معركة الغوطة.. أسباب التراجع وعوامل الصمود

فريق التحرير17 مارس 2018آخر تحديث :
مالك الخولي - حرية برس
قصف بالبراميل المتفجرة على مدينة دوما بالغوطة الشرقية – 11 مارس 2018، عدسة: عمران الدوماني، حرية برس©

تدخل الحملة الهمجية على الغوطة شهرها الثاني، مع سيطرة قوات الأسد وحلفائه، روسيا وإيران، على معظم المساحات الزراعية، وتجزئة الغوطة إلى ثلاثة قطاعات هي حرستا ودوما وعربين.

ومع استشهاد أكثر من 1200 مدني وإصابة 5000 آخرين، تبدو الخيارات ضيقة أمام ثوار وأهالي الغوطة الذين تركهم العالم ليواجهوا مصيرهم أمام أسلحة روسيا الجديدة ومليشيات طائفية لا تفرق بين شيخ أو رضيع، وبات المحظوظ منهم يعيش في ملجأ لا تتوفر فيه أدنى ظروف الحياة الصحية، عدا عن سلاح التجويع الذي كان قد تجاوزه الأهالي باستثمار الأراضي الزراعية، وقد فقدوا معظمها اليوم لصعوبة المقاومة في تلك المساحات.

عدوان ثلاثي

يرى الناشط السوري وائل عبد العزيز أن المعركة في الغوطة الشرقية روسية إيرانية بالتعاون مع نظام الأسد، وليست معركة للنظام، ويقول: علينا أن ندرك أن الأسد لم يخض معركة منفرداً منذ معركة القصير في حزيران/يونيو  2013، دون شراكة روسية ايرانية، بداية بإيران، وحتى العام 2015 حيث دخلت روسيا عسكرياً، وأشار إلى أنه قبل بدء الحملة الأخيرة بيوم واحد، تم رصد 150 دبابة في الجبهة الشرقية.

ويقول: اعتمد العدوان الثلاثي على اقتحام الغوطة من الجبهة الشرقية ابتداء من حوش الضواهرة والنشابية إلى المحور الثلاثي جسرين، حمورية، سقبا، وهي عبارة عن أراضٍ زراعية مكشوفة تصعب فيها المقاومة، وعلى الرغم من ذلك يمكننا القول إن الطيران الحربي قام بحرث تلك الأراضي من شدة القصف. وذلك بعد اجتياز الخط الدفاعي الأول المسمى “خط الموت” والذي تم حرقه وتدميره بشكل كامل، حيث أنه في يوم واحد فقط دخلت الى سماء الغوطة أكثر من 154 طائرة حربية ومروحية بصواريخ ارتجاجية تستهدف نقاط التحصين والرباط إضافة إلى استهدافها ببراميل الطائرات المروحية والكلور والنابالم، وهو ما أدى لتدمير نقاط الرباط والتحصين بشكل كامل، وهي معدّة لصد هجوم قوات الأسد والمليشيات الإيرانية، لكنها لم تصمد أمام الآلة الحربية العسكرية والروسية التي تعتمد أسلوب الأرض المحروقة.

ويعتبر أن الاقتحام من الجبهة الشرقية حركة خبيثة من الروس وايران ونظام الأسد، لكسب المعنويات وربح المعركة معنوياً وإضعاف معنويات أهالي الغوطة، فما كان باستطاعتهم سوى اقتحام الغوطة من الجهة الشرقية والتي تضم مساحات زراعية واسعة، إضافة إلى أن العمليات العسكرية هناك هي اجتياح يتبع سياسة الأرض المحروقة، يبدأ بقصف عنيف جداً من الطائرات وراجمات الصواريخ الروسية وصواريخ الفيل والمدفعية التي لا تهدأ أبداً، وهو ما أسفر عن تقسيم الغوطة إلى 3 أقسام.

ويعتقد عبد العزيز أن ما حصل لا يمكن أن يقال عنه انهيار، حيث أن المعركة غير متكافئة، فالقوات المهاجمة بالإضافة إلى 5 طائرات استطلاع و 5 طائرات حربية و 5 مروحيات لا تفارق سماء الجبهات على مدار الساعة. ويتم حرق نقاط الرباط بشكل تام، بل أن هناك عدة نقاط رباط وتحصينات احترقت ودمرت والثوار داخلها، فالمعركة غير متكافئة بين الثوار الذين يفتقرون إلى مضاد طيران وسلاح نوعي من جهة وبين روسيا وايران وقوات الاسد من جهة أخرى.

