مجدداً تطفو إلى السطح اتفاقية أضنة التي وقعت عليها سوريا مع تركيا في عهد حافظ الأسد عام 1998، إثر خلاف بين بوتين وأردوغان بخصوص رغبة تركيا في التوغل في منطقة “شرق الفرات”، لأهداف تنسبها إلى أمان تركيا وحفظ حدودها؛ حيث أعاد أردوغان التذكير بالاتفاقية بعد رفض روسيا دخول تركيا الأراضي السورية.
ومن دون شك، فإن الرفض الروسي ليس نابعاً من الحرص على الأراضي السورية، بقدر ما هو حرص على مصالح موسكو العسكرية والاستعمارية، ورغبتها في عدم وقوع نزاع جديد مع دولة أخرى، خاصة بعد نزاعها المعروف غير المعلن مع إيران.
ما هي اتفاقية أضنة
بقيت اتفاقية أضنة غير معروفة للسوريين في ذلك الوقت، وكانت شبه سرية إذ لم يتم الإعلان عنها ولم تتداولها وسائل الإعلام إلا نادراً، حيث كان الشعب السوري لا يعرف الأخبار إلا من خلال وسائل إعلام “الممانعة”، ما عدا بعض الأقلام السورية الخارجية التي صوتها بالكاد يصل.
كانت الاتفاقية مذلة للأسد الأب بكل ما تحمل في بنودها، حيث أذعن الطرف السوري دون وجود أي نقطة إيجابية في مصلحة السوريين، ولم يكن في إمكان الأسد العجوز حينها إلا الرضوخ تحت تهديد احتلال تركي للشمال السوري، بما فيه حلب، ومن بين البنود التي باتت حالياً متاحة لكل من يود الإطلاع عليها وعلى ملحقاتها؛ بند يتعلق بالتخلي عن لواء اسكندرون، وجاء في الاتفاقية:”اعتبارا من الآن يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية وأن أياً منهما ليس له مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر”.
بعد فضح الاتفاقية وبنودها وتخلي النظام مجاناً عن الأرض بسبب حماقاته السياسية من خلال دعم الإرهاب، أطل السفير السوري في تركيا مصرحاً عن اعترافه بالاتفاقية وبنودها بشكل غير معلن، حيث أدلى بما يفيد أن وجود أي اتفاقية لا يمنع سوريا من المطالبة باللواء، وأضاف تهرباً من الموضوع أن هذه القضية غير مطروحة للنقاش، وترفضه القيادات السورية السابقة واللاحقة، مع أن السفير يعلم جيداً أن من واجبه احترام الاتفاقيات الدولية.
يكذب مسؤولو النظام ويتحايلون، وفي النهاية لا بد من الاعتراف أن النظام يتلاعب بالأرض السورية والأمان السوري عبر أوراق سياسية رعناء، فيدعم الإرهاب، ويسمح بإقامة معسكرات تدريبية على أراضيه مقامراً في الساحة السياسية، لكن النتيجة كانت خسارة تلو خسارة لأن اللاعب متهور، فرط بمال الشعب السوري وأرضه ومائه وثرواته مقابل تحالفات خلبية، حتى قاد البلاد إلى الحرب والعقوبات والتجويع وخسارة الأرض والبشر والكراهية المخيفة بين أبناء الشعب الواحد.
أما اعتراف “نجدت أنزور”، النائب البرلماني عن دائرة الفنتازيا السورية أن “عرض روسيا لإعادة تفعيل اتفاق أضنة يأتي من منطلق أن ضرراً أصغر يقوم بدفع ضرر أكبر”، لا يؤكد إلا أن الخسارة الجزئية في الاتفاق أفضل من خسارة كبرى، وفي ذلك تأكيد كبير على أننا أمام توغل وشيك لتركيا في الأراضي السورية، ولذلك يريد النظام تفعيل الاتفاقي، بغية إيقاف الأتراك مدعماً من روسيا، ثم يظهر “شريف شحادة” داعماً للحديث، رغم أنهما يعلمان جيداً كما يعلم كل أعضاء مجلس الشعب أن هذه الاتفاقية مخالفة للدستور لأنها لم تمر ولم تعرض على مجلس الشعب بتاتاً، وهذا مخالف للقوانين السورية.
أعاد النظام الخارطة القديمة للمناهج السورية المدرسية هذا العام المتضمنة ضم اللواء بعد أن حذفها في أعوام سابقة، ولا ضير لديه من أن يتكبد ملايين الليرات، من أجل تسجيل موقف سياسي فقط..
تنص الاتفاقية على:
1- إن سوريا، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا. كما ولن تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها.
2- لقد صنفت سوريا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. كما حظرت أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها، إلى جانب منظمات إرهابية أخرى.
3- لن تسمح سوريا لحزب العمال الكردستاني بإنشاء مخيمات أو مرافق أخرى لغايات التدريب والمأوى أو ممارسة أنشطة تجارية على أراضيها.
4- لن تسمح سوريا لأعضاء حزب العمال الكردستاني باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة.
5- ستتخذ سوريا الإجراءات اللازمة كافة لمنع قادة حزب العمال الكردستاني الإرهابي من دخول الأراضي السورية، وستوجه سلطاتها على النقاط الحدودية إلى تنفيذ هذه الإجراءات.
كما اتفق الجانبان على وضع آليات معينة لتنفيذ الإجراءات المشار إليها أعلاه بفاعلية وشفافية.
وفي هذا السياق:
أ- إقامة وتشغيل خط اتصال هاتفي مباشر فوراً بين السلطات الأمنية العليا لدى البلدين.
ب- سيقوم الطرفان بتعيين ممثلين خاصين (أمنيين) في بعثتيهما الديبلوماسيتين، وسيتم تقديم هذين الممثلين إلى سلطات البلد المضيف من قبل رؤساء البعثة.
ج- في سياق مكافحة الإرهاب، اقترح الجانب التركي على الجانب السوري إنشاء نظام من شأنه تمكين المراقبة الأمنية من تحسين إجراءاتها وفاعليتها، وذكر الجانب السوري أنه سيقدم الاقتراح إلى سلطاته للحصول على موافقة، وسيقوم بالرد في أقرب وقت ممكن.
د- اتفق الجانبان، التركي والسوري، ويتوقف ذلك على الحصول على موافقة لبنان، على تولي قضية مكافحة حزب العمال الكردستاني الإرهابي في إطار ثلاثي [أخذاً بعين الاعتبار أن الجيش السوري كان حتى ذلك الوقت ينتشر في لبنان، وكان حزب العمال يقيم معسكرات في منطقة البقاع اللبناني الخاضعة لنفوذ الجيش السوري].
هـ- يلزم الجانب السوري نفسه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ النقاط المذكورة في “محضر الإجتماع” هذا، وتحقيق نتائج ملموسة.
الملحق رقم (2) مطالب تركيا المحددة من سوريا:
من أجل تطبيع علاقاتنا، نتوقع من سوريا الإلتزام بالقواعد والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. وفي هذا الصدد، ينبغي تحقيق المطالب المحددة التالية:
1- نظرا لحقيقة أن العلاقات التركية السورية كانت قد تضررت بشكل جدي بسبب الدعم السوري للإرهاب، نريد من سوريا القبول رسميا بالتزاماتها والتخلي عن موقفها السابق بشأن هذه المسألة. ويجب أن تشمل هذه الالتزامات تعهداً رسمياً بعدم منح الإرهابيين الدعم، أو الملاذ أوالمساعدة المالية. وينبغي أيضا على سوريا محاكمة مجرمي حزب العمال الكردستاني وتسليمهم إلى تركيا، بما في ذلك زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان ومعاونوه (كانت سوريا أبعدت أوجلان قبل توجه عدنان بدر حسن إلى تركيا، وقد تلقت السلطات التركية إشعاراً من موسكو بوصوله فعلا إلى أراضيها).
2ـ في هذا الإطار، يجب على سوريا:
ـ ألا تسمح لمخيمات تدريب الإرهابيين بالعمل على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
ـ ألا تزود حزب العمال الكردستاني بالأسلحة والمواد اللوجستية.
ـ ألا تزود أعضاء حزب العمال الكردستاني بوثائق هوية مزورة.
ـ ألا تساعد الإرهابيين على الدخول القانوني والتسلل إلى تركيا.
ـ ألا ترخص الأنشطة الترويجية [ الدعائية] للمنظمة الإرهابية [ المذكورة].
ـ ألا تسمح لأعضاء حزب العمال الكردستاني بإنشاء وتشغيل مقرات على أراضيها.
ـ ألا تسهل عبور الإرهابيين من دول ثالثة (أوروبا، اليونان، قبرص الجنوبية، إيران، ليبيا، أرمينيا) إلى شمال العراق وتركيا.
3ـ التعاون في جميع الأنشطة الرامية إلى مكافحة الإرهاب.
4ـ الامتناع عن تحريض البلدان الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية ضد تركيا.
5ـ في ضوء ما سبق، وما لم توقف سوريا هذه الأعمال فوراً، مع كل العواقب، تحتفظ تركيا بحقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وتحت كل الظروف للمطالبة بتعويض عادل عن الخسائر في الأرواح والممتلكات.
الملحق رقم 3:
اعتبارا من الآن، يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أياً منهما ليس له أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.
