كثر الحديث مؤخراً عن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أو ما يعرف بـ “الإنتربول الدولي”، وذلك بعد إعلان النظام السوري إعادة افتتاح مكتبه في العاصمة السورية دمشق, حيث تم رفع الحظر المفروض عليه منذ ما يقارب التسع سنوات من قبل الأمانة العامة للإنتربول.
الأمر الذي تداوله السوريون خاصة في بلاد اللجوء بكثير من القلق، متكهنين أن هذا الإجراء قد يمكّن النظام من مطالبة دول اللجوء بتسليمهم أو ترحيلهم إلى سوريا, والتهم التي يمكن أن تحيكها الأنظمة المستبدة للهاربين من ظلمها لا تحصى.
لنلقي بداية إضاءة سريعة على تعريف الانتربول ومهمته:
يمكن تعريف الإنتربول: بأنه شرطة دولية تعمل على تنسيق النشاط وتبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة الوطنية للدول الأعضاء في هذه المنظمة وعددها 194 دولة, بهدف تعزيز مكافحة الجريمة وتسهيل القبض على المجرمين من خلال مكاتب تتوزع في الدول الأعضاء.
ويتولى إدارتها ضباط شرطة وطنيين ويكون هذا المكتب تابعاً للوزارة الحكومية المسؤولة عن العمل الشرطي في كل دولة عضو، ويتولى تنسيق النشاط بين هذه المكاتب ما يُعرف بالأمانة العامة للإنتربول التي تتخذ من مدينة ليون الفرنسية مقراً لها.
وليست كل الجرائم تصلح لأن تكون محل اهتمام الانتربول، فهذه الشبكة لا تُعنى إلا بأخطر الجرائم بل لنقل أخطرها على الإطلاق، كالإرهاب, الإتجار بالبشر, تهريب وبيع المخدرات, الاعتداء الجنسي على الأطفال وغيرها.
من الجدير بالذكر أن الإنتربول لا يقوم بإجراء الاعتقالات، إذ لا توجد لديه سجون, لكنه يعمل كجهة اتصال إدارية وتبادل معلومات بين جهات إنفاذ القانون في الدول الأعضاء، ويبقى لقضاء الدولة المطلوب إليها تسليم الشخص، البت في التهمة المنسوبة إليه.
وتجدر الإشارة هنا الى أن الإنتربول يلتزم الحياد السياسي في عمله، فلا يمكن الطلب منه المساعدة بتسليم طالبي اللجوء السياسي.
فإذا أصدر القضاء حكمه بالتسليم لا يعتبر هذا الحكم ملزماً للدولة المضيفة التي تمتلك سلطة تقديرية مطلقة في التسليم أو الرفض، وعلى النقيض من ذلك إذا أصدر القضاء حكمه بعدم التسليم لأي سبب, يعتبر حكمه ملزماً للدولة فلا تملك حق التسليم.
أما إذا قررت الدولة التسليم بناءً على حكم قضائي مبرم عندها يصدر الإنتربول مذكرات الاعتقال ويساهم في عملية القاء القبض على المطلوب وتسليمه.
أما عن إعلان النظام السوري إعادة فتح مكتب الإنتربول في دمشق، وما تبعه من مخاوف أو تخويف للسوريين المعارضين والثوار الفارين من نظام الأسد، والذي أراه تخويفاً لا داعي له لأسباب أهمها أن الإنتربول كما ذكرت سابقاَ يتبنى مبدأ الحياد السياسي في عمله.
ويجب تقديم الأدلة الدامغة على ارتكاب الشخص المطلوب لجريمة بخطورة الجرائم التي أسلفناها, وبهذا يستثنى (المعارضين السياسيين والصحفيين والثوار السلميين)، وإذا بقينا في دائرة الخوف (من حملوا السلاح)، فهنا يجب تقديم الأدلة الواضحة على ارتكابهم أي فعل يمكن تسميته جريمة، حسب المفهوم الدولي، وهذا ليس بالأمر السهل.
كما أن للدولة المطلوب منها توقيف الشخص أو تسليمه, السلطة التقديرية المطلقة في التسليم من عدمه، والجدير بالذكر أن معظم الدول التي يتواجد فيها السوريين، أبرزها (تركيا, دول أوروبا, الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها)، لا تعترف حتى الآن بشرعية لنظام بشار الأسد فكيف تتعاون معه في تسليم مطلوبين؟.
علاوة على كل ما سبق، لا أرى لهذه العودة الى منظمة الانتربول (إن كان هناك قطيعة أصلاً) أهمية كبيرة إلا من ناحية رمزية في محاولة لإعادة تعويم الأسد دولياً، ومنح نظامه شرعية سياسية دولية.
وهذه الجلبة التي افتعلها نظام الأسد لهذه العودة, لا تعدو أن تكون دعماً نفسياً له ومحاولة بث الخوف في نفوس معارضيه، بأن الشبكة التي من المفترض أن تكون مهمتها المساعدة في إلقاء القبض على المجرمين وتسليمهم للعدالة تضع يدها بيد النظام الذي قتل شعبه وشردهم والذي كان من المفترض أن تسلم رموزه للعدالة بدلاً أن تتعاون معهم.
Sorry Comments are closed