ويضيف: مع ذلك، بعد انهيار الخط الدفاعي الأول (خط الموت) أطلق جيش الاسلام معركة الخندق التي كبدت قوات الأسد وميليشياته أكثر من 400 قتيل واغتنام دبابة وتدمير العديد من الدبابات وأسر عدد من قوات الأسد وقوات النمر، ولكن الثوار لا يستطيعون المقاومة أكثر من ذلك، فهم يواجهون روسيا وايران وميليشيات متعددة الجنسية وقوات الأسد إضافة إلى صمت المجتمع الدولي.

قرار مشتت 

وكشف عبد العزيز أنه بداية الحملة كان يوجد تواصل بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام ولكن هناك ترسبات عميقة سابقة، إصلاحها ليس بالأمر السهل، بحسب وصفه، وهذا الشيء أثر سلباً على وحدة قرار الغوطة، بداية الحملة كان هناك وحدة قرار فعلية بين فصائل الغوطة، حيث أن الرسالة التي وجهت لمجلس الأمن باسم جيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام والفعاليات المدنية في الغوطة الشرقية، لكن بعد هذه الرسالة أصبح كل فصيل يبحث عن خلاصه، قلة الثقة بين الفصائل جعلت الفصيل يضع كامل قوته واعتباره فقط للمنطقة التي يسيطر عليها، لأن نظام الأسد هاجم حرستا التي يسيطر عليها أحرار الشام وهاجم الجهة الشرقية لمناطق جيش الاسلام، بينما لم يهاجم جبهات الفيلق حتى وصوله إليها ليكمل اجتياحه للمناطق، فالفيلق بداية لم يتخلى عن الدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها جيش الإسلام وارسال مؤازرات اليها، ولكنه كان يتحصن للهجمة القادمة نحوه، هذا الشي سيء لكنه واقع.

ويعتقد أنه كان من المفترض توحيد القرار العسكري قبل هجوم قوات الأسد على مناطق سيطرة جيش الاسلام قبل عام حيث كان هناك شيء جيد في الغوطة وهو القرار العسكري الموحد، إذا هاجم النظام حرستا يفتح الثوار جبهة المليحة واذا هاجم المليحة يفتح الثوار جبهة جوبر لتبقى قوات الأسد مشتتة على طول جبهات الغوطة، لكن هذا الشيء صعب جداً في الوقت الحالي، حيث أن الجبهة الأخطر على قوات الاسد هي جوبر وهي تحت سيطرة فيلق الرحمن والتي كان من الممكن قبل بداية الحملة أن تفتح جبهة جوبر ويتم نقل المعركة من الجهة التي أعد لها نظام الأسد إلى جهة أقل قوة وتحصيناً، كان من الممكن أن نجعل من خلالها المعركة خارج نطاق تحكم قوات الأسد.

ويضيف: المشكلة لدى الفصائل هي قلة الثقة بينهم والهجمة الضخمة على الغوطة، جعلت كل فصيل منشغلاً بصد الهجمات عن مناطق سيطرته وهو ما قلل من التواصل بين الفصائل وجعل كل منطقة تحاول الدفاع عن نفسها وتأمين جبهاتها، إضافة إلى أنه منذ عامين تقريباً بات كل فصيل ينحصر وجوده ضمن مناطق سيطرته، فلا يدخل جيش الإسلام إلى مناطق سيطرة فيلق الرحمن ولا العكس، وهو ما فرض على الأرض واقع أن كل فصيل يدافع عن منطقته، ولكن الخلل الرئيسي هو أنه لم يكن هناك قرار موحد وقلة الثقة بين الفصائل التي لم تتح المجال لتوحيد القرار العسكري بين الفصائل بشكل كبير.

أزمة ثقة 

يعتقد عبد العزيز أن أكبر مشكلة حدثت هي قلة التواصل بين الفصائل العسكرية على خطوط الجبهات وبين الأهالي، ويرى أن الأمر مضبوط بشكل أكبر في مدينة دوما التي يسيطر عليها جيش الإسلام، حيث أن هناك تكتلاً ضخماً في مدينة واحدة بعكس مناطق الفيلق والتي هي عبارة عن عدة قطاعات ولا يوجد فيها تكتل سكاني بمنطقة معينة واحدة، فضلاً عن الانضباط الأمني في مناطق جيش الإسلام التي تعتبر أفضل من الناحية التنظيمية، وهو ما سمح لعملاء النظام باللعب في مشاعر الأهالي ورفع أعلام النظام في مناطق تابعة لسيطرة الفيلق، ويشير من جهة أخرى إلى أن هناك مدنيين فقدوا كل شيء ويريدون الخروج من الواقع المرير الذي يعيشون به، لكنه يرى أن الوضع الأمني أصبح مضبوطاً أكثر في الأيام الأخيرة.