الملحق رقم 4:
يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة في داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.
الشعب السوري والاتفاقية
لا بد من أن نسأل أنفسنا عن سبب تمرير هذه الاتفاقية من دون علم الشعب السوري، ورغم أنه لم تكن هنالك قنوات وإعلام وشبكات تواصل اجتماعي في عام 1998، ولم يكن الشعب يملك الجرأة ليسأل ويقرأ ويستدل على الحقيقة بسبب الانغلاق الفكري والاجتماعي والإعلامي ونظرية الحكم الواحد والحزب الواحد، إلا أننا لا نستطيع أن نرى الأمر إلا تقصيراً من الدولة وإصراراً على إخفاء الأمر والتعتيم عليه، لكن ماذا عن الآن، بعد هذا التطور التكنولوجي والانفتاح الإعلامي، المرئي والورقي والإلكتروني، ونشر بنود الاتفاقية لتكون متاحة للجميع.
ما زالت تلك الفئة الصامتة على هذه الانتهاكات لا تنفك تتكلم عن القومية العربية والعروبة ووحدة الأرض السورية وممانعة الشعب وحكمة القيادة في إدارة الأزمات، مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي لم ينفك يذكرنا باللواء المسلوب.
لقد أصبحت الحقيقة واضحة كالشمس، لكن قلة قليلة فقط خارج سوريا يتكلمون ويحمّلون النظام السوري مسؤولية التفريط بأرض سوريا، لكن على ما يبدو أن سياسة القطيع توقف عمل العقل السوري الموالي، ليفرغ نفسه للاحتفال بالنصر المزعوم.
قانونية الاتفاقيات الدولية السرية
ينصّ الدستور السوري على قيام مجلس الشعب بإقرار المعاهدات الدولية التي تعتبر الدولة طرفًا فيها، ففي حين تبرم السلطة التنفيذية، ممثلة برئيس الدولة، معاهدة، يكون من حق السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس الشعب، التصديق على المعاهدة أو فسخها، ويتطلب إصدار مرسوم تشريعي بإبرام المعاهدة، عرضه على المجلس وأخذ الموافقة بنسبة تفوق الثلثين.
لكن مجلس الشعب لا سلطة له على أغلب الاتفاقيات الدولية التي تعقدها الحكومة في سوريا، وفي حال علم أعضاؤه باتفاقية ما، لن يجرؤوا على الإدلاء بآرائهم.
ولايجوز مطلقاً تحت أي ظرف أن يكون هنالك اتفاقيات سرية، حيث أن ذلك مخالف للدستور، لكن وجود نظام مستبد ومجلس شعب غير جدير بالثقة يؤدي إلى توالي الخسارات.
ومع أن للسلطة التشريعية لعبت دوراً هاماً في التاريخ السوري قبل أ يصل الحكم إلى الأسد الأب، فق أصبح المجلس مثاراً للسخرية حتى من الموالين.
أهم ما صادقت عليه السلطة التشريعية قبل وصول آل الأسد للسلطة:
– رفض المؤتمر السوري العام اتفاق فيصل كليمنصو عام 1920 بعد مشادات حادة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية واتهامها بالتعدي على صلاحياتها.
– معاهدة الاستقلال عام 1936 التي رفضت فرنسا التصديق عليها، وميثاق جامعة الدول العربية عام 1945، وميثاق الأمم المتحدة في العام نفسه.
– اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر عام 1955.
مع العلم أن فرنسا إبان انتدابها على سوريا لم تقبل بالتخلي عن اللواء، لأنها اعتبرت ذلك تمزيقاً للأراضي السورية وخروجاً عن شروط الانتداب التي لا تسمح لها بمنح دولة أخرى أراضي الدولة المنتدبة عليها.
ماذا عن باقي الاتفاقيات
إذا كان اتفاق أضنة قد خرج إلى النور وعرف الجميع فحواه، وأصبح واضحاً كيف تنازل فيها النظام عن الأرض السورية لمصلحة تركيا، وكيف كانت ذلك اتفاق اذعان لم يمنح سوريا أي بند لصالحها، السؤال فلا بد من السؤال عن الاتفاق الذي فرطت عبره الحكومة بالجولان.
والآن بعد مرور ثمان سنوات على الدمار السوري المرعب،وبعد أن انضمت روسيا وإيران بشكل أساسي إلى تجربة كل أسلحتها على أرضنا، وبعد أن باع الأسد الأب الجولان ولواء اسكندرون وفرط بحقوق شعبه، هل سيفاجئنا الأسد الابن ببيع أراض ونقل ملكيتها إلى دول أخرى ثمناً لبقائه في كرسي السلطة أطول فترة ممكنة؟
عذراً التعليقات مغلقة