مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء التاسع
لم يكن حال السجن من الداخل أفضل من بقية السجون وخاصة أنه يضم معتقلين يعدّون من الأكثر خطورة، وقد كانوا مقسمين إلى ثلاثة أنواع: أمني، عسكري، وعرفي.
كان المعتقلون الأمنيون يتم جلبهم في أغلب الأحيان بشكل فردي عن طريق الفروع الأمنية المتنوعة، نقوم باستلامهم مع ملف يحتوي وصف لجريمتهم والأغراض التي يملكونها، حيث يتم تسجيل ذلك في الذاتية التابعة للداخلية ووضع أغراضهم في الأمانات سواء كانت هواتف أو بطاقات شخصية أو أغراض أخرى.
تفاجأت لدى دخولي أول مرة إلى ذاتية الداخلية تفاجأت بما تحويه أو بما يحويه السجن من أصناف المعتقلين، فقد كان في الذاتية مجموعة من الدروج والخزائن وكل درج مسجل عليه وصف لنوع المعتقلين، ومن تلك التسميات: (تنظيم القاعدة – جند الشام – إخوان مسلمين – أحزاب معارضة – سلفيين – جهاديين – أكراد) كان حال الشخص الذي يجلبونه يرثى لها وواضح أنه ذاق كل أصناف العذاب، يأتي معصوب العينين وثيابه ممزقة وشعره طويل ورائحته كريهة من قلة الاستحمام، عندما يدخل إلى الداخلية يبدأ الرقباء بضربه بشكل جنوني بأيديهم وأرجلهم على كل مكان في جسده ثم يتم إدخاله إلى مكان ويتم تجريده من ملابسه بشكل كامل وتفتيشه مع الضرب والكلام البذيء، وكان لا يشفع له أن يكون مريضاً أو مصاباً، ثم يتم أخذه إلى الطابق الثاني ويوضع في إحدى الغرف التي قد تكون خالية من كل شيء يوضع له بطانية فقط لينام عليها وفي حال البرد بطانية كغطاء يبقى عدة أيام في هذه الغرفة ريثما يتم تقرير أي جناح يوضع فيه بناء على نوع جرمه.
في إحدى المرات كنت مع أحد الرقباء أثناء التفتيش فوجد محفظة مع المعتقل وفتشها ليجد فيها شريحة هاتف ومائة دولار؛ فقال له الرقيب “شوفي بجزدانك؟” فأجابه شريحة ومائة دولار فقال له الرقيب “مافي غير شريحة”، لكن المعتقل أصرّ على وجود المائة دولار فأعادها الرقيب للمحفظة ويبدو أنه كان معتاداً على هذا الفعل لكن هذه المرة لم تنجح.
كان المساعد وائل الأكثر رهبة في السجن، حيث بمجرد دخوله أي جناح كان جميع السجناء يقفون ويتجهون للحائط وكان عديم الرحمة مع كل المعتقلين، ذات مرة أصيب أحد السجناء من العسكريين بحالة تشنج واغماء فأخرجوه من الجناح وتم وضعه في ساحة المسدس، جاء المساعد وائل وبدأ يدوس رأسه ويضربه بقوة على وجهه حتى ظننت أنه مات، ومرة بعد أن أجرينا تفقداً للمعتقلين تبين أن أحد الأجنحة ينقص سجيناً، فعاودنا التفقد ووجدناه قد انتقل إلى جناح آخر وكان من العسكريين فتم إحضاره لساحة المسدس وهنا خرج المساعد وائل كالمجنون وبدأ بضربه بعنف وبشتمه بكل كلام بذيء ثم قال: “جيبولي الدولاب” تم إحضار الدولاب وكانت أداة الضرب عبارة عن (قشاط) طوله حوالي متر وعرضه شبر، أدخلت ركبتاه في الدولاب وبطح على الأرض فأصبحت قدماه للأعلى وهنا جاء أحد الرقباء وأمسك (القشاط) بكلتا يديه ورفعه للأعلى وهوى به على قدمي السجين فصاح بشكل جنوني وسمع كل من في السجن صراخه، وعندما كان يضربه كنت أظن أن ركبتيه سوف تغوصان في أرض السجن من قوة الضرب وشدة صراخه ثم تم سحبه للجناح وكأنه جثة هامدة.
أما المعتقلون العسكريون فكان يتم جلبهم على شكل مجموعات من حوالي 15 موقوفاً أو أكثر فيتم إدخالهم ثم يبدأ الرقباء والمجندون بالتفنن بضربهم بدون سبب.
بينما حال من هم في الزنزانات لا يمكن أن يوصف، فهؤلاء قد يكون الموت أرحم لهم، الكثير من المعتقلين أخبروني بأن المجندين المشرفَين على الزنزانات لا يمكن وصفهما بالبشر فقد كانا يقولان للمعتقلين “نحن هون ربكم” وكانوا يجبرونهم على تقبيل البوط العسكري والشرب من مياه المرحاض إضافة إلى نتف الشعر والحرق وغيرها من أساليب التعذيب والاحتقار، مما جعل مجرد ذكر اسميهما يتسبب بالرعب لدى المعتقلين.
لقراءة الجزء الأول: صيدنايا.. قلعة الأسرار – أول مشاهد الرعب / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني: صيدنايا.. قلعة الأسرار – تحطم الآمال / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء الثاني
لقراءة الجزء السابع: صيدنايا.. قلعة الأسرار – الزنزانات / مذكرات سجان في صيدنايا – الجزء السابع
عذراً التعليقات مغلقة