الإدمان بعد سقوط نظام الأسد.. خطر صامت يهدد جيل سوريا القادم 

فريق التحرير3 نوفمبر 2025آخر تحديث :
كمية من المخدرات تم ضبطها داخل سيارة قادمة إلى حمص عبر الأراضي اللبنانية – الداخلية السورية

في سوريا اليوم، حيث المدن المنهارة من وطأة الحرب ويختفي الأمل بين الركام، ظهر خطر صامت يفتك بأجيال المستقبل، الإدمان على المخدرات. لم يعد الحديث مجرد أرقام أو قصص فردية، بل عن وباء ينهش المجتمع من الداخل، يهدد الأسر، يفتك بالأطفال والمراهقين، ويزرع الفوضى والجريمة في الشوارع والمدارس والمخيمات. 

الكبتاغون والحشيش والترامادول لم تعد مجرد مواد مخدرة، بل أدوات لتدمير العقول والأرواح، إذ يقف ملايين الشباب أمام خيارات معدومة: الهروب عبر السموم أو مواجهة واقعٍ قاسٍ بلا مستقبل. في هذا الواقع المظلم، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن إنقاذ جيل كامل قبل أن يتحول الإدمان إلى كارثة لا عودة منها؟ 

أنواع المخدرات المنتشرة: الكبتاغون في الصدارة 

يؤكد الدكتور تيسير الزعبي، أن أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في سوريا هو الكبتاغون، مشيراً إلى أنه من المواد القوية التي “تعمل على زيادة الطاقة وتقليل الحاجة للنوم والشعور بالقوة”، ما يجعل بعض المستخدمين يعتقدون خطأً أنه مفيد لهم. 

 “لكن بعد فترة قصيرة، يصبح الشخص مدمنًا، عنيفًا، قلقًا، يعاني من الهلوسة، لينتهي به الأمر إلى تلف في الدماغ أو الوفاة بسبب الجرعة الزائدة.” 

ويضيف أن الإدمان يختلف بين الرجال والنساء وبين المدن والريف، موضحاً أن نسبته أعلى بين الرجال وسكان المدن بسبب الاحتكاك والعمل الخارجي وسهولة الحصول على المواد المخدرة. 

شهادة حية: الإدمان يجتاح شباب سوريا بعد 2018 

شهد أحد أقارب المدمنين من الجنوب السوري انتشار الإدمان بين الشباب السوري بشكل غير مسبوق بعد عام 2018، خصوصاً الكبتاغون، الذي أصبح متاحاً بسهولة وغالباً عبر مروجين بأسعار رمزية أو بالمجان. “بعد الثورة وسيطرة نظام بشار الأسد والروس عام 2018، وجد الشباب أنفسهم في حالة حيرة، محاولين حماية أنفسهم من بطش النظام وتعرضهم للاغتيالات وانتشار المليشيات. الكبتاغون منحهم نوعاً من النسيان المؤقت وزيادة القدرة الحركية، مما جعلهم ينسون الخوف مؤقتاً. أخي نفسه وصل به الإدمان إلى تناول ثماني حبات يومياً، حتى فقد السيطرة على نفسه، وحرق البيت أحياناً، وصرخ بعبارات غير مفهومة، بينما أصبح شبه منقطع عن المجتمع وتشجع عليه فئة من الشباب المحيط به على نفس طريق التعاطي.” 

ويتابع المحدث: “الحل الوحيد كان علاجه في مصح طبي، لكن لم تكن هناك مصحات متخصصة في ذلك الوقت. اضطررنا لإبلاغ قيادة الفيلق الخامس في بصرى الشام، التي قامت باعتقاله بطريقة سليمة وإرساله إلى سجن بصرى الشام، حيث حصل على مهدئات طبية وبعض المسكنات، وأُدخل جلسات شريعة ودينية. بعد حوالي شهرين، تم إخراجه بعد توقف ردود الفعل الناتجة عن الإدمان، وهذه كانت الطريقة الوحيدة لعلاجه حينها.” 

استمر الإدمان في التأثير على جسده لمدة ثلاث سنوات (2019–2022)، مما أدى إلى انحلال العضلات وعزله عن المجتمع، وكانت أغلب جلساته وحيداً، كما لو كان يعيش حالة من التوحد النفسي. 

ويشير المحدث أيضاً إلى أن الانتشار لم يقتصر على الذكور فقط:”بعض الشباب يتعاطون الحشيش أحياناً مع حبوب الترامادول الطبي، معتقدين أنها تمنحهم قوة جسدية وأداء جنسي أفضل، لكن الترامادول يسيطر على الدماغ ومع الوقت يفقد المتعاطي السيطرة على سلوكه. انتشار المخدرات كان واسعاً بين 2018 و2025، حتى وصل المدارس والأسواق والمنازل، وتشمل الذكور والإناث. عشرات الفتيات يتعاطين الكبتاغون والحشيش، بعضهن تم القبض عليهن أثناء الترويج للمخدرات في الجامعات. أسعار الحبوب والحشيش رمزية، بينما الكريستال يستخدمه أصحاب الأموال ويستعمل أيضاً لأسباب جسدية وجنسية.” 

ولا تزال هذه الظاهرة مستمرة حتى اليوم، مع وجود شبكات توزيع وتعاطٍ بين الشباب والطلاب، ما يجعل الخطر يهدد الجيل الحالي كما سبق أن هدد الجيل السابق.” 

هناك شهادات أكبر وأكثر تفصيلاً، لكن نتحفظ على ذكرها حفاظاً على خصوصية الشهود وسلامتهم. 

الإدمان كوسيلة للهروب 

تقول الأخصائية النفسية آلاء تللو من بوسطن: “الإدمان في سوريا لم يعد خياراً، بل أصبح الواقع البديل الوحيد أمام ملايين الشباب الذين لا يملكون عملاً، ولا أملاً سياسياً، ولا حتى طعاماً كافياً.” 

وتضيف أن الإدمان أصبح وسيلة للهروب من الألم اليومي، والصدمة، والخيبة الجماعية التي يعيشها جيل كامل بعد سنوات الحرب والحرمان. 

كارثة الجيل الضائع: الأطفال والمراهقون في مرمى الإدمان  

تشير تللو إلى أن أخطر ما في هذه الأزمة هو وصول المخدرات إلى المدارس والمخيمات، حيث أصبحت “أماكن التعلم والحماية تتحول إلى بؤر إدمان وجريمة”. 

“الأطفال والمراهقون (5–18 سنة) هم الضحايا الأكثر هشاشة، يجندون كمستهلكين أو موزعين، وفي بعض الحالات كمصنعين. النتيجة: تدمير جيل كامل قبل أن يبدأ حياته.” 

وتضيف بخطورة: “المدارس اليوم تحولت إلى أسواق مخدرات، والمخيمات إلى مصانع إدمان، والأطفال لم يعودوا ضحايا فقط… بل أدوات في شبكة الفساد والمخدرات.” 

الآثار الاجتماعية والنفسية 

ترى الأخصائية أن الإدمان لم يعد مشكلة فردية بل أزمة اجتماعية تهدد نسيج المجتمع. 

الآثار السلبية تتجسد في تفكك الأسر، ارتفاع معدلات الطلاق والعنف المنزلي، الإهمال تجاه الأطفال، الفقر، العزلة، وانتشار الجريمة. 

وتشير إلى أن “الأسر القوية تقلل احتمال الإدمان بنسبة 68%، والمجتمعات المتضامنة تمنع انتشاره بنسبة 74%.” 

الجانب الطبي: تحديات وعقبات 

يشرح الدكتور الزعبي مراحل التعامل الطبي قائلاً: “يبدأ العلاج بقناعة المدمن بالعلاج ومساعدة الأهل، ثم سحب المادة المخدرة من الجسم ضمن بروتوكول طبي دقيق وتحت إشراف اختصاصي.” 

لكنه يشير إلى أن أكبر التحديات تكمن في ضعف الكوادر وغياب المصحات المؤهلة. 

“لا يمكن علاج المدمنين في السجون أو المنازل، فالمدمن بحاجة إلى مكان آمن ومجهز طبياً ونفسياً. للأسف، لا توجد حتى الآن مصحات متخصصة كافية في سوريا.” 

الحل الوطني الشامل: مسؤولية الجميع 

يشدد الزعبي على أن مكافحة الإدمان ليست مسؤولية قطاع واحد: “يجب أن تتعاون جميع مؤسسات الدولة: الإعلام، الصحة، التربية، الداخلية، والأئمة في المساجد. الإعلام عبر حملات التوعية، التربية عبر المدارس، الصحة بتوفير العلاج والرقابة، والداخلية بملاحقة التجار، والمساجد عبر تحريم المخدرات وتوجيه الشباب.” 

ويضيف: “الأهم هو تحفيز الأهل والمجتمع على تقبّل فكرة أن الإدمان ليس عاراً بل مرض يحتاج علاجاً ودعماً.” 

التوصيات: نحو مصحات نموذجية ودعم مستدام 

يختم الدكتور الزعبي حديثه قائلاً: “سوريا اليوم بحاجة إلى مصحات نموذجية لعلاج الإدمان، تتوفر فيها كل شروط الأمن والسلامة للمريض، مع تطوير الكوادر وتأهيلها، وتوفير الدعم المادي والإنساني اللازم لاستمرار العلاج.” 

فالإدمان بعد سقوط النظام ليس مجرد ظاهرة صحية، بل انعكاس لعدم تحمل بعض الوزارات والمجتمع مسؤولياتهم لمكافحة هذه الآفة . جيل كامل يقف على حافة الضياع، والمدارس والمخيمات أصبحت خطوط مواجهة جديدة، لا تُستخدم فيها الأسلحة، بل الحبوب البيضاء التي تقتل ببطء. 

ما لم تُتخذ خطوات جادة وعاجلة من المجتمع والدولة والمنظمات معاً، فإن ما بعد الحرب قد يكون أخطر بكثير مما قبلها. 

اترك رد

عاجل