

مع دخول سوريا مرحلة ما بعد التحرير في ديسمبر 2024، تلوح في الأفق فرص جديدة لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، ومع ذلك فإن ضمان نجاح هذه المرحلة يتطلب بيئة تحترم حقوق الجميع، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مستثمرين عائدين من الخارج أو حتى مستثمرين أجانب.
الحادثة كمثال: أثر التجاوزات الفردية على الحالة النفسية والثقة
لنأخذ قصة العائد السوري من أوروبا كمثال توضيحي، هذا الرجل الذي عاد يحدوه الأمل والرغبة في بناء حياة جديدة واستثمار خبراته في وطنه، وجد نفسه فجأة في مواجهة تصرف فردي غير مسؤول من أحد الضباطالعسكريين، حيث تعدى عليه في منشأته، وكشف عن رتبته العسكرية وقال له “أنا ضابط ولاك” مما دفع العائد إلى التخفيف من هذا الضابط بالكلام، ليستشيط الضابط غضباً ويحضر دورية ويعتقل كل المسؤولين عن هذه المنشأة بتهمة “النيل من رتبة عسكرية”، هذا المشهد يعيدنا إلى حيث بدأت كل الثورات، هذا التصرف لم يؤثر فقط على حالة العائد النفسية، بل جعله يشعر بالندم على العودة وبأن الأمان الذي كان يتمتع به في بلاد المهجر قد فُقد، هذا الشعور لا يقتصر عليه وحده، بل يمتد ليصل إلى أي مستثمر أو عائد يفكر في القدوم، مما يهدد بثني الكثيرين عن اتخاذ خطوة مشابهة.
أهمية حماية حقوق المستثمرين
إن حقوق المستثمرين، سواء كانوا سوريين عائدين من الخارج أو أجانب، يجب أن تكون في مقدمة أولويات المسؤولين الأمنيين، هؤلاء الأشخاص لا يجلبون فقط رأس المال، بل أيضاً ينقلون خبراتهم ويساهمون في خلق فرص عمل من شأنها تحريك الاقتصاد المحلي.
ولضمان استمرار تدفق الاستثمارات، يجب أن يشعر المستثمرون بأنهم محميون بالقانون، وأنه لا يمكن لأي جهة أمنية أو فردية أن تتجاوز عليهم أو تتعرض لهم دون مبرر.
حقوق المواطن السوري: نحو مجتمع يحترم كرامة الجميع
وبالمثل، فإن المواطن السوري العادي يجب أن يكون له نصيب من هذه الحماية، لقد عانى السوريون لسنوات من نظام لم يحترم حقوقهم، ومن المهم الآن أن نُعيد الثقة، لنبني مجتمعاً جديداً تكون فيه حقوق الأفراد مصانة، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مستثمرين، وهذا يشمل حقهم في عدم التعرّض للاعتقال التعسفي، وفي التعبير عن آرائهم، وفي أن تتم معاملتهم باحترام وكرامة.
نحو إطار قانوني عادل يحمي الجميع
إن بناء إطار قانوني واضح وشفاف يحمي حقوق الجميع هو الخطوة الأساسية لضمان عدم تكرار تجارب الماضي، هذا يعني أنه يجب تدريب الأجهزة الأمنية على احترام هذا الإطار والتعامل مع المدنيين والمستثمرين ضمنه، يجب أن تكون هناك آليات شكوى فعّالة، وجهات مختصة بالنظر في أي تجاوزات، لضمان أن يشعر كل فرد بالأمان والثقة.
استنتاجات ختامية: بناء سوريا جديدة تحترم الجميع
في الختام، فإن بناء سوريا الجديدة يعتمد على قدرتنا على خلق بيئة تحترم حقوق الأفراد جميعاً، سواء كانوا مواطنين أو مستثمرين، إن تحقيق ذلك لن يعيد الثقة للمستثمرين فحسب، بل سيعيد أيضاً للمواطن السوري إحساسه بالكرامة والأمان.
بهذه الطريقة، يمكننا أن نبني وطناً يكون فيه القانون فوق الجميع، وتكون فيه الحقوق مصانة لكل من يعيش على أرضه أو يساهم في بنائه، ثمَّ إنَّاحترام حقوق المستثمرين—سواء كانوا سوريين عائدين أو أجانب—لا يعني فقط جذب رؤوس الأموال، بل يعني أيضاً بناء الثقة في أن سوريا الجديدة هي مكان يحترم الكرامة الإنسانية ويضمن العدالة للجميع.
في النهاية، ما نسعى إليه هو مجتمع يُحترم فيه المواطن كإنسان أولاً، والمستثمر كشريك في البناء ثانياً، هكذا فقط يمكننا أن نضمن أن سوريا لن تعود أبداً إلى الوراء، بل ستتقدم بثقة نحو مستقبل أكثر أماناً.
* نزار الطويل
باحث في قضايا الأمن والسياسة المجتمعية
متخصص في تحليل السياسات والتحوّلات المجتمعية في سياق ما بعد النزاع، عمل عبر بيئات إنسانية وإدارية متعددة، وركّز في أبحاثه على قضايا الأمن المجتمعي، العدالة الانتقالية، ديناميات المدن المتأثرة بالحرب، وأنماط الاستقرار، والتحوّل السياسي والاجتماعي.





