* فراس علاوي
من المعروف في العمل السياسي وفي نظام السلطة تواجد نظام يحكم البلد تحت ظروف وقناعات معينة ترتبط بطبيعة هذه السلطة وأحزابها السياسية والخلفية والقاعدة الشعبية التي انطلقت منها وأوصلتها لسدة الحكم مهما كان شكل الحكم المتبع في تلك البلدان، سواء كان جمهورياً مباشراً او برلمانياً او نظام اكثرية برلمانية.
بالمقابل تتواجد هناك معارضة لهذا النظام من المختلفين معه سياسياً وفكرياً وغالباً ما تكون هذه المعارضات هي معارضات سياسية سلمية قلما تتحول الى مسلحة في ظروف معقدة تتبادل فيها المعارضة والموالاة تهماً تتعلق بالسيطرة على الحكم أو تزوير الانتخابات أو غيرها من المشاكل.
في بلدان القمع العربية والحكومات الاستبدادية تتلاشى المعارضات بل تكاد تكون غير موجودة أو مغيبة، وتكون في الغالب معارضة فردية غير جمعية أي لا تتكون من أحزاب، بل من أفراد يقطن غالبيتهم السجون.
هذا الواقع كان منطبقاً على الأرض السورية والتي خلال عقود من حكم نظام البعث وآل الأسد لم تشهد ظهور معارضة حقيقية قوية تقف ضد التيار الحاكم، بل ظهر مجموعة من الأفراد لم يستطيعوا تجميع أنفسهم ضمن تيار واحد بسبب آلة القمع من جهة وبسبب اختلاف رؤاهم الفكرية من جهة ثانية، فهذه المعارضة على الرغم من شرذمتها وقلتها فهي معارضة ملونة تتراوح من أقصى اليمين الراديكالي حتى اليسار الشيوعي بل وتنقسم على بعضها البعض ضمن مجموعة الأفكار الواحدة، فالشيوعيون منقسمون على أنفسهم وكذلك الاسلاميون.
مع انطلاق الثورة السورية كان لابد من توحيد هذه المعارضة للوصول لرؤية ثورية موحدة تساهم في إسقاط النظام لكن للأسف هذا لم يحدث، حيث انقسمت المعارضة السياسية وليس الثوار على الارض، الذين انقسموا لاحقاً بفعل الانقسام السياسي الى معارضة تتبنى اهداف الثورة بالمطلق وهي ظهرت كنخبة ثورية من صفوف الثوار مالبثت ان انتقلت الى الخارج بفعل آلة القمع السلطوية والامنية، لتلتقي بشخصيات معارضة في الخارج تحمل فكراً معارضاً بعضه مؤدلج ضمن ايديولوجية معينة وبعضها يحمل مفاهيم سياسية معينة شكلت خليطاً غير متجانس لقيادة ثورية مركبة، ضمن هذا الخليط ظهرت أصوات معترضة ولأسباب مختلفة، يرجع بعضها لعدم حصولها على مواقع قيادية وأخرى لاختلاف الرؤى الثورية والسياسية مع مكونات المعارضة الأخرى.
كذلك كان هناك ما سمي معارضة الداخل والتي حاولت ايضاً تجميع نفسها في عدة تيارات ابرزها ما سمي هيئة التنسيق وبعض التيارات الصغيرة الأخرى ومجموعة من الافراد، هذه المعارضة لها رؤية مختلفة للحل السياسي في سوريا وهي ترى ان الحل يجب آلا يتبنى اسقاط النظام كشرط للحل بل ان هناك امكانية لاعادة هيكلة النظام وصياغته منطلقة من مفاهيم السلم الاهلي والحفاظ على مؤسسات الدولة، لكن فعلياً هذه المعارضة لا تملك سقفاً مرتفعاً، بل تفاجأت بانطلاق الثورة السورية وبارتفاع سقفها حيث كان قمة توقعاتها ان نجحت بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية جامعة، هذه المعارضة التي رأت في القيادة السياسية للثورة السورية والدعم الشعبي للتيار المناقض لأفكارها خطراً حقيقياً على وجودها كانت أمام خيارين لا ثالث لهما إما الاندماج ضمن هذا التيار والكتلة المعارضة وبالتالي الذوبان فيه وخسارة شخصيتها المستقلة وقد قام بعض عناصرها بالفعل بهذا العمل من امثال فايز سارة وعبد المجيد منجونة وجورج صبرة وغيرهم، وهناك من لم يقبل بذلك وظل تحت سقف النظام بادعائه وطنية المعارضة، في حين انه لا يعدو كونه معارضة مقبولة استخدمها النظام فيما بعد كورقة ضغط على المعارضة ومؤسساتها التي بدأت بالتشكل كما استغلها الروس في الضغط على المجتمع الدولي فأصبحت إحدى الأدوات للضغط على الثورة انضم إليهم طرف آخر موجود في الخارج وربما خرج من الداخل لكنه لم يجد لنفسه مكاناً كان يطمح له او كان على خلاف مع اطراف موجودة في المعارضة فتحول إلى معارض لهذه المعارضة لم يصل الى درجة تخوينها لكنه على خلاف دائم معها خاصة من يرى في بعض شخصيات المعارضة المنشقة عن النظام أنها لا تخدم الثورة ولا تحمل أي من أفكارها بل وتعيب على بعض شخصيات المعارضة أنها لم تعاني السجن أو تمارس العمل الثوري رغم مغامرتها بالانشقاق عن النظام وبعضها انشق في وقت مبكر
هذه التيارات والانقسام في المعارضة جعل من الصعب توحيدها وبالتالي من الصعب تشكيل جسم سياسي قوي يقود العمل الثوري مما انعكس سلباً على أداء المعارضة ولجوء الدول الداعمة لابتكار كتل معارضة تخدم سياساتها مثل الإئتلاف الوطني والذي هو اشبه ببرلمان مختلف التوجهات وهو عبارة عن مظلة جامعة لقوى المعارضة المختلفة الاهداف والتوجهات حولته إلى كيان مترهل لا يستطيع تحمل أعباء الثورة بل ومشرع أبوابه للانقسام في كل هزة تصيبه مما ادى لخروج عدد من الاعضاء عنه، هذا الانقسام جعل من عملية توحيد المعارضة معضلة بحد ذاتها استغلها النظام وحلفاؤه وشكلوا معارضات على مقاس النظام أتهم أغلبها انه خرج من عباءة النظام وأنها الوجه الآخر اللطيف له.
اذاً واحدة من أهم معضلات الثورة السورية هو وجود معارضة ضعيفة مفككة تجمعها مظلة هزيلة نوعاً ما تتقاسم العمل الثوري وفق مصالح سياسية وحزبية ضيقة الافق.
ووجود معارضة المعارضة وهي غالباً تلتقي بقصد أو بدون قصد مع مشروع النظام وحلفائه خاصة الروس الذين جعلوا من تشكيل المعارضة عملية سياسية مستقلة فبتنا نشهد منصات معارضة هي أقرب في تكوينها للنظام من المعارضة خاصة أن بعض شخصياتها مثل قدري جميل وعلي حيدر تشارك النظام في الحكم بل إن علي حيدر هو وزير ما يسمى المصالحة الوطنية وهي إحدى أساليب النظام للسيطرة على المناطق عن طريق فرض مصالحات معها بواسطة هذه الوزارة والفروع الأمنية بدعم بعض المتنفذين في تلك المناطق فهل يطلق على مثل هكذا تشكيلات معارضة للنظام؟ وهل توجد معارضة في بلد فيه نظام يقتل شعبه الذي خرج يطالب بحقوقه الدستورية وبالحرية تتقاسم السلطة مع النظام الذي اختار الحل الأمني؟ هي بالفعل يطلق عليها وبجدارة اسم معارضة المعارضة!
الحل يكون بتشكيل قيادة حقيقية غير مترهلة لا تتحول الى سلطة مكاتب، تكون صاحبة قرار مستقل دون مرجعيات حزبية ضيقة ولا يكون تشكيلها على اساس محاصصة سياسية أو طائفية أو عرقية بل تكون مرجعيتها ثورية ذات قبول دولي وقدرة على التحرك بكافة الاتجاهات مع ليونة في القدرة على تقبل الآخرين وقدرة على الحزم والحسم وبذات الوقت تملك القدرة على المناورة السياسية وتحمل أهداف الثورة وهموم الوطن.
سوريا ومعارضة المعارضة
التعليقات تعليق واحد
عذراً التعليقات مغلقة
توصيف سليم .وفيما يرتبط بمصطلح معارضة الداخل مو متناقض مابين الاسم والهدف .أي معارضه داخل تلك التي ترى المجازر اليوميه و حمام الدم في كل المدن السوريه ملثلة أمامها. وهي صامته ولاتسطيع اتخاذ موقف ورأي صريح وواضح لما يجري من حولها .بل مواقف ممالئه مناغمه للنظام بل والاكثر من ذلك متزاوجه و متوافقه معه في كثير من المواقف .
ولمعارضة الخارج ورموزها التي وقت ضمن فخ الضغط والتبني والمرجعيه لبعض الدول العربيه وخاصة قطر التي زادت في عمق الشرخ والتشظي فيها من خلال مبدأ المفاضله بين هذا وذاك واهمة بتنطحها واستيلاءها على القرار السيادي للثوره الامر الذي ساهم في ذلك خدمة للنظام في استمرار الخلاف والاختلاف فيما بينها………