أحمد زكريا- حرية برس:
لم تكد تمضي عدة أيام على إعلان هيئة تحرير الشام، في أوائل الشهر الحالي، بسط سيطرتها على كامل منطقة إدلب ومناطق من ريفي حلب وحماة، عقب مواجهات مع فصائل الجبهة الوطنية التابعة للجيش الحر، حتى بدأت تبعات ذلك تطفو على سطح الأحداث في الشمال السوري، من خلال تعليق عدد من المنظمات دعمها لمديريات الصحة في عموم الشمال السوري.
وأكدت مصادر في مديريات الصحة الحرّة في إدلب وحلب وحماة، صحة الأنباء التي تتحدث عن قطع بعض المنظمات والجهات المانحة الدعم عن المنشآت الطبية التابعة لتلك المديريات، والمتوزعة في عدد من المدن والبلدات شمالي سوريا.
وأعربت المصادر ذاتها عن مخاوفها من استمرار تعليق الدعم أو إيقافه بشكل نهائي، ما قد ينذر بكارثة إنسانية وطبية تهدد حياة ألاف المرضى الذين يستفيدون من خدمات تلك المراكز والمشافي والنقاط الطبية التابعة لمديريات الصحة الحرّة في المناطق المحررة.
التحول إلى العمل التطوعي
وبسبب هذا القرار المفاجئ، وفق ما وصفته مصادر طبية، أوعزت مديريات الصحة الحرّة في حماة وإدلب وحلب، عبر كتب رسمية صادرة عنها، إلى الكوادر العاملة معها كافة في منشأتها الطبية، أن العمل بات تطوعياً، ولا يترتب على تلك المديريات أي التزامات مالية.
وأوضح “مصطفى العيدو”، معاون مدير الصحة في ادلب، لحرية برس، أنه تقرر تعليق العمل في مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها اعتباراً من 1/1/2019، مرجعاً السبب إلى التطورات الميدانية الأخيرة في الشمال المحرر، التي أدت بدورها إلى تعليق دعم المانحين.
وتحدث “العيدو” عن انعكاسات تعليق الدعم، مشيراً إلى أنها تنقسم إلى نوعين؛ فمن جهة ينعكس الأمر على المرضى، حيث تمتلك مديرية الصحة منشآت تخدم نحو 80 ألف مستفيد أو مريض، ويقارب عدد المنشآت المدعومة من مديرية الصحة 33 منشأة، ما بين “مشاف ومراكز صحية وطبقي محوري، ومركز سل، ومراكز علاج فيزيائي، ومراكز غسيل كلية، ومراكز رعاية صحية أولية، وعيادات سنية، ومراكز علاج فيزيائي”.
ومن جهة أخرى، ينعكس الأمر، بحسب المصدر ذاته، على الكادر الإداري الذي يمثل الجسم الرئيس في قيادة القطاع الطبي وتوزيع الخدمات بشكل عادل، واتخاذ القرارات المناسبة والمركزية في القطاع الصحي.
وفيما يخص الخطط الموضوعة أمام مديريات الصحة الحرّة، قال العيدو: “بداية أعلنّا عن العمل التطوعي في كل من جسم مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها، والخطة الثانية هي البدء بحملة مناصرة، بمشاركة المنظمات المحلية والدولية والمنشآت والكوادر الإدارية والأصدقاء في الخارج، لإعادة الدعم للمديرية والمنشآت التابعة لها.
وأعرب العيدو عن أمله في أن يتجاوز القطاع الطبي هذه الصعوبات في الشمال السوري، وقال: “هذه ليست المرة الأولى التي يُعَلَّق فيها الدعم، فقد حدث ذلك أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الدعم يُستَأنف ونستطيع تجاوز الأزمة، ونأمل أن نتجاوز هذه الأزمة من جديد، كي تبقى مديرية الصحة ومنشآتها رائدة في قيادة القطاع الطبي.
أمل بعودة دعم القطاع الطبي
وطالب عدد من المشافي التابعة إدارياً لمديرية صحة إدلب الحرة، في بيان لها، كافة الجهات الدولية والمحلية تحييد القطاع الطبي الذي يخدم حوالي 3 ملايين نسمة ونصف في محافظة إدلب، ثلثهم من الأطفال، والحفاظ على مكتسباته، بعيداً عن أي تجاذبات سياسية أو عسكرية تحصل على الأرض.
وأوضح “صفوت شيخو”، مدير مكتب مدير الصحة في إدلب، لحرية برس، التطورات المتعلقة بإيقاف بعض المنظمات المانحة دعمها للقطاع الطبي وقال: “بُلِّغنا رسمياً بتعليق العمل بشكل مؤقت حتى اشعار آخر، ولا نعرف هل ينتهي التعليق قريباً أم يطول الأمر”.
وأضاف، أن أسباب هذا التعليق تعود إلى عمل دراسة جديدة حول وضع السلطات المحلية، وآلية تقديم الدعم المالي للخدمات الإنسانية، من دون أن يعد الأمر تمويلاً للإرهاب.
وأكد شيخو أن إيقاف الدعم له أثره على الأرض، وتابع بالقول: “نحن مؤسسة وطنية، ولسنا منظمة غير حكومية، كنا نعمل قبل وجود داعم مالي وسنبقى نعمل بدونه، ولدينا خططنا في حال غياب الدعم، ونؤكد أننا لسنا منظمة غير ربحية تنهار بانهيار الدعم المالي”.
وأشار “شيخو” إلى أن هناك عدة حلول وبدائل في حال عدم عودة المنحة المالية أو تأخر عودتها، ومنها تحويل بعض الخدمات من مجانية بشكل كامل إلى مأجورة تغطي الكلفة التشغيلية للمنشأة، أي تحويل المشفى من مجاني إلى مشفى خيري (كلفة رمزية)، طبعاً مع الحفاظ على الخدمات الأساسية لإنقاذ الحياة بشكل عادل وضمن توزيع جغرافي يلبي احتياج المواطنين الذين لا يملكون ثمن العلاج، كما أن هناك حلولاً أخرى لكنها مؤقتة، وتحتاج إلى تضافر قطاعات أخرى غير قطاع الصحة، وفق تعبيره.
وأعرب “شيخو” عن أمله في استئناف دعم القطاع الطبي في الشمال السوري وقال: “أعلنا عن العمل التطوعي ولدينا أمل بعدم تأخر عودة الدعم المالي، كما لدينا ثقة كبيرة في الكوادر الموجودة، حيث أن هذه تعتبر المرة الثالثة التي يتوقف فيها الدعم المالي”.
150 ألف نسمة في الريف الحموي سوف تتضرر
ويقدر عدد النقاط والمشافي والمراكز الطبية التي تم تعليق الدعم المقدم إليها حوالي 9 منشآت طبية في عموم الريف الحموي، تقدم خدماتها الطبية لمئات المستفيدين من المرضى بحسب مديرية صحة حماة الحرّة، في حين يبلغ عدد المشافي في ريفي حلب الغربي والجنوبي 11 مشفى يعمل فيها نحو 453 عاملاً، وتقدم هذه المشافي خدماتها إلى نحو 49814 مستفيداً، بحسب صحة حلب الحرّة.
وقال الدكتور “أيهم السلوم”، مسؤول الرعاية الصحية الأولية في صحة حماه الحرّة، لحرية برس: “تم ابلاغنا في تاريخ 15 /1/2019 بتعليق العمل مع إحدى المنظمات الداعمة، ويشمل التعليق مديرية الصحة والمنشآت التابعة لها، ولا نعرف إلى متى سوف يستمر ذلك وقد يستأنف العمل أو يتوقف بشكل دائم مع المنحة”.
وأشار “السلوم” إلى الأثار السلبية المترتبة على تعليق الدعم أو توقفه بشكل دائم وقال: “إن الأثر سيكون سلبياً جداً، حيث أن أكثر من 60% إلى 70% من منشآت الرعاية الأولية تتبع لمديرية صحة حماة المدعومة من إحدى المنظمات، وإيقاف العمل سوف يؤثر سلبياً على الصحة العامة لحوالى أكثر من 150 ألف نسمة، حيث يبلغ عد المستفيدين شهرياً من تلك المنشآت أكثر 20 ألف نسمة”.
وأضاف، أن مديرية صحة حماة الحرّة، ممثلة بالدكتور “مرام الشيخ”، تتواصل مع المنظمات العالمية والمحلية في تركيا وفي الداخل السوري، لكن من دون أي استجابة، على حد تعبيره.
مطالبات باستئناف دعم القطاع الطبي
وطالب فريق منسقو استجابة سوريا في بيان له، الخميس، جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري بعودة الدعم المقدم لتلك المؤسسات، محذراً كافة الجهات من العواقب الكارثية المترتبة على إيقاف الدعم المقدم إلى القطاع الطبي، معرباً عن مخاوفه من ازدياد انتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الشمال السوري.
في حين دعا ناشطون إلى تنظيم وقفات احتجاجية تنديداً بقطع الدعم عن منشآت مديريات الصحة الحرّة في عموم الشمال السوري، مشيرين إلى أنه وفي حال توقف دعم القطاع الطبي، فإن الأمر سيؤدي إلى كارثة طبية وإنسانية بحق ألاف المرضى في تلك المناطق.
تحذيرات من كارثة بحق المرضى من الأطفال والنساء وكبار السن
في تعليق منه على موضوع تعليق دعم بعض المنظمات للقطاع الطبي في شمال سوريا، قال المحامي “علي رشيد الحسن”، رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، لحرية برس: “إنه ومنذ انطلاق الحراك الثوري السلمي طلباً للديمقراطية في سوريا، عانى القطاع الطبي في المناطق المحررة من صعوبات، أبرزها قصف قوات النظام وروسيا المنشآت الطبية من مستشفيات ومراكز رعاية الصحية وصيدليات وعربات إسعاف، وقتل الكوادر الطبية والاعتقال والهرب خارج سوريا، إضافة إلى الانتهاكات التي تقوم بها الأطراف المسلحة المختلفة”.
ثم بدأت البنية الأساسية للصحة تعاني من قصور شديد، حيث أصبحت المشافي الميدانية تفتقر إلى كل المعايير الطبية الكافية من تعقيم وعناية تمريضية صحيحة، فضلاً عن المضادات الحيوية، هذا كله دعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى إصدار تقرير ذُكر فيه “تصاعد خطر الأوبئة الناتجة عن الأمراض المعدية بسبب توقف البرامج الصحية”.
وتابع بالقول: “إن توقف المنظمات الداعمة عن دعم الجانب الصحي في الشمال السوري المحرر يهدد عدداً كبيراً من سكان المنطقة والمستفيدين من الخدمات الصحية المجانية، الذين يعانون أصلاً من مشاكل كثيرة ذكرناها سابقا، والخاسر الأكبر هم الفئات الأشد ضعفاً من المرضى و الأطفال والمصابين وكبار السن”.
وأضاف أن الجميع يعزو وقف الدعم إلى التجاذبات السياسية المحلية والدولية، وصراع النفوذ، ناهيك عن التطورات الاخيرة التي شهدتها المناطق المحررة، في إشارة إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على المناطق.
وحذر “رشيد الحسن”، أنه وفي حال استمر وقف دعم القطاع الصحي، فإن ذلك سيؤدي إلى مخاطر كبيرة في الجانب الصحي، وإلى انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، وحرمان المرضى من الحصول على علاج كاف، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بسبب حرمان عائلات العاملين في القطاع الصحي من مصادر الدخل والمعيشة، في ظل الظروف القاسية التي يعيشها السوريون في المناطق المحررة منذ سنوات.
وأشار، إلى أنهم في تجمع المحامين السوريين الأحرار، يناشدون المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الداعمة للقطاع الصحي، من أجل التدخل السريع لمصلحة الدعم المادي واللوجستي واستمرار هذا القطاع في دعم المرضى، ومن أجل عدم هروب الكوادر الطبية إلى خارج المنطقة للبحث عن مصادر رزق، وبذلك تكون وقعت الكارثة التي نخشى منها.
من الجدير ذكره، أن تلك التطورات المتعلقة بالملف الطبي في الشمال السوري، تتزامن مع تحذيرات أممية من كارثة إنسانية جديدة في سوريا، وخاصةً شمالي البلاد.
وقال “أنطونيو غوتيريس”، الأمين العام للأمم المتحدة، الأربعاء، في اجتماع غير رسمي مع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، “إن الحرب لم تنته بعد في سوريا، خاصة أن ملايين المدنيين ما زالوا مشردين، ويخشون باستمرار كارثة إنسانية أخرى، لا سيما في الشمال الشرقي والغربي من بلادهم” بحسب وكالة الأناضول.
عذراً التعليقات مغلقة