بين طرائف القمة الثلاثية الإيرانية/ الروسية/ التركية طراز كان معلَناً خلال الخطب التي ألقاها إبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان؛ بصدد الملفّ السوري إجمالاً، ثمّ خصوصاً حول التواجد العسكري لكلّ من إيران وروسيا وتركيا على الأراضي السورية. لا أحد من الرؤساء الثلاثة ضمّ قواته العسكرية إلى صنف «الوجود الأجنبي»، معتبراً من جهة أولى أنه إنما يستجيب لطلب شرعي من النظام السوري؛ وغامزاً، تالياً وضمنياً، من قناة الآخرين الذين لا يتمتعون بتلك السمة الذهبية الخاصة بـ«شرعية» التواجد.
لا أحد كذلك ألمح إلى أنّ الجيوش الإيرانية والروسية والتركية المرابطة هنا وهناك في سوريا هي، في أوّل المطاف ونهايته، قوى احتلال صريح مباشر، لا شرعية على الإطلاق يمكن أن تغطيه أو تجمّل قبائحه ومصائبه. ولا أحد من الفرسان الثلاثة نطق بما يمكن أن يفضي إلى حقيقة ساطعة بسيطة، تفيد بأنّ فوارق نسبية فقط تميّز الاحتلالات الإيرانية والروسية والتركية عن الاحتلالَين الأمريكي (في المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وفي منطقة رميلان النفطية، وقاعدة عين العرب/ كوباني…)، والإسرائيلي على امتداد الجولان المحتل.
طراز آخر من الطرافة، السوداء هذه المرّة وغير المعلَنة رغم أنها جلية، هي مقادير التوتر والشحن والتضاد والتجاذب بين الاحتلالات الثلاثة، على أصعدة لا تبدأ من اللوجستيات العسكرية الأبسط ولا تنتهي عند أجندات المصالح الجيو – سياسية والأمنية والاقتصادية الأعقد. وبهذا فإنّ أيّ مستوى متقدّم من تفاهم طهران وموسكو على اعتماد الريال الإيراني والروبل الروسي في التعاملات التجارية والاستثمارية بين البلدين، على حساب الدولار بالطبع؛ لن ينعكس في حال مماثلة من التفاهم حول انتشار القوات الروسية في موازاة انتشار القوات الإيرانية، في هذه أو تلك من بقاع سوريا.
تركيا من جانبها لا تكره إقناع روسيا بأن تغضّ النظر عن عمليتها الوشيكة في الشمال السوري، ولكنّ صمت الكرملين لا يبدّل الكثير في برامج قاعدة حميميم الروسية وجداول قصف إدلب والمناوشات المتفرقة بين الوحدات الروسية المتقاطعة مع مساحات تواجد الاحتلال التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية لأنقرة؛ ولا يغيّر الكثير، أيضاً، في قواعد الاشتباك المستقرة مع ميليشيات موالية لطهران أو تابعة لها مباشرة. اللافت أكثر، لكنه ليس الأشدّ غرابة، أن تواصل القاذفات الإسرائيلية طلعات القصف في العمق السوري، إلى درجة استهداف المفارز الإيرانية المرتبطة بالفرقة الرابعة في قلب دمشق، فلا يُحدث ذلك كلّه أي أثر في قمة طهران الثلاثية.
فإذا وضع المرء جانباً أضاليل بحث الملفّ السوري في قمة طهران الثلاثية، بعد أن يكون المرء ذاته قد أخذ بعين الاعتبار الحصيلة العجفاء الهزيلة لمسار أستانا، منذ إطلاقه مطلع 2017 وحتى الساعة؛ فإنّ الهموم الثنائية أو الثلاثية، منفردة أو مجتمعة، التي جعلت اللقاء ممكناً في الأصل، تبدو أقرب إلى تحصيل حاصل يداني درجة الصفر من حيث البناء على ما سبق القمة، وما سيليها: في الاعتبارات الجيو – سياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية كافة، كما يجوز القول من دون كبير تحفظ.
كلا الدولتين، إيران وروسيا، واقعة تحت عقوبات أمريكية وأوروبية وأممية شديدة الوطأة، ولا منفذ نجاة منها على النحو الجذري الذي يصنع فارقاً عملياً؛ بل تسير الحال من سيء إلى أسوأ مع انصراف الصين والهند عن النفط الإيراني إلى الخام الروسي الأرخص، ومع تعطّل الدور الروسي في مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني. تركيا تستثمر الوقت الضائع، حتى من دون الاضطرار إلى اللعب فيه، إذْ لم تكن بحاجة إلى قمة طهران كي تنجز نصراً دبلوماسياً مشهوداً بصدد الإفراج عن الحبوب والأسمدة الأوكرانية.
وَهَنُ الأضاليل اجتمع، إذن، مع سطوة المساومات؛ فكان طبيعياً ألا تنتهي القمّة إلى ما يتجاوز المزيج الفاسد بين هذه وتلك.
عذراً التعليقات مغلقة