هناك قامتان وطنيتان سوريتان تحظيان باحترام كبير في الأوساط السورية وتجمعهما عدة صفات مشتركة رغم أنهما ينتميان إلى إيديوليجيتين متناقضتين؛ الإخواني عصام العطار والشيوعي رياض الترك.
وإذا كان الإثنان اليوم مسنّين وضعيفي الجسد إلا أنهما يحظيان بقوة ونفوذ في تياراتهما الفكرية والتنظيمية وكلاهما انشق عن حزبه واتخذ اتجاهاً مختلفاً عنه. وقد كان حافظ الأسد وضع رياض الترك في السجن غاضباً من رفضه الإنصياع وراء الإملاءات الأسدية وعقاباً له على توجهاته الوطنية والعربية والديمقراطية وعلى مواقفه الحرة التي لم ترض عنها الفصائل الشيوعية الأخرى خاصة البكداشية.
أما عصام العطار فقد غادر سوريا منذ الستينات مختلفاً مع النظام البعثي الإنقلابي وأيضا متبنياً مواقف لا تتطابق مع الفصيل الآخر لجماعة الإخوان المسلمين وكان دائما ذو نشاطات وقرارات مختلفة عن تلك التي عند الإخوان، التيار الآخر.
وبعد الثورة كان لتيار الترك مشاركة في الحراك السياسي الخارجي وكان الترك له كلمة وتأثير خاصة من خلال شخصيات قيادية من حزبه مثل جورج صبرا.
أما عصام العطار فكان له دور رمزي مؤكد حيث زاره في ألمانيا عدد كبير من كل المعارضين من التيارات المتعددة واستمعوا لآرائه. ولا يظهر جهاز تنظيمي واضح يتبع له لكن من المؤكد أنه يلقى تعاطفاً عند ناشطين كثيرين من الإخوان وخاصة عند بعض الممتعضين من سياسات القيادات المتنفذة في الجماعة، وحسب استنتاجي هناك تواصل بينه وبين بعض الإسلاميين في الإئتلاف وفي الحكومة المؤقتة. وباعتقادي فإن التيار الدمشقي الإسلامي المرن أو المعتدل كان من الممكن أن يجد في العطار قائدا.
وإذا كان عصام العطار لا يشكل منافساً فعلياً لقيادات الإخوان الموجودين في إستانبول، ليس فقط بسبب سنه ومرضه وإنما أيضاً بسبب غياب الاستمرارية في القيادة الوريثة والمنظمة. وإعلانه الأخير داعياً لأسماء الأسد بالشفاء يدل على انقطاعه عن القاعدة الشعبية التي قد تكون حاضنة لتياره. كل هذا يدل على أن الرمزية ليست كافية لكي يكون له أي دور فعال في السياسة السورية.
أما رياض الترك الذي رفع صوته أيام حافظ وأيام بشار ووصف سوريا بمملكة الصمت غادر سوريا مؤخراً بعد صبر وعناء صامداً حتى آخر لحظة، فقد أجري له حفل تكريم سوري في باريس حيث تم عرض تاريخه النضالي الوطني وتضحياته خاصة في السجن، لكن هذا التكريم لم يلق الصدى الوطني الكافي.
صحيح أن الشيوعيين لم يكن لهم يوماً شعبية كبيرة في سوريا وليس متوقعاً أن يصبح الشيوعيون قوة رئيسية في سورية، لكن ما يلفت الانتباه أن الشيوعيين أنفسهم، أو جزء هام منهم، لم يغفروا للترك تعاونه مع الإخوان المسلمين وأن هناك خطر احتمال أن يتم تقليص دوره إلى نقد الإسلاميين بدل أن يصبح رمزاً وطنياً جامعاً. الانقسامات والانتماءات الطائفية لن تساعد في تصليح الوضع.
Sorry Comments are closed