التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر”
أحمد بغدادي
(2)
ضمن الإحصائية التي وضعناها في الجزء الأول من الملف، أشرنا إلى الشيخ “عبد الرحمن الخير” الذي عمل على تشييع بعض الأحياء والقرى العلوية، وخاصةً في “مصياف” التابعة لمحافظة حماة إدارياً عبر ما يسمى “تيار الإحياء الجعفري”، الذي قام بتأسيسه في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وليس من العجب أن نرى تناقضاً بين أفعال وفكر الشيخ عبد الرحمن الذي روّجَ له ووضعه في عدة رسائل ومخطوطات وكتب من أهمّها كتاب ” عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين الجعفريين العلويين” الذي يفنّد من خلاله تاريخ العلويين ومذهبهم والمعتقدات الدينية (النابعة) من الدين الإسلامي (السني) على حدّ قوله، نافياً كلَّ ما يُقال عند العوام على أنّ العلويين الجعفريين لا يمتّون للإسلام بصلة، شارحاً كل مقومات الإسلام عند العلويين والسنة (الأغلبية) بأنها واحدة ابتداءً من الصلاة حتى الزكاة والصيام ..إلخ، لكن بمصطلحلات شيعيّة جعفرية (1)؛ وهنا بيت القصيد! فهل الإسلام جاء مبنيّاً على مصطلحات وتعاريف تتواكب مع “براغماتية” المذاهب الأخرى والفرق المنشقّة عن بعضها ومزاجية الأوصياء عليها؟ فما ذكره أيضاً على سبيل المثال الدكتور “عبد الرحمن الحاج ” ضمن كتابه “البعث الشيعي في سورية 1919 ــ 2007 “بأن الخيّر لم يكن يروّج للتشيّع بين أبناء طائفته، إنما هو كان يقود حركة إصلاحية تتقرّب إلى المذهب الشيعي “لفك عزلة” (2) العلويين وإضفاء شرعية وجود لهم كأقلية أمام أغلبية سنيّة ساحقة، لم يكن صواباً أمام مئات بل آلاف الدراسات والأبحاث والمقالات، التي تثبت أنّ التبشير الشيعي في سورية بدأ باطنيّاً في لبوس دعائي “لمحبة أهل البيت” والتأكيد للناس البسطاء أنّ الشيعة لا يحملون أيَّ عداءٍ لأهل السنة بل على العكس، هم صنوان من مشرب واحد ــ الإسلام ــ مستبعداً الأطماع السياسية والفارق العقائدي الشاسع بين الطرفين.
–
*التواجد الشيعي في دمشق بعد الحكم العثماني
في سورية ضمن المجتمع الدمشقي كان واضحاً نبذ بعض الدمشقيين للسكان الشيعة من حيث “مصطلح التسمية” (المتاولة ــ الأرفاض) “أي أنّهم من الذين يعملون على تأويل نصوص القرآن والسنة بغير تأويل، ويفسرون على عكس مراد اللّه عزَّ وجلَّ قصداً منهم وافتراءً”. كما جاء في تفسير ابن كثير والطبري أيضاً.
قال تعالى ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ “النساء 46”
وهنا نقصد نحن ليس الرفض من قبل أهالي دمشق بمعنى “الكره” لمعتنقي المذهب الشيعي، إنما كانت الحساسية موجودة بين (رؤوس) المذهبين السنّي والشيعي؛ فالشيعة كانوا من نسيج المجتمع الدمشقي وهم ببساطتهم مثل باقي المكوّنات وقتها، إلاّ أنّ انعزالهم وتكتّلهم في مناطق داخل دمشق، أدّى لفتق اجتماعي مع أهل السنّة خاصة، علاوة على باقي المكونات؛ فهم كانوا يفضّلون التواجد في مناطق وأحياء تتّسم بإصالة “شيعيّة” مثل “حي الأمين ـــ الجورة ــ حي جعفر الصادق حالياً ” إضافةً إلى مناطق الأقليات المسيحيّة واليهودية في دمشق القديمة حول الجامع الأموي وهي المهاجرين “حي زين العابدين”؛ كما أنّ كان لهم تواجد داخل غوطة دمشق في قرية “عين ترما ” وقرية راوية (السيدة زينب) .. بعض السكان الشيعية انتقلوا إلى (داخل السور) كحي “القيمرية” وزقاق المحكمة في “الصالحية“، فرغم توزّعهم في هذي القرى والمدن والأحياء، إلا أنّ أعدادهم قليلة مقارنةً أمام باقي الأقليات والأكثرية السنيّة. ومن أشهر العائلات الشيعيّة في دمشق هي “مرتضى، فضة، نظام، لطف، النوري شجاع، الشريف، صندوق، الروماني، الحامض، الشمعة، بختيار، مملوك، الإمام“ تصاهرَ بعضهم مع عائلات سنيّة حيث إنّ الهوة المذهبية لم تكن واسعة من ناحية التعايش في تلك الحقبة، ولم ينجم وقتها مشاحنات عقائدية إلا بعد فترة السبعينات خاصةً بعد اغتصاب “حافظ الأسد” الحكم في سورية ليعمل على بثِّ الطائفية والتفرقة بين مكونات الشعب السوري، ودقّ الأسافين وزرع الفتنة المذهبية التي تعزّزت أيضاً من قبل رجالات البعث وأتباعهم.
–
*الثورة الخمينيّة تدقّ باب دمشق (ولاية الفقيه)
لم يتردّد الخميني بدعم نظام الأسد الدموي ومساعدته على إبادة سكان مدينة حماة السورية في بداية الثمانينيات، لمصالح منها عقائدية، بدايةً في مواجهة المارد (الإخواني السنّي) الذي يهدّد مشاريعه في تصدير ولاية الفقيه إلى سورية، ومن ثم البلدان العربية. وأيضاً، كان بدعمه لقمع الحراك “السني” بُعداً آخرَ يتجسّد بحسب ظنّه أن نظام صدام حسين في العراق، كان يدعم ويُغذّي الحراك الإخواني في سورية مما سينتج عن ذلك إفرازات مذهبية يصطدم بها مشروعه الخبيث في تشييع المنطقة ووضعها تحت (وصاية الولي الفقيه) ودحر البُعد الوهابي المتمثّل بالمملكة العربية السعودية.
فمَ الفرق بين هذين البُعدين؟ إن كان الولي الفقيه يحكم بالدم والغلو والتشريعات القسرية، والوهابية تتّصف بالتزمّت والمحظورات والقمع الأيديولوجي!
الإيرانيون تغلغلوا في الدولة السورية بمساعدة مفاصلها وأعمدتها الأمنية والسياسية مثال: اللواء هشام بختيار “فارسي الأصل” واللواء محمد ناصيف “علوي” واللواء محمد منصورة “علوي”؛ وكانت صلتهم مباشرة مع إيران وقد لعبوا دوراً رئيساً ومؤثّراً في ظاهرة التشيّع داخل سورية، منه منح تراخيص لجمعيات شيعيّة في المدن والقرى السورية، وإعفاء كبار القائمين على التعليم الديني “السني” منهم “عبد الرزاق الحلبي ــ عبد الفتاح البزم ــ الدكتور حسام فرفور ــ سارية الرفاعي ــ عبد السلام راجح ــ صلاح كفتارو“، والسماح ببناء الحوزات والحسينيات في دمشق وضواحيها أيضاً، علاوةً على ذلك، استقطاب الطلبة العرب والأجانب للدراسة في سورية ومنحهم إقامات دائمة مقابل التشيّع مع إغراءات ماديّة كانت تتكفّل بها المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق.
“فالتبشير الشيعي كان يحظى باهتمام محلي وإقليمي ودولي” يُكتب عنه في الصحافة العربية والعالمية التي نوّهت إلى مدى خطورته، وأبعاده السياسية التي تتسربل الدينَ ذريعة لإخفاء الجانب الآخر من مشروع ولاية الفقيه وهو الأكثر فتكاً بالمجتمعات، الذي يتعلّق بتغيير موازين القوى وتطورات المنطقة العربية وخاصةً في سورية، وصولاً إلى التغيير الديموغرافي لخلق توازنٍ استراتيجي جغرافيّ ضمن المجتمعات السنيّة.
إن ما قام به “ضباع” النظام السوري بالتعاون مع إيران وشبكاتها المخابراتية وأذرعها الدينية، كان من شرور الأفعال التي نعاني منها إلى الآن في سورية؛ وذلك، مع تواطؤ وسكوت من قبل قائد المافيا المذهبية “حافظ الأسد” عن أفعالهم وأفعال أخيه “جميل الأسد” الذي دعمته إيران أيضاً دعماً مالياً غير مسبوق ليؤسّس ما تسمى بــ”جمعية المرتضى” عام 1981 التي تدعو إلى “تنصير” أبناء العشائر والقرى والفلاحين في أرياف حماة وبادية حمص ــ اعتناق المذهب النصيري ــ التابع للطائفة الشيعة الجعفرية الإثني عشرية. وغير ذلك من رجالات دين اعتنقوا المذهب الشيعي وأخذوا يضربون بالأرض هنا وهناك للتبشير بالمذهب وإغراء البسطاء من الناس.
أما عن السماح لرجال دين غير سوريين بنشر التشيّع أمثال المدعو ” عبد الحميد المهاجر” ــ عراقي الجنسية ــ الذي نشطَ بشكل علني في سورية ودمشق بالخصوص، سوف نخصّص جزءاً عن نشاطاته ودعوته للتبشير الشيعي مع نظيره “علي البدري ” الذي نشطَ في المحافظات السورية كمدينة “الرقة ــ دير الزور وأريافها ــ الحسكة ــ اللاذقية “.
***
مراجع:
(1) عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين الجعفريين العلويين / عبد الرحمن الخير
(2) كتاب البعث الشيعي في سوريا 1919-2007 / د. عبد الرحمن الحاج
***
نهاية الجزء الثاني
لقراءة الجزء الأول: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [1-5]
يتبع ..
عذراً التعليقات مغلقة