توماس باراك يقرع جرس الإنذار: سوريا على مفترق طرق جديد

لجين مليحان23 يوليو 2025آخر تحديث :
توماس باراك يقرع جرس الإنذار: سوريا على مفترق طرق جديد

في خضم التصعيد الميداني والسياسي الذي تشهده سوريا، خصوصًا في الجنوب، خرج المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك بتصريحات وُصفت باللافتة، بل والمفصلية في توقيتها ومضمونها، إذ وجّه رسائل حادة اللهجة إلى أطراف الصراع في الداخل السوري، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الشرع، كما فتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة وساطات إقليمية تقودها واشنطن بشكل علني، بعد سنوات من العمل في الظل.

الشرع تحت الضغط الأميركي: إما التغيير أو التفكك

في مقدمة تصريحاته، وجه باراك تحذيرًا صريحًا للشرع، دعاه فيه إلى إعادة النظر بشكل جذري في سياساته، لا سيما ما يتصل بملف الأقليات وإعادة هيكلة الحكم. وحذّر من أن تجاهل هذه المطالب قد يؤدي إلى تفكك الدولة السورية على غرار ما حدث في ليبيا وأفغانستان، مشددًا على أنه “لا توجد خطة بديلة” في حال سقطت الحكومة الحالية.هذا الطرح يعكس تحوّلًا في المزاج السياسي الأميركي: لم يعد الرهان على تغيير شامل للنظام، بل على إصلاح من الداخل يحفظ التوازنات ويمنع الانهيار الشامل.

تبرئة ضمنية للجيش… وإعادة تأطير رواية السويداء

الأكثر إثارة للجدل في تصريحات باراك، كان تشكيكه في الاتهامات الموجهة للجيش السوري بارتكاب فظائع في السويداء. وذهب أبعد من ذلك حين أشار إلى احتمال وقوف تنظيم “داعش” خلف هذه المجازر، متنكرًا في زي القوات النظامية، ونشر مقاطع فيديو مفبركة تهدف لتأجيج الوضع الطائفي وشيطنة الحكومة.

هذه الرواية تفتح نقاشًا عميقًا حول إعادة تأطير الخطاب الإعلامي الأميركي بشأن ما يجري في الجنوب، وتطرح تساؤلات حول التوقيت: هل تسعى واشنطن لتخفيف الضغط عن حكومة الشرع مؤقتًا؟ أم أنها تمهّد لتفاهمات أوسع تشمل بقاء هذه الحكومة بشروط جديدة؟

وساطة أميركية بين دمشق وتل أبيب: من الخفاء إلى العلن

في تطوّر لم يعد خافيًا، أعلن باراك عن قمة ثلاثية مرتقبة هذا الأسبوع، ستجمع مسؤولين من سوريا وإسرائيل برعاية أميركية، لبحث ترتيبات أمنية في الجنوب، وعلى رأسها ملف السويداء. وبحسب باراك، فإن الدور الأميركي سيكون كـ”وسيط نزيه” يهدف إلى منع أي انفجار إقليمي جديد قد تسببه المواجهات الجارية أو الغارات الإسرائيلية الأخيرة.هذه الوساطة العلنية تُعد سابقة في طبيعة الخطاب الأميركي تجاه العلاقة بين دمشق وتل أبيب، وتُظهر أن ملف السويداء بات أكثر من مجرد أزمة داخلية، بل ورقة إقليمية يجري التفاوض عليها بين عواصم القرار.

أنقرة تحذّر من التقسيم: أربع دويلات على أنقاض سوريا؟

في تزامن لافت مع التصريحات الأميركية، أطلق وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تحذيرًا حادًا من أن استمرار ما وصفه بـ”النهج الفاشل” في إدارة سوريا قد يقود إلى تقسيم البلاد إلى أربع دويلات متناحرة. وأشار فيدان، في مؤتمر صحفي عقده يوم 22 تموز 2025، إلى أن ما يجري حاليًا

في الجنوب السوري، والتدخلات الإسرائيلية، وتضعضع مؤسسات الحكم، كلها تصبّ في مسار تقسيمي خطير.

وأكد فيدان أن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات فرض أمر واقع على الأرض، سواء من خلال مشاريع “الحكم الذاتي”، أو الفيدرالية القسرية، مشيرًا إلى أن ذلك سيُعامل كتهديد مباشر للأمن القومي التركي.

وقال الوزير التركي: “السويداء اليوم ليست مجرد منطقة متمردة، بل قد تصبح نموذجًا مكررًا لتقسيم يهدد وحدة سوريا والمنطقة بأكملها، وهذا ما لن نسمح بحدوثه”.

تحذير فيدان يأتي في لحظة حرجة، حيث تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى والإقليمية على أرض سوريا، ويؤكد أن مستقبل البلاد لم يعد يُرسم فقط في دمشق أو إدلب أو السويداء، بل أيضًا في تل أبيب وواشنطن وأنقرة.

تمديد عقوبات “قيصر”: العصا في وجه التراخي

وفي تطوّر موازٍ يعكس تشدد الإدارة الأميركية تجاه دمشق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، اليوم، تمديد العمل بقانون قيصر لعام إضافي، في خطوة تعكس التزام واشنطن بمواصلة الضغط الاقتصادي على النظام السوري. القرار الذي صدر بالتزامن مع تصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك، يؤشر إلى أن واشنطن تعتمد سياسة مزدوجة المسار: تحركات دبلوماسية مشروطة بإصلاحات داخلية، مع الإبقاء على أدوات الردع الاقتصادية لفرض التغييرات المطلوبة. ويُعد هذا التمديد رسالة حازمة لكل من دمشق وحلفائها، بأن أي تفاهمات سياسية أو إقليمية لا تلغي ملف المحاسبة والضغط المستمر

واشنطن تعيد ترتيب الأوراق 

تصريحات باراك ليست مجرد رسائل دبلوماسية، بل مؤشر واضح على تغيير قواعد اللعبة في سوريا. الولايات المتحدة، التي ظلت لسنوات تراقب من بعيد، اختارت الآن التقدّم خطوة إلى الأمام: تقديم الغطاء السياسي لحكومة الشرع، التحذير من فوضى بديلة، والانخراط العلني في التفاهمات الأمنية الإقليمية.

لكن الأخطر هو أن هذا الانخراط يأتي في وقت يشهد النسيج الاجتماعي السوري حالة تمزق متقدمة، خاصة في السويداء. وفي ظل غياب ضمانات حقيقية لحماية المدنيين أو محاسبة المتورطين في الجرائم، فإن أي تسوية مفروضة من الخارج قد تكون مجرد ترحيل مؤقت للأزمة.

خاتمة

ما قاله توماس باراك اليوم ليس حدثًا معزولًا. إنه إعلان دخول أميركي مباشر على خط الحل السوري، بشروط جديدة، ورؤية مختلفة، وأدوات قديمة مجرّبة. أما الرهان الحقيقي، فسيبقى على وعي السوريين، وقدرتهم على فرض معادلتهم الخاصة داخل أي تسوية مفروضة من الخارج.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل