث لا يوجد مؤشر واحد عليها في وقت يعني رياض2 تفكيك الجزء الصلب في بنية المعارضة؟ فأجابني أنه لا ضمانة مطلقاً) وأدى ذلك إلى عقد رياض 2، وتشكيل هيئة التفاوض السورية.

عودة إلى البداية، فمناسبة هذا الكلام هو الدرس القاسي في درعا ، إذ إن ما جرى في المجال العسكري سيجري تماماً في المجال السياسي، اختصر بيان جنيف بـالقرار 2254، ثم اختصر القرار بـ”السلال الأربعة”، واختصرت السلال الأربعة بـ”سلتي الدستور والانتخابات”، ثم اختصرت المسألة كلها بـ”اللجنة الدستورية” عبر قبول فريق رياض2 بمخرجات “سوتشي” مع معارضة حضوره، مع أنه لا أحد – يعلم بما في ذلك ديمستورا نفسه وفريقه – ما وظيفة هذه اللجنة بدقة، وكيف ستطبق نتائجها، وكثير من الأسئلة الأساسية (يمكن العودة إليها في مقالي السابق عن “اللجنة الدستورية المستحيلة”)  ما تزال دون إجابة، وهكذا غامر الطموحون في فريق رياض 2، والذين همشوا بالتعاون مع الدول الإقليمية “المعارضة السياسية المتشددة” وضمن مبدأ التعامل مع الوقائع والمستجدات السياسية،  بالانزلاق نحو إنهاء الحل السياسي نفسه.

الحقيقة المرة التي يعرفها هؤلاء أن التفاوض على حل سياسي يجري فعلياً خارج جنيف، وتحديداً بين الروس والأمريكيين، وستكون قمة هلنسكي في 16 الشهر الجاري الخطوة الأولى نحو صفقة تسوية سياسية ستُفرض على المعارضة بغض النظر عن كل قرارات مجلس الأمن، وسيكون مطلوباً منها الاستعداد للتوقيع فقط، وقد لا يكون هنالك حتى حاجة لتوقيعها إذا انتهت بصيغة تسليم سوريا لروسيا مقابل “إخراج” إيران منها (مع وضع خط أحمر غليظ تحت المصدر “إخراج”)، وحينها على الأقل النظام سيكون عارفاً بكل شيء، بما في ذلك مجريات التفاوض بين الروس والأمريكيين تماماً كما عرف كل التفاصيل الدقيقة بخصوص مفاوضات درعا (كما تُظهر مقابلات بشار الأسد)، في حين لن يعرف أي من المعارضة تفاصيل الاتفاق، إلا ما سيعلن منه، وستكون بالطبع وقتها مستعدة أن تظهر أنها متفاجأة!.

حان موعد مواجهة الحقيقة، فما من شيء أسوأ من أن تبنى الواقعية على مواقف الدول وليس على المبادئ، وعلى “ضمانة” (إن كان ثمة ضمانة) دول لا تضمن شيئاً سوى مصالحها، ثمة ثورة، وثمة مليون شهيد، و2 مليون معاق، ونحو 3 مليون ونصف مليون يتيم، وستة ملايين لاجئ، ونحو 7 ملايين نازح، ودمار شمل نصف سوريا، هذا هو الشيء الأساسي وهو شيء يختلف عن التقدم والتراجع على الأرض، التفاوض يبنى أولاً على المبادئ وعلى الوقائع الصلبة، ويستفيد أو لا يستفيد من التقدم العسكري على الأرض، هذا عندما يكون هنالك تفاوض حقيقي، لكن عندما يقتصر الأمر في منظور “المفاوض” على التقدم والتراجع العسكري على الأرض فلن يقدم سوى التنازلات، ويتحول إلى مُغامر أو مُبارز في أحسن الأحوال، وستكون النهاية الأكيدة التي يصل إليها هي استسلام سياسي و”حكومة وحدة وطنية” لا قيمة لها ولا وزن إذا ما خسر عسكرياً.

حان الوقت الذي على المتصدرين الطموحين أن يواجهوا فيه بصدق ساعة الحقيقة قبل أن تحين.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل