تجمع الفاعلين في شرق الفُرات

أحمد حاجي6 فبراير 2019آخر تحديث :
تجمع الفاعلين في شرق الفُرات

كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار سحب قوات بلاده من سوريا، بعد اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، حدثاً مفاجئاً بخصوص إمكان حصول اتفاقٍ أشبه بصفقة أمريكية – تركية حول مستقبل منطقة شرق الفرات.

فعلى الرغم من التضارب وحملة الاستقالات في صفوف الإدارة الأمريكية، ابتداءً من وزير الدفاع، “جيمس ماتيس”، وإنتهاءً بـ”بريت ماكغورك”، ممثل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه قرار أمريكيٌ بامتياز، ومتناغم مع استراتيجية الانسحاب وتخفيف الوجود في الشرق الأوسط للتركيز على المارد الصيني، وهي سياسة معلنة منذ عهد أوباما، كما أنه يتوافق مع وعود ترامب الانتخابية.

وبعد أن تأكّد، ولو بشكلٍ نسبيٍ، خبر الانسحاب، وأصبح أمراً واقعاً وقراراً رئاسياً صدر عن الإدارة الأمريكية، كما بيّنا سبب إعلانه، استعدت عديد من الدول الفاعلة، سواءً بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، للحصول على موضع قدم في مكان الفراغ الأمريكي.

بالنسبة إلى تركيا، فإنها ترى نفسها الأحق بملء ذلك الفراغ، لأنها ترى في قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكّل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري، امتداداً لتنظيم حزب العمال الكردستاني المُصنف عندها على قوائم الإرهاب، وعليه، فإنها تضغط على موسكو وواشنطن للحصول على أكبر قدرٍ من المساحة الجغرافية لتضمها إلى نفوذها في الشمال السوري، وتقوية ورقتها على طاولة المفاوضات المستقبلية في أثناء الذهاب إلى مناقشة الحل السياسي من خلال منطقة آمنة تكون تحت إشرافها المباشر.

لكن بعد أن رأت أنقرة أن أمريكا تماطل وتراوغ في التفاهم حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات، سارع الرئيس التركي إلى الاتصال بروسيا ومحاولة التفاهم معها، من خلال القيام بزيارة رسمية إلى العاصمة موسكو، حيث أعيد في أثناء تلك الزيارة اتفاق أضنة إلى الواجهة من جانب روسيا كبديل عن المنطقة الآمنة.

كان الهدف من ذهاب أردوغان إلى موسكو واجتماعه بالرئيس الروسي بوتين، والحديث عن تحريك اتفاق أضنة بين تركيا وروسيا، هو تذكير واشنطن بوجود بدائل أمامهما إذا ما ماطلت في تنفيذ قرار الانسحاب، وبالتالي إحراق ورقة اللاعب المحلي “قسد” عبر أكثر من مناورة.

بالنسبة إلى أمريكا، فإنها تُريد إرضاء جميع حلفائها في المنطقة، وبالتالي منع تركيا من اجتياح شامل، والاكتفاء بتبديد مخاوفها من خلال إشراك قوات عربية محلية بدعمٍ خليجي، وأخرى كردية متمثلة بالبشمركة في روج آفا التابعة للمجلس الوطني الكردي، مع إخراج قيادات وكوادر حزب العمال الكردستاني من المنطقة، وبالتالي تشكيل إدارة جديدة مختلطة من العرب والكرد، غير خطرة فكرياً وسياسياً على حكومة أنقرة.

في طبيعة الحال، أمام أنقرة ثلاثةُ خيارات، الأول هو التحرك مع الولايات المتحدة الأمريكية وتشكيل المنطقة الآمنة، والثاني القبول بالاتفاق الروسي لتفعيل اتفاق أضنة، أما الثالث فهو أن تقيم بنفسها منطقة تتحرك فيها وتتحمل تكاليف نتائجها.

التحرك مع الروس وفق اتفاق أضنة يعني الدخول إلى عمق 5 كيلومترات، والعودة إلى التنسيق مع النظام السوري سياسياً وعسكرياً لإنهاء قوات “قسد”، وبالتالي العودة إلى ما قبل عام 2011، والتراجع عن المبادئ التركية في الدفاع واحتضان القوات المعارضة لنظام الحكم في دمشق.

يبدو أن تركيا تقف عاجزة عن التصرُّف وحيدة، لأنها إن تدخلت بشكلٍ منفرد فإن ذلك سيعود عليها بعواقب غير محمودة على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، بعد الهزات الأخيرة التي تعرضت لها جراء العقوبات الأمريكية على اقتصادها، بعد حادثة القس “أندرو برونسون”، وبالتالي، فإنَّ الوارد وِفق المُعطيات آنفة الذكر هو إمكان وجود تحرك تركي- أمريكي مُستقبلي منسّق، يُرضي الطرفين كحل وسطي، تكون فيه أنقرة وواشنطن الفائزتين معاً على الأرض ضد أي تحركٍ روسي – إيراني يدفع دمشق إلى العودة للسيطرة على الفراغ التي ستتركه القوات الأمريكية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل