حرية برس _ رنيم سيد سليمان

ارتبط اسم سوريا في السنوات الأخيرة بواحدة من أخطر أنواع المخدرات، وهي حبوب الكبتاغون، التي تحولت إلى عنوان عالمي للتقارير الأمنية والتهريب، بعدما جعل منها النظام البائد وميليشياته تجارة مربحة لتمويل حربه وإدامة آلة القمع ضد المدنيين، فلم يكن الأمر مجرد انحراف فردي أو نشاط سري، بل مشروع ممنهج لربط البلاد بعالم الجريمة المنظمة.
وترك هذا الإرث الثقيل بصماته العميقة، إذ لم يقتصر أثره على الاقتصاد والسياسة، فكانت خطة مدروسة لإضعاف شبابه وفتْح الطريق أمام الإدمان، بهدف تحويل الأحياء والمدن إلى ضحايا حرب صامتة لا تقل خطورة عن القصف والاعتقال.
وما زالت فلول النظام حتى اليوم تواصل هذه التجارة القذرة، عبر شبكات تهريب محترفة لا تهدأ، وعبر الحدود السورية، حيث تُسجَّل بشكل شبه يومي عمليات ضبط وإحباط لتهريب المخدرات بوسائل متعددة، تشمل الشاحنات المموّهة، البالونات، إدخالها ضمن الأطعمة، وأساليب مبتكرة أخرى، في مشهد يعكس عمق هذه الصناعة السوداء.
كما تواجه الحكومة السورية هذا الخطر بحملات أمنية واسعة، فتفكك مصانع وتعتقل مروجين وتضبط شحنات، في مسعى حثيث لقطع شريان هذه التجارة، غير أن قوة المواجهة تُقاس بقدرتها على الجمع بين الأمني والتوعوي، بحيث تصبح المواجهة الأمنية خطوة أولى، ويُبنى فوقها وعياً مجتمعياً يرفض هذه الآفة ويعالج جذورها.
وتحتاج البلاد اليوم إلى مشروع وطني شامل: يبدأ بالتثقيف والتوعية في المدارس والجامعات، ويمر بتأمين فرص عمل تحفظ الشباب من الانزلاق إلى الهاوية، ويصل إلى مراكز علاج وتأهيل تحمي المدمنين من السقوط النهائي وتعيد دمجهم في المجتمع.
وتبقى المخدرات معركة مفتوحة، فهي ليست مجرد مادة تُهرّب أو تُقدَّم للمجتمع، بل سلاح دموي استخدمه النظام المخلوع لتدمير حاضر سوريا وتهديد مستقبلها.
والانتصار في هذه المعركة يتطلب إرادة جماعية حقيقية، لكن يبقى السؤال الأخير: كيف يمكن لمجتمعنا أن يحمي شبابه ويقطع الطريق على هذه الآفة قبل فوات الأوان؟