ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
إن نفوذ روسيا في سوريا مبني على ركائز هشة مع وجود حلفاء غير موثوقين ، وانعدام الخبرة في الأساليب التي تستخدمها القوى المحلية.
إن اعتماد روسيا المطلق على نظام الأسد لحماية مصالحها يشكل تهديداً استراتيجياً في ظل تجزئة السيطرة السياسية بين وسطاء السلطة المحليين في سوريا. وعلى الرغم من المصالح المشتركة إلا أن نظام الأسد والحلفاء الإيرانيين ليسوا شركاء موثوقين. وقد تأتي المصالح المتنافسة على رأس القائمة ما إن يبدأ الحل السياسي في سوريا بالتشكل ، وتباشر سوريا في عمليات إعادة الإعمار ، وخصوصاَ في ضوء الترتيبات الإقليمية الجديدة.
وعلى نقيض ما ادعاه بوتين في زيارته الأخيرة المفاجئة إلى سوريا بأن روسيا ستسحب قواتها من سوريا ، فقد دفعت هذه العوامل روسيا في الواقع إلى تطوير أدوات جديدة تمكنها من تحقيق أقصى قدر من المكاسب وحماية مصالحها في سوريا.
نقاط القوة والضعف الروسية :
بحسب التقارير الروسية فإن روسيا تمتلك سبع قواعد عسكرية تضم حوالي 6000 جندي في سوريا ، بالإضافة إلى نحو ألف فرد من الشرطة العسكرية الروسية المنتشرين في جميع مناطق خفض التصعيد والمناطق التي تمت استعادتها من المعارضة على أثر المصالحات. كما أوكلت روسيا إلى العديد من قوات الأمن الخاصة مهمة القيام ببعثات خاصة ظاهرية من أجل حربها على داعش وحماية منشآت الطاقة الروسية ، والمشاريع الاستثمارية . وتشمل هذه الجماعات شبه العسكرية مجموعة “CHVK Vagner” التي تمتلك – بحسب المصادر – حوالي 2500 شخصاً على أرض سوريا.
لكن روسيا تدرك أنها ليست قوية بما فيه الكفاية بحيث تتمكن من ضمان مصالحها في سوريا بنفسها، وبأنه يجب عليها الاحتفاظ بالشركاء المحليين لتتمكن من ضمان مصالحها. وانطلاقاً من هذه الفكرة فإن موسكو تبذل جهوداً على جبهتين منفصلتين، الأولى عمودية تهدف إلى الحصول على نفوذ دائم داخل مؤسسات الدولة، ولاسيما الجهاز العسكري والأمني، وذلك من خلال استمالة صنّاع القرار المؤثرين مثل مدير مكتب الأمن الوطني لحزب البعث اللواء “علي مملوك”، ورئيس المخابرات العامة اللواء “ديب زيتون” ويعد الأخيران من أبرز رجالات الأمن لدى النظام السوري.
أما الجبهة الثانية فهي أفقية في جوهرها، حيث أن روسيا حريصة على توطيد العلاقات بشكل مباشر مع صانعي القرار المحليين من أجل بناء علاقات مع المجتمعات المحلية في إطار خلق توازن مع نفوذ إيران المتزايد في المجتمع السوري. كما يمكن استخدام هذه العلاقات أيضاً كنفوذ للتأثير على المفاوضات السياسية وجعل الدفة تميل لصالح روسيا، بالإضافة إلى جعلهم شركاء محليين وضامنين للاستثمارات الروسية.
آلية الوصول:
يلعب مركز المصالحة الروسي الموجود في قاعدة حميميم دوراً رئيسياً في التواصل مع أصحاب النفوذ المحليين، إلا أن آلية التواصل والمسؤولين عنها تختلف بحسب من يحكم المناطق ذات الصلة. حيث تمكنت روسيا بالتنسيق مع مكتب الأمن القومي من جذب صانعي القرار المحليين في المناطق التي يسيطر عليها النظام ، بما في ذلك مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات المحلية وزعماء العشائر ورموز الدين من خلال موظفي مركز المصالحة. كما تمكنت روسيا من التواصل مع الأكراد عبر القنوات العسكرية والأمنية مثل قاعدة حميميم الجوية ووزارة الدفاع الروسية أو عبر القنوات السياسية التي تديرها وزارة الخارجية الروسية بالتنسيق مع حميميم.
ولكن المعضلة التي تواجهها روسيا هي في التواصل مع صانعي القرار المحليين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فضلاً عن التعامل مع تأثير العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية. وفي سبيل التغلّب على هذه التحديات تم توظيف العديد من الآليات للتواصل مع هذه المجموعات المعارضة في محاولة لاستغلالها ، وذلك من خلال استخدام شخصيات سياسية مثل “أحمد الجربا” للتواصل مع القيادات المحلية في المناطق المحاصرة مثل حمص والغوطة الشرقية ، إضافة إلى لجان المصالحة (التي تتألف في جوهرها من الشخصيات المحلية وممثلين عن النظام) التي تمتلك قنوات اتصال خاصة بها يمكن استخدامها للتواصل مع المعارضة المحلية ، كما كان الحال منذ وقت قريب في منطقة التل في ريف دمشق قبل انسحاب الجيش الحر.
وبحسب أحد الناشطين من شمال حمص فإن روسيا تعتمد أيضاً بشكل كبير على كوادر الشرطة العسكرية الشيشانية المسلمة – التي تتحدث العربية بطلاقة – للتواصل مع القيادات المحلية. وإضافة إلى ذلك فقد استخدمت موسكو المسار الدبلوماسي الثاني للتواصل مع صانعي القرار المحليين، وإعادة فتح قنوات التواصل من خلال توطيد العلاقات مع القوى الإقليمية.
وقد استخدمت روسيا حتى الآن أسلوب “الجزرة والعصا” عند التواصل مع صانعي القرار المحليين وذلك من أجل ضمان النفوذ، وتوفير امتيازات لهم مثل الحماية الأمنية والتمويل ، فضلاً عن ضمان مكان لهم على طاولة المفاوضات، وحصة من أموال إعادة الإعمار. وفي المقابل تم اتخاذ تدابير صارمة للضغط على صانعي القرار المحليين، كجعلهم هدفاً للعمليات العسكرية المستقبلية أو خداع المنافسين المحليين وذلك بهدف تهميشهم أو تفضيل مجموعة على الأخرى من خلال منحها دوراً في الحلول السياسية وترتيبات إعادة الإعمار.
التحديات الدائمة:
على الرغم من أن روسيا قد قطعت شوطاً طويلاً من أجل ترسيخ نفوذها العسكري وإضفاء الشرعية على ذراعها الأمنية في سوريا، إلا أنها مازالت تواجه تحديات يسببها نفوذها داخل مؤسسات الدولة والمجتمع السوري حيث تعارض إيران جهود روسيا. إن مراكز السلطة العديدة للنظام، والاعتماد على الميليشيات، وضعف المؤسسات، تحد من جهود روسيا لبسط نفوذها في بقية سوريا. وتجد روسيا صعوبة أيضاً في التواصل مع العديد من صانعي القرار، والتمييز بين مطالبهم ومرجعياتهم وولاءتهم لقوى إقليمية أخرى، مما يجعل ركائر روسيا الاستراتيجية في سوريا أكثر هشاشة.
Sorry Comments are closed