قراءة في تجربة الشاعر عدنان رضوان
بقلم: سليمان نحيلي
على ضفاف العاصي وُلد.. شربَ من مائه قبل أن يرضع حليب أمه، فظلّ وفيّاً للنهلة الأولى في حياته.. وفي ميماس العاصي وغوطته نشأَ، فعلّمته طيورها روح الأناشيد.
وحمص بالنسبة للشاعر عدنان رضوان ورقة الكتابة، والعاصي هو القصيدة الطويلة التي لا تنتهي ما استمرّ الجريان.. على أشجارها نقشَ اسمه، فرحل عنها مهجراً .. وبقي الاسم.. .ولذلك حمل العاصي معه في قلبه:
واسألي حمص، ليَ أرضي
ولي أشجارٌ فيها باقيةٌ
والعاصي دمٌ في شرياني يجري
ومن قلبي يرفض الرحيلا …
أول مايلفت الإنتباه في نتاج عدنان رضوان الإبداعي هو البساطة والصدق، فلقد ورث عن أهل حمص بساطتهم وطيبتهم، فبالبساطة يواجه تعقيدات الحياة ومطبّاتها، وبالصدق يعيش حياته فيصلُ بسهولة لقلوب الناس، يقول عن نفسه وعن منهجه في الحياة:
أنا إنسانٌ
متعطّشٌ للبساطة
أُسمي سورية فتاة الياسمين
وأعشقها ..
ويقول أيضاً:
بقليلٍ من الصّدق
تستطيعُ امتلاكَ ديموغرافية
القلوب الصّادقة ….
لكنَّ بساطته لا تعني السطحية أبداً، إنما تنطوي على عمقٍ في التفكير، وبعدٍ في الرؤية، يبتعد عن التّكلّف ويصيب جوهر المعنى، ولاتخلو كتابته من طرافة أهل حمص، هاهو يصوّر ذلك الفاسد َ النّاكر للجميل في صورةٍ تكتنز بساطةً غنيةً بالفكر والعمق والطرافة:
كيف للفاسدِ أن يكتب على باب منزله
<هذا من فضل الله > ؟!!
والشيطان شريك له فيه!!!
ويتتبعُ الشاعر روح الشعب، ذلك الشعب السوري العريق لكن المقهور الذي يمسي في وطنه شعباً من الدرجة الرابعة بفعل استبداد الطغاة به وجورهم عليه، ولذلك فهو مؤمنٌ بهذا الشعب وبحسّه العفوي الذي يقوده للمطالبة بالحرية:
إنّ شعبي باتَ من الدرجة الرابعة ..
سوريٌّ أنا
واللسانُ مغلولٌ بأقفال ..
لكنٍ إيمانه بالشعب لايفتر، بالرغم من المرارات والانكسارات التي تجرّعها في سنيِّ القهر، ليظلّ صوت الشعب، صوت الحق جامحاً كالرعد أقوى من صوت الطغاة:
رَزَحَ الشّعب
ولايزال صوتهُ هزيم ..
ولذلك عابَ على متعددي الوجوه وكان وفيّاً لمبادئه ولحلم شعبه، لم يتقلّب مع المتقلّبين، ولم يتلوّن مع المتلوّنين تبعاً لتغيّر الظروف وموازين القوى، يقول وفيّاً لبساطته وجماله ومبادئه:
هما الأبيض والأسود
ليتهما في عصرنا فقط
لأننا بتنا نرى تقلّب الوجوه
بعدد ألوان الطيف…
ولأنه من صميم الشعب ذي الدرجة الرابعة، فهو صبورٌ على كل ألوان البطش والقمع التي يصلاها مع شعبه في مسيرته المريرة لنيل الحرية، لايفقد الأمل ولو كان عبر خرم إبره ،يقول:
سأبحث عن الأمل
في خرم إبرة …
ولطالما آلمته الفتنة التي أشعلها أعداء الحرية، الذين حرفوا مسار ثورة الشعب السوري الذي كانت حناجره تصدح في الساحات عاليا (الشعب السوري واحد)، إلى مسارات أخرى طائفية مما أدى إلى اندلاع نار الحرب بين أبناء الشعب الواحد:
البغضاء سادت
وخفافيش الليل ِعادت
هي حربٌ تقودها الطائفية
والطرقات تلتهمها النيران ..
ويعتمد عدنان في أحيانٍ كثيرة لإيصال مضامينه الشعرية على أسلوب الومضة الشعرية بماتحمله من اختزالٍ للمفردات، وتكثيفٍ عميقٍ للمعنى مع جذوة الادهاش وقد نجح في ذلك بشكلٍ لافت، يقول:
المناظرةُ التي لا أُفلخُ بها
عندما .. تحاورني عيناك..
وكذلك في هذه الومضة الشعرية المبنية على التقاطة ذكية من أجل إظهار الفارق الشاسع في المعنى للفظة (طلقة)، فواحدة منهما تفضي إلى الحياة والثانية إلى الموت :
طلقتان متناقضتان تماماً في هذه الدنيا
طلقةُ الأم التي تلد
وطلقة البندقية ..
كما لايلبث ينثر بعض الشذرات الفلسفية في أشعاره، التي استقاها من الحياة فتأتي على شكل حِكَم وأقوال مأثورة لاتخلو من عمقٍ ودهشة:
التاريخُ نسيان
والنسيان بحدٍ ذاته تاريخ …
ويبرع الشاعر في استخدام تقنية تشبيه صورة بصورة:
إن رأيتَ بقعة على قميصكَ
حتماً ستزعجكَ
أَما فكرتَ للحظةٍ أنْ تتفحّص مافي داخلكَ ؟
ربما ستجدُ آلاف البقع التي ستزعج الآخرين..
ومن الأغراض الشعرية التي تناولها في ديوانه حروف من الشرق، هو حنينه للشرق، لبلده وبيئته وعاصيه وأمه التي أجبره الطغاة على تركها.
ها هو وقد طال به الغياب في منفاه البعيد .. البعيد في الولايات المتحدة الأمريكية، وأتعبه الشوق لأمه يقلّب أوراق التقويم، تقويم المنفى البارد ويقول:
تعبتُ وأنا أُقلّبُ أوراق التقويم
بلا مكانٍ ولاعنوانٍ
أُسابقُ اللحظات
وأشتاقُ لأُمي..
أَحيكي من شراييني معطفاً
ليقيكِ من البردِ يا أُمي ..
وفي المنفى تهيج ُبه الذكرى، وتفوق آلام الغربة وأوجاع الحنين آلام مرضه الذي يصارعه بالإرادة والكتابة والأمل وذكرياته البعيدة هناك في الوطن، حتى تراه يبتكر الأمل وهو في حمأة المرض:
وأما أنا
فقد عاثني السّقمُ سياطاً
والمرضُ غيّر ملامحي
لكنّ أملي بالله كبير…
إلى أن يهمس كمن وجد َ سلواه:
ولنا في الذاكرة
أسطول ذكريات ..
ويوصي في نهاية ديوانه أن تُدفنَ أوراق شعره إلى جواره في مأواه الأخير، تلك الأوراق التي كتب عليها مأساة شعبه، ومأساته، لكي تكون عنواناً له حيث لاعنوان للغرباء، وشاهداً أنه مات غريباً بعيداً عن وطنه بلا عنوان:
دثّروا جوار نعشي أوراقي الملساءَ
التي خُطّتْ عليها قصة مهجّرٍ
عاثهُ عنوان …
الشاعر عدنان رضوان في سطور:
- وُلد الشاعرالسوري عدنان كمال رضوان في حي باب تدمر أحد أحياء حمص القديمة عام 1982.
- نشأَ في بيئة تحب الثقافة، ولكن الظروف لم تتح له متابعة تحصيله الجامعي، فدأبَ على تثقيف ذاته ونهل من كتب الأدب والتراث.
- لجأَ إلى الأردن هرباً من الحرب، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصدر هناك ديوانه الشعري الوحيد بعنوان (حروف من الشرق) في العام 2017 باللغتين العربية والانكليزية، وله في القصة مجموعة بعنوان (شبح الأمراض النادرة وإفلاس الأطباء) التي يحكي فيها قصة مرضه، وقد ترجمت للانكليزية.
- مُنح في عام2017 درجة الدكتوراة الفخرية من الاتحاد العام للمثقفين والأدباء العرب، وكذلك من المركز الثقافي الألماني.
عذراً التعليقات مغلقة