تواطؤ دولي

أثرت قلة الثقة على معنويات الأهالي الذي يسكنون الأقبية منذ أكثر من 20 يوماً في ظل انتشار الأمراض والظروف الصعبة التي يعيشونها، ويرى عبد العزيز أن المجتمع الدولي مبارك بشكل وقح لهذه المذبحة، حيث لا يوجد مساعدات ولا وقف لإطلاق النار وقرار مجلس الأمن الذي صدر، وهو ما يوضح أن هناك غطاءاً دولياً لحملة روسيا وإيران ونظام الأسد على الغوطة الشرقية، ويؤكد أنها معركة العدوان الثلاثي على الغوطة، وهي محمية دولياً، وإلا كان هناك تحرك دولي جاد، هذاه العملية مشرعنة دولياً حيث أن قوات الأسد تحارب بكافة أنواع الاسلحة، هناك يومياً غارات نابالم وفوسفور أبيض وقنابل ارتجاجية وبراميل وغاز الكلور السام، أصبحت تستخدم شكل اعتيادي ضمن صمت دولي رهيب.

ويشير إلى أن مدينة مسرابا كانت لا تقصف بشكل كثيف في الغوطة، لكنها دمرت الآن بشكل كامل ومسحت عن وجه الأرض، وفي الشيفونية الدمار لا يوصف، لا يوجد أبنية ولا مرافق، مسحت ودمرت بشكل كامل.

خيارات حتمية

يرى عبد العزيز أن ظروف المعركة تغيرت بعد أن أصبحت قوات العدوان على أبواب المدن، فبعد اقتحام حمورية يوم الخميس الذي استخدمت قوات الأسد المدنيين كدروع بشرية واقتحمت المنطقة بهم، استعاد الثوار المبادرة وطردوا قوات الأسد إلى خارج حمورية واغتنموا دبابة ودمروا ثلاثاً وقتلوا العشرات، وهو ما يؤكد أن المرحلة الثانية هي مقتلة لقوات الأسد في القتال على أبواب المدن، ويعتقد أنه من الممكن أن تشهد الأيام المقبلة مجازر واجراماً أكبر وربما ستكون أحد عوامل وقف الحملة على الغوطة، كما أن نجاح الثوار بالتصدي للهجوم الضخم على حرستا بعمل مشترك بين أحرار الشام وجيش الإسلام أوقعوا خلاله أكثر من 30 قتيلاً في صفوف الأسد، يؤكد على قدرة الثوار على استعادة زمام المبادرة وشنّ هجوم معاكس وهو ما سيفشل الصورة التي رسمها إعلام النظام بأن موضوع الغوطة الشرقية قد انتهى.

ويعتقد أن الحل الوحيد هو إعادة فتح الطرق بين القطاع الأوسط ودوما وحرستا وخوض مفاوضات برأس واحد وبقرار عسكري ومدني موحد، وتشكيل هيئة تمثل كلّ فصيل مع ثلاثة أشخاص من فعاليات مدنية تفاوض باسم الغوطة بعيداً عن التجاذبات والضغوط الدولية وتتواصل مباشرة مع الأمم المتحدة، أما إذا بقي الحال على ما هو عليه من فصائلية ومناطق سيطرة فسيزيد من كارثية الوضع، ويؤكد أنه يجب على الفصائل أن تبين حقيقة الواقع للأهالي، ويجب على الأهالي أن يكونوا مع الفصائل بحيث لا يمكن التفريق بين عسكري ومدني، فبالنهاية العسكري ابن عائلة مدنية موجودة في الغوطة والكل يتعرض للقصف والقتال، ويجب تشكيل هيئة من عسكريين ومدنيين تفاوض باسم الغوطة بعد وصل الغوطة من جديد، هذا سيقلل من كارثية الوضع هناك ويجعلنا قادرين على فرض شروط معينة، ويجب زيادة التواصل بين الفصائل والاهالي بشكل مباشر وتأمين الأهالي قدر الإمكان.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل