“مخيم الهول” سجنٌ كبير ينتظر قاطنوه الموتَ البطيء

فريق التحرير8 يناير 2019آخر تحديث :
مخيم الهول في ريف الحسكة الشرقي- عدسة محمد العبد الله- حرية برس©

محمد العبدالله- حرية برس:

يلتفّ بعض النازحين حول الطفلة “عائشة المقدام الرمضان”، وقد ذُهلوا حين شاهدوها مستلقيةً في وسط الخيمة كقطعة ثلج بعد أن توفيت متجمدةً من البرد، ليعكس حالها واقع النازحين في مخيم الهول، في ريف الحسكة الشرقي، الذين يعيشون ظروفاً قاسية، خاصةً مع اشتداد برد الشتاء.

ويقطن في مخيم الهول، الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، آلاف النازحين العراقيين والسوريين، في وقت يستمر فيه توافد النازحين القادمين من محافظة دير الزور، هرباً من المعارك الدائرة بين “ٌقسد” وتنظيم “داعش”.

وقال الصحفي في شبكة “فرات بوست” الإعلامية، صهيب الجابر،
لحرية برس: إن “مخيم الهول يعد من أكثر المخيمات سوءاً بسبب
غياب الخدمات اللازمة ليكون صالحاً للمعيشة، فلا يوجد أي شكل من أشكال التدفئة، والنازحون يستخدمون الأغطية التي جلبوها
معهم ويلتحفون بها للحصول على التدفئة”.

وأضاف الجابر أن “المواد الغذائية تدخل عن طريق منظمات خاصة تحت مراقبة “قسد”، وبما أن الأخيرة صادرت هويات النازحين، فإن عدداً من عناصرها يتاجرون بالسلال الغذائية المقدمة من المنظمات، ويبيعونها في الحسكة ومناطق أخرى بعد مصادرتها، لهذا فإن الوحدات الكردية تمنع المنظمات من دخول المخيم، حيث أنها المتحكم الوحيد بالمعونة الغذائية المقدمة من كافة الجهات”.

وأوضح الجابر أن “المياه المقدمة لنازحي المخيم، تأتي عبر صهاريج تحمل مياهاً غير صالحة للشرب، حيث أن معظم تلك الصهاريج كانت تنقل النفط، وتصل إلى المخيم من منظمات مشبوهة مثل (IRT التدخل السريع)، التي يشوب سجلها الفساد المستفحل، كما أن دورات المياه في المخيم سيئة للغاية، وتسبب الأمراض، خاصةً في الصيف”.

بدورها قالت الصحفية في شبكة “الشرق نيوز”، ياسمين مشعان، لحرية برس، إن “ظروف النازحين في مخيم الهول سيئة للغاية، فالمخيم موجود ضمن منطقة صحراوية، تصل درجات الحرارة فيها إلى تحت الصفر ليلاً خلال الشتاء، إضافةً إلى أن حالة الخيام ساءت مع ازدياد هطول الأمطار، وغرقت في الوحل، بالتزامن مع غياب التدفئة الكهربائية والمحروقات والحطب”.

غياب التدفئة في مخيم الهول- عدسة محمد العبد الله- حرية برس©

وأضافت ياسمين أن “الوضع سيزداد سوءاً في المخيم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة، لأن الشتاء في أوله، وتوقعات الطقس تنذر بشتاء قارس، أي أن قاطني المخيم ينتظرون الموت البطيء، لذلك يجب تزويد النازحين بالوقود أو الحطب بشكل سريع، كأقل مساعدة يمكن أن تقدم، مع العلم أن استخدام الحطب أو المازوت للتدفئة قد يكون غير مناسب تحت سقف الخيمة، وربما يُشكّل خطورةً على العائلة، فالتدفئة الكهربائية هي الأسلم في مثل هذه الظروف”.

وتابعت ياسمين قائلةً: إن “قسد لا تقدم أي خدمات، وكل ما يُقدّم من خدمات يأتي من الأمم المتحدة وبعض المنظمات، ورغم ذلك هي غير كافية لتلبية احتياجات النازحين، فالمفوضية تقدم سلة إغاثة شهرية لكل عائلة، من دون مراعاة عدد أفراد  الأسرة، فالعائلة الكبيرة تستلم حصة مشابهة للعائلة الصغيرة، بينما يعتبر التعليم رفاهيةً، حيث أنه تطوعي في ظل عدم وجود مدارس في المخيم”.

نقطتان طبيتان تخدمان 15 ألف نازح

ولا يعتبر الواقع الطبي أفضل حالاً من واقع الخدمات من تدفئة وتعليم وإغاثة، حيث قال صهيب الجابر: إن “مخيم الهول يعاني من انعدام الرعاية الطبية، فمن يريد تلقي العلاج عليه الدفع بالعملة الصعبة، أو الحصول على إذن للعلاج في مشافي الحسكة والشدادي، ما تسبب بازدياد عدد الوفيات خاصةً بين الأطفال”.

في حين قالت ياسمين مشعان: “هناك نقطتان طبيتان تقدمان بعض الإسعافات الأولية واللقاح، وفيها ممرضين فحسب، ولا يوجد أطباء متخصصين، كما توجد سيارتا إسعاف لنقل المرضى الذين يحتاجون إلى أخصائيين في الحسكة، مع العلم أن خروج الحالات الطبية يتطلب وقتاً للحصول عل موافقة من “قسد”، وهذا يُعرّض حياة المرضى للخطر”.

وأشارت ياسمين الى أنه “في ظل سوء الواقع الطبي، أُطلقت العديد من الحملات الإعلامية، التي كان لها دور في تحسين الوضع، لكنه يبقى دون المستوى المطلوب، لأن أوضاع النازحين تتطلب وجود مشفى يحوي الاختصاصات كافة، بينما يقتصر الوضع حالياً على نقطتين طبيتين تقدمان اللقاح وبعض العلاجات البسيطة”.

وأضافت ياسمين أن “قسد” تتعامل بعنصرية مع قاطني المخيم، لأن أكثرهم جاؤوا من مناطق كانت تحت سيطرة “داعش”، وتم توثيق عدة انتهاكات بحق السكان، كما شهد المخيم عدة مظاهرات رداً على تلك الانتهاكات، واستُخدم الرصاص لتفريقها”.

أوضاع اللاجئين السيئة في مخيم الهول- عدسة محمد العبد الله- حرية برس©

شيراتون” في مخيم الهول

أوضاع قاطني مخيم الهول غير متكافئة، ويقول صهيب الجابر: إن “مخيم الهول ينقسم إلى مخيمين، الأول للنازحين المحتجزين قسراً من قبل “قسد” والوحدات الكردية، والثاني مقر لإقامة عناصر وقياديي تنظيم “داعش” وعائلاتهم”، مشيراً إلى أن “معاملة عناصر “قسد” مع النازحين في القسم الأول فاشية وعنصرية ووحشية، وهذا أقل ما يُوصفون به، فهناك تعنيف لفظي وجسدي، ناهيك عن تجنيد شبان المخيم”.

وأضاف صهيب: “بالنسبة إلى القسم الثاني من المخيم الذي يتواجد فيه عناصر “داعش” وعائلاتهم، فهو مخدّم بكافة وسائل الراحة، حتى أن النازحين في القسم الأول يسمونه “الشيراتون”، حيث يتم تقديم المياه المعدنية الصحية إلى عناصر التنظيم، ولا يتعرضون لأي معاملة سيئة، ويتمتعون بعلاقة ودية مع عناصر الوحدات الكردية، نظراً إلى أن الأخيرة تستفيد مالياً من هذا المخيم الذي يعد، إضافة إلى مخيمات مشابهة، مصدراً للتمويل وعقد الصفقات والمقايضات”.

وفي ظل سوء وضع النازحين، يرى صهيب الجابر أنه “لا يوجد أي مبرر أساساً لبقاء مخيم الهول، حيث ما من سبب مقنع لذلك، فالمحتجزين من المدنيين النازحين في داخل المخيم جُلُّهم من مناطق سيطرت عليها “قسد” منذ زمنٍ طويل، والمخيم يبعد مئات الكيلومترات عن البلدات الثلاثة الأخيرة المتبقية تحت سيطرة التنظيم، لهذا يجب إزالة المخيم وإطلاق سراح المحتجزين المدنيين فيه، والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم بدلاً من المطالبة بتحسين الخدمات فيه، فهم موجودون ضمن سجنٍ كبير”.

سوء أوضاع اللاجئين في مخيم الهول- عدسة محمد العبد الله- حرية برس©

رحلة محفوفة بالمخاطر

يتواصل توافد النازحين الى مخيم الهول، حيث وصلت خلال الأيام الماضية مئات العائلات، بينهم عوائل من ريف دير الزور، بينما شهد المخيم في الوقت نفسه عودة نازحين كانوا ضمنه إلى مناطقهم، وبالتحديد نازحي منطقة هجين.

وقال الصحفي في شبكة “الشرق نيوز”، فراس علاوي، لحرية
برس: إن “أغلب النازحين يتوافدون من ريف دير الزور إلى البادية وباتجاه الشمال ثم نحو الشمال الغربي، ويتم وضع النازحين أغلبهم
في مدارس في مدينة البصيرة الخاضعة لسيطرة “قسد”، شرق
نهر الفرات، ثم يتم نقلهم إلى مخيم الهول، حيث تستولي “قسد” على أوراقهم الثبوتية، ويبقى النازحون محتجزين في المخيم”.

وأضاف علاوي أن “الدخول الى مناطق “قسد”، وخاصةً الحسكة، يحتاج إلى وجود كفيل ودفع مبالغ كبيرة، كما أن حواجز “قسد” تتقاضى مبالغ ماليةً للسماح بمرور النازحين، فضلاً عن ابتزازهم وإهانتهم ومصادرة بعض الأشياء الموجودة في حوزتهم، إضافةً إلى اعتقال بعض الرجال بتهمة الانتماء لتنظيم “داعش”، بينما تسمح الوحدات الكردية لبعض النازحين بالوصول إلى الحدود التركية مقابل رشاوى ضخمة”.

بدوره قال الصحفي عبد العزيز الخليفة لحرية برس: إن “النازحين يأتون من مناطق الاشتباكات بين “قسد” و”داعش”، في ريف دير الزور الشرقي، لكن يمنع دخولهم الى الحسكة من دون كفيل موجود في الحسكة، وإلا تحتجزهم “قسد” في مخيمات، من بينها مخيم الهول”.

عبد العزيز خليفة

وأشار الخليفة الى أن “هناك اعتقالات لنازحين قادمين من ريف دير الزور الشرقي بتهمة انتمائهم إلى “داعش”، ويتم تشغيلهم في حفر الأنفاق في محيط مدينتيّ القامشلي ورأس العين، على الحدود السورية مع تركيا، خاصةً بعد التهديدات التركية بشن هجوم على مواقع “قسد” شرق نهر الفرات”.

وتروي أم حسين النازحة من بلدة السوسة في ريف دير الزور قصة نزوحها قائلةً، إن “رحلة الوصول الى المخيم كانت صعبة جداً، ومنعت “قسد” إدخال كثير من العائلات خلال الفترة الأولى، بحجة احتمال وجود عناصر من “داعش” بين النازحين، حيث يتم احتجاز الأسرة لما يقل عن شهرين أو أكثر، ومصادرة أوراقهم الرسمية، أما الآن فأصبح الوضع أسهل لعدم وجود موجات نزوح كبيرة”.

وتابعت أم حسين قائلةً لحرية برس: “قطعنا عشرات الكيلومترات في الصحراء، وكانت بعض الطرقات مزروعة بالألغام، وكنا نسير على أقدامنا تحت الأمطار والقصف، وفي البرد القارس نحمل معنا بعض الأغطية التي لا تقي البرد، حتى وصلنا إلى حواجز “قسد”، حيث وضعوا بعض النازحين في مدرسة في مدينة البصيرة، بينما نقل البعض الآخر في حافلات إلى مخيم الهول”.

ويقطن مخيم الهول في ريف الحسكة أكثر من 15 ألف نازح، أغلبهم من أرياف ديرالزور الشرقي والغربي والعراق، ويزداد يومياً عدد قاطني المخيم جرّاء استمرار المعارك الدائرة بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وتنظيم “داعش”، في ريف ديرالزور الشرقي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل