العشائر السورية: من استعادة الهيبة في الداخل إلى أداة الردع في الإقليم

فريق التحرير14 أغسطس 2025آخر تحديث :
العشائر السورية: من استعادة الهيبة في الداخل إلى أداة الردع في الإقليم
مدين يحيى

مقدمة

تعيش سوريا اليوم مرحلة إعادة ترتيب أوراق القوة، ليس فقط على مستوى الجيش والدبلوماسية، بل عبر استعادة وتفعيل دور القوى الاجتماعية التقليدية أيضاً، وفي مقدمتها القوى العشائرية. فقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن العشائر ليست مجرد مكوّن اجتماعي، بل يمكن أن تتحول إلى ذراع ميداني وسياسي، يحفظ للدولة حضورها وهيبتها، ويمنحها مرونة في ملفات حساسة داخلياً وإقليمياً. المشهد الذي بدأ في السويداء، وامتد إلى تلويح ضد «قسد»، قد يفتح الباب أمام دور أوسع للعشائر مستقبلاً، (حتى في أي مواجهة محتملة مع إسرائيل).

أولاً: ما فعلته العشائر في السويداء

عقب التصعيد الأخير في السويداء، حيث شهدت دمشق قصفاً وتعرضت وزارة الدفاع لخسائر، كان تدخل العشائر حاسماً في قلب موازين القوة.

هذا التدخل، الذي حمل طابعاً شعبياً مسلحاً، لم يكن مجرد رد فعل انفعالي، بل خطوة منسقة أعادت للدولة حضورها المعنوي وهيبتها في المنطقة.

العشائر تحركت بسرعة، وبثقل اجتماعي وعسكري غير تقليدي، فرضت من خلاله وقائع جديدة على الأرض، وأرسلت رسالة مفادها أن الدولة ليست وحدها في الساحة، وأن هناك قوة مجتمعية قادرة على التدخل السريع عندما تتعرض هيبة الدولة للخطر.

ثانياً: التلويح بالعشائر ضد «قسد»

بعد تجربة السويداء، ظهر خطاب جديد في بيانات وتحركات العشائر، موجه نحو «قسد». هذا الخطاب لم يقتصر على الشجب، بل حمل لغة تهديد سياسي وعسكري واضحة.
التلويح هنا يخدم هدفين:

  1. الضغط السياسي: دفع «قسد» للقبول بالاندماج أو التفاهم مع الدولة تحت سقفها.
  2. الردع الميداني: تذكير «قسد» بأن أي مواجهة مع العشائر ستكون مكلفة، نظرًا لأن هذه القوة متجذرة اجتماعياً في مناطق التماس، وليست تشكيلاً عسكرياً يمكن عزله بسهولة.

بهذا المعنى، تصبح العشائر أداة ضغط منخفضة التكلفة بالنسبة للدولة، مقارنة بالتدخل العسكري المباشر.

ثالثاً: مستقبل العشائر في مواجهة إسرائيل

في حال تطور الصراع أو تصاعدت التوترات مع إسرائيل، قد تجد الدولة أن استخدام قواتها النظامية في مواجهة مباشرة سيكون مكلفاً سياسياً وعسكرياً. وهنا تبرز العشائر كخيار أكثر مرونة للأسباب التالية:

  1. تجنّب الاستنزاف المباشر: المواجهة التقليدية مع إسرائيل تعني خسائر كبيرة نظرًا للتفوق الجوي والاستخباراتي الإسرائيلي.
  2. مرونة حرب الجماعات: الفصائل العشائرية غير مرتبطة بتراتبية عسكرية صارمة، ما يجعلها أكثر قدرة على المناورة، وأقل عرضة للاستهداف.
  3. الشرعية الشعبية: يمكن تسويق أي مواجهة عشائرية مع إسرائيل على أنها مقاومة شعبية، ما يمنحها غطاءً وطنياً، ويصعّب على إسرائيل تبرير ردودها أمام العالم.
  4. المعرفة الميدانية: العشائر تملك شبكة اجتماعية واسعة ومعرفة دقيقة بالجغرافيا، ما يمنحها ميزة تكتيكية في الكمائن والتحرك الخفي.

خاتمة استشرافية

ما بدأ في السويداء كتدخل محلي لإعادة الهيبة، قد يتحول إلى نموذج استراتيجي أوسع، تقوم فيه العشائر بدور الأداة المرنة للدولة السورية. هذه الأداة يمكن أن تعمل على مستويات متعددة:

داخلياً: لاحتواء النزاعات وفرض موازين جديدة كما في السويداء، أو للضغط على خصوم مثل «قسد».

إقليمياً: لتشكيل قوة ردع غير نظامية على حدود إسرائيل، تضعها أمام معضلة مواجهة مقاومة شعبية بدلًا من جيش نظامي.

إذا ما استثمرت الدولة في تنظيم هذا الدور، وحافظت على ولاء العشائر وتماسكها، فإنها قد تمتلك ذراعاً مجتمعياً قادراً على ملء فراغات القوة، ومضاعفة خياراتها في الساحة السورية والإقليمية دون الدخول في مواجهات مكلفة أو مباشرة.

اترك رد

عاجل