يتساءل البعض لماذا انتشرت السلفية الوهابية بين الفصائل الثورية انتشار النار في الهشيم؟ لا أعتقد أن مسألة الدعم الخليجي الوهابي للفصائل المنهجية هي تفسير كافٍ لهذه الظاهرة؛ أعداد كبيرة كانت انخرطت في هذه التيارات على حساب الجيش السوري الحر، وأفسر هذا بأنه عزوف عن عقلية إسلامية معينة غالباً ذات توجه صوفي.
القوة السياسية (الإسلامية) التي كانت موجودة في بداية الثورة -شكلياً على الأقل- كانت الإخوان المسلمين، قوة ممنوعة لكنها محدودة مسالمة تتواجد في الخارج ولا تستخدم أية أساليب عنف أو ردع أو تأثير في الواقع السوري.
القوى الموجودة في الداخل والتي كان بإمكانها نظرياً المساهمة في قيادة المجتمع خارج الدولة وخارج حزب البعث كانت الشيوخ، عشرات الآلاف من خريجي الشريعة، لأن هؤلاء تاريخياً وفي غياب قوى فعالة أخرى من المجتمع المدني مثل النقابات والأحزاب السياسية، يتمتعون بنوع من القدرة القيادية أو على الأقل التوجيهية.
لكن الواقع كان غير هذا حيث أن النظام استطاع تخريج جيل من الشيوخ يطبل له في معظمه، عن منفعة أو عن تخاذل. ورؤوس هذه الطبقة من رجال الدين كانوا متواطئين بشكل علني مع النظام ويعطونه تغطية دينية لا يستهان بها. كفتارو والبوطي والحوت وحسون وغيرهم كانوا ركناً أساسياً من أركان النظام الأسدي. وتم تأسيس منظمات تعمل لخدمة النظام، إن كانت مدارس قرآنية أو تنظيم “القبيسيات” الذي يستمر حتى اليوم بتقديم الدعم والدعاية للنظام.
هذا الواقع جعل غالبية الشعب والشباب الطامحين بالتغيير يديرون ظهورهم للشيوخ ورجال الدين المسلمين الذين فقدوا ثقتهم بهم وهكذا ضاعت فرصة خلق جسم قيادي أو على الأقل قدوة لهؤلاء الشبان. وفي الحالة العادية كان تواطؤ بعض الشيوخ مع الحاكم الظالم دعوة إلى التطرف الجهادي.
بعد الثورة انفصل بعض الشيوخ عن النظام وبعض هؤلاء تصدر في مجالس الثورة مثل الشيخ معاذ الخطيب الذي كان خطيبا مشهورا وله برامج تلفزيونية وأصبح رئيسا للائتلاف وشخصية هامة في المعارضة الخارجية. لكن كل مواقفه وتصريحاته بدت وكأنها استمرارية لما سماه البعض بالتيار الشامي الممالئ للنظام إن لم نقل شيئاً آخر.
بعد كل هذه الكوارث والدم والظلم والاغتصاب والتدمير، هل يعقل أن يدعوا البعض إلى التفاوض والتفاهم مع هذا النظام المجرم وأن من يدعون إلى هذا هم من أتباع الطبقة التي تحدثنا عنها؟
درجة رخاوة البعض في التساهل في حقوق الشعب السوري هي دعوة إلى معاداة هذه الطبقة. وهذا العداء قد يأخذ شكلاً متطرفاً ومن المؤكد أنه يساهم في زيادة التفتت داخل ما يمكن تسميتها بالأكثرية السنية ويزيد في ضعف فرص خلق نواة قوة سياسية وطنية ذات وزن سياسي فعال قد تعبر عن طموحات هذه الأكثرية في إطار وطني معتدل.
نسبة مهمة من المتضررين من النظام لا يمكنها أن تقبل التنازلات التي يبدي بعض ممثلي التيار الديني الرخو استعداداً لإهدائها للنظام. إن استخدام المظاهر الدينية كاللحية والخطابة والشخصنة والكلمات المعسولة لتمرير رسائل سياسية مشبوهة هو أيضاً معاداة للحداثة وللديمقراطية لأنه يستخدم المقدس للوصول إلى السلطة وأيضاً لأنه يضع الشخص قبل المؤسسة. وحالة الشيخ معاذ الخطيب الذي حظي بشعبية كبيرة لمظهره الديني بينما هو لا يتمتع بالحد الأدنى من الكفاءة السياسية والعمل المؤسساتي مثال.
أخيرا يمكننا ملاحظة العجز الكامل في تقديم هذه الشخصيات استراتيجية مقنعة لإخراج المحتلين من سورية ويمكن ملاحظة ميولهم نحو إيران وعلاقتهم مع روسيا وحتى مع النظام. مثل محمد حبش الذي كان جزءاً من هذا النظام وزوجته لديها علاقة لم تنقطع معه.
يمكن القول اليوم إن الإسلام الرخو المتراخي في الحقوق والمبادئ الأساسية والداعي إلى مزيد من الخضوع هو متطرف في تنازله ولا يتمتع بشرعية قيمية ويشكل دعوة إلى الإسلام المتشدد المتطرف وإلى العنف وعداء للتطور المطلوب في الدولة السورية، على حساب الأكثرية والوطن.
عذراً التعليقات مغلقة