شهدت الأيام الماضية تحركات لافتة باتجاه نظام الأسد وخصوصا من المحيط العربي الأقرب بداية الأردن والإمارات، ولا نستغرب لاحقا خطوات أكثر وضوحا، أو انضمام دول أخرى حتى لو كانت كل تلك التحركات في سقف أقل من عودة سوريا كدولة بقيادة النظام الحالي إلى جامعة الدول العربية، التي فقدت تأثيرها السياسي قبل بداية الربيع العربي وما شهدته المنطقة العربية من تحولات في العشر سنوات الماضية حولت هذا التجمع لهيكل إعلامي لا يملك أي قوة أو قدرة على اتخاذ أي موقف داعم او رافض لاي قضية من بينها سوريا، لذلك باتت التحالفات الثنائية والتحرك المنفرد لكل دولة على حدا هي السمة الحالية والمؤثرة في التعامل مع النظام السوري.
في متابعة لهذه التحركات باتجاه إعادة العلاقة مع النظام والتي لا شك تتم بسبب تغاضي المجتمع الدولي عن هذه الخطوات عبر عدة مؤشرات من بينها قرار المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو ما يعرف بـ “الإنتربول الدولي”، إعادة تنشيط علاقاته مع نظام دمشق، ورفع الحظر المفروض عليه منذ سنوات، وهذه التحركات وإن كانت ما تزال خجولة ولكنها تحمل في طياتها إشارات سياسية مهمة في تغير المزاج العام الدولي في جوهرية التفاوض حول بقاء النظام من عدمه، أو إمكانية إيجاد سبل وطرق التعامل معه لاحقا حتى لو بالحد الادنى، وبات من المؤكد أنه هناك اتفاق على تحويل مشكلة الصراع السوري من نظام مجرم شن حرب شاملة على شعبه سنوات طويلة وتسبب باعتقال وقتل وتهجير ممنهج خلال السنوات الماضية وتدمير مرعب للبنية التحتية باستخدام كل الاسلحة المحرمة دوليا بما فيها الأسلحة الكيميائية، إلى اختزالها بقضية إنسانية بحتة بغض النظر عن المسؤول عنها، تتمحور حول عدة ملايين من اللاجئين كيف يمكن للدول أن تفكر بآليات لعودتهم بشكل آمن والتخلص من عبئهم في دول اللجوء التي تستضيفهم كأنهم مجرد أرقام لا أرواح تسكنهم ولا معاناة تسكنهم.
على الرغم من تعقيد الوضع السوري الميداني بالمحاصصة الدولية الحالية، وكثرة اللاعبين الإقليميين الفاعلين بالصراع القائم والقوى السياسية التي يملكونها بفرض سلطة الأمر الواقع مما قسم سوريا إلى عدة كانتونات، نجد من الصعوبة التفكير بقدرة النظام السوري في أمد قصير حتى بالدعم المطلق الروسي على السيطرة على كامل الجغرافية السورية إذا لم يكن هناك اتفاق دولي يتيح له هذه العودة ويسهل له المهمة، وإن كان هذا الاحتمال غير واقعي حاليا ولكن انسحاب أمريكا من أفغانستان بعد عشرين عاما تجعلنا نضطر للتفكير بأن السياسة لا تعترف بمنطق ولا تحتكم لاخلاق فإذا استطاع النظام السوري بالفعل استرجاع كامل المناطق التي مازالت خارج سيطرته، ماهي السيناريوهات المحتملة هل ستعود سوريا إلى ما قبل ٢٠١١؟
ربما لو استطاع النظام أن يسيطر من جديد عسكريا وأمنيا على كامل الجغرافيا السورية عام ٢٠١٥ ، كان يمكن أن يجد النظام حلول كثيرة تساعده على الإمساك بكل خيوط اللعبة وفرض شروطه من جديد على اللاعبين الإقليميين الحلفاء والأعداء، مع الأخذ بالاعتبار إنه يحتاج لفترة زمنية ليست قصيرة لفعل ذلك ولكنه كان يمكن أن ينجح في وقتها، و كانت هناك فرصة كبيرة جدا لعودة جمهورية الخوف التي رسمها حافظ الأسد وتم تحطيمها في عهد وريثه في آذار عام ٢٠١١ في ثورة الكرامة.
ولكن ما هو السيناريو المحتمل لعودة سيطرة النظام على سوريا في عام ٢٠٢١؟
النظام فقد كل مراكز قوته العسكرية اللوجستية والبشرية، وارتهن بشكل كامل للحلفاء الذين دخلوا لإنقاذه من السقوط مقابل عقود اقتصادية تمس المفاصل الحيوية والرئيسية لأي بلد يتمتع باستقلالية وسيادة من جهة، وداعمة أساسية للاقتصاد المحلي من جهة أخرى، مثل مرفأ طرطوس وحقول النفط والغاز بمحافظة حمص والذي تسيطر عليهم جميعا روسيا ولا تعمل إلا بإشراف شركات روسية.
إلى جانب الظروف الاقتصادية المتردية جدا وغياب شبه كامل لأغلب الخدمات الاساسية مع تهتك النسيج الاجتماعي وارتفاع معدل الجريمة وغياب الأمن وهيمنة سلطة الغاب عبر المليشيات الرديفة المنتشرة بالبلاد وغياب شبه كامل لسلطة وهيبة الدولة، يجد النظام حاليا صعوبة كبيرة بإدارة المناطق التي يسيطر عليها بالفعل حيث نلاحظ بسبب عدم امتلاكه للقوة البشرية اللازمة بسبب نتائج الحرب المستمرة منذ عشر سنوات وهجرة عدد كبير من الشباب في مناطق النظام هربا من الالتحاق بالجيش، أن هناك مناطق مضطر لضبط الأمن فيها بشدة مثل دمشق وحمص وحلب ومناطق عاجز عن السيطرة عليها بشكل كامل مثل درعا والسويداء وبعض أجزاء ريف دمشق .
لذلك لا يمكن للنظام أن يحول سوريا من جديد لجمهورية الخوف إن كان في حدود سيطرته الحالية أو في حال أعاد السيطرة على كامل سوريا من جديد، ولكنه مازال يملك كل الأدوات اللازمة ليكون مؤذيا وخطيرا لفئات كثيرة لا تملك القدرة على المواجهة، ولا حتى للاعتراض على الوقوف ساعات للحصول على ربطة خبز ، بسبب استمرار سياسة الاعتقال التعسفي وممارسات التعذيب والترهيب وبسبب فوضى الجوع التي خلقها والتي أغرق الناس فيها، حتى لا يملك الشعب الوقت ولا القدرة ولا الرغبة للتفكير بأي أمر لا يتجاوز (من ماذا تتكون وجبة الطعام لاولادنا اليوم).
خصوصا بعد فشل مساعي الشعب بالتغيير بعد كل ما بذله من تضحيات، وما زال أفراده يعيشون هذه النتائج الكارثية.
صحيح أن مساعي الشعب الذي ثار على النظام لم تنجح لأسباب عديدة، كان أهمها أن الشعب الثائر وقيادات الثورة والمعارضة وضعت كل بيضها في سلطة الدول التي ظنت أنها داعمة لقضيته دون أن تفكر بمشروع وطني يجمع كل المعارضين، يوحد كل الثائرين، يقرر مصير سوريا بين المختلفين قوميا وطائفيا، بالدرجة الاولى، مما جعلنا نتبعثر كأفراد لا نملك أي قوة أو تأثير على الصعيد الجمعي.
الثورة كانت لحظة تاريخية وهي الحد الفاصل بين الرضوخ للعبودية والمشي في طريق الحرية، لكن الآن بعد كل ماحصل طريق الحرية بدأ ويحتاج للعمل ولكل جهود الوطنيين على كل المستويات لاستغلال الفرصة الحالية بالوصول لنهاية الطريق، والاعتراف بأن كل خياراتنا السابقة فشلت ونتعلم من أخطائنا وكيف نرتب أوراقنا وكيف نوجه نقاط قوتنا ونستفيد من نقاط ضعف أعدائنا ونعمل بهدوء وبنفس طويل وبمخططات عملية قابلة للتطبيق والتركيز على الهدف “سوريا بدون الأسد “، حتى لو اعترف كل المجتمع الدولي بنظام الأسد من جديد فنحن لن نعترف به بيوم من الأيام والشرعية تأتي من الشعب، هذه هي الحقيقة التي لم نستطع رؤيتها مبكرا… وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.
Sorry Comments are closed