لم تكن المرأة السورية في يومٍ من الأيام بعيدةً عن نبض الشارع والشأن العام، فقد وقفت -بما أُوتيتْ من حسٍّ وطنيٍّ ووعيٍّ عالٍ- إلى جانب الرّجل، تشدّ عزيمته، وتؤازره وتشاركه في كفاحه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وعند انطلاق الحراك الشعبي السلمي في سوريا، في ربيع العام 2011، انخرطت المرأة السورية فيه منذ اليوم الأول، رافعةً صوتها رايةً للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، فاعتُقلت واستشهدت وقدّمت الشهداء من فلذات كبدها وما زالت.
لكن بالمقابل لم يحصل عبر تاريخ سوريا أن انتُهكت حقوق المرأة السورية، واعتُدي على كرامتها مثلما حصل على يد النظام السوري.
ليس تجميلاً لصورة الاحتلال الفرنسي، ولكن من قبيل المقارنة، تُحدّثنا المرويات والمذكرات التي كتبها سوريون أثناء العهد الفرنسي، أنّ الجنود الفرنسيين لم يكونوا ليأتوا بحركةٍ ضدّ المظاهرات النسائية المطالبة برحيل الاحتلال واستقلال البلاد.
في حين أن جنود النظام السوري وشبيحته لم يدّخروا وسيلة وحشيةً لانتهاك حقوق ابنة بلدهم، وقد زادت وتيرة تلك الانتهاكات مع نجاح النظام في تحويل مسار الحراك الشعبي السلمي إلى نزاع ٍ مسلح مفتوح، كان المدنيون، وخاصةً المرأة، أكثر ضحاياه نتيجة لارتكاب ممارساتٍ قمعيةٍ، تشكل جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب حسب قراراتٍ عدةٍ لمنظماتٍ دولية، وكان لهذه الانتهاكات آثاراً سلبيةً قاسية على المرأة من النواحي النفسية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وأرى في هذا المقام التّعرّض لهذه الانتهاكات وآثارها.
أولاً – جرائم العنف الجنسي بحقّ النساء والفتيات:
تؤكد كثيرٌ من تقارير منظماتٍ دوليةٍ تهتم بهذا الشأن أن العنف الجنسي والاغتصاب يشكل سمةً بارزةً ومقلقةً للحرب في سوريا، وأنّ هذه الحالات ارتكبتها القوات الحكومية السورية والشبيحة أثناء تفتيش البيوت وفي مراكز الاعتقال وعلى الحواجز. وتشير تقارير إلى أن فتيات يبلغن 12 عاماً تعرضن للاغتصاب، وأُجبرت بعضهن على تحمّل حملٍ قسريّ، إضافةً إلى قتل المغتصبات على يد المغتصبين، كل ذلك دون أية مساءلة أو محاسبة للجناة. وتتعرض الضحايا جرّاء ذلك إلى أزمات وصدمات نفسية حادة في ظلّ نظرة سلبية لها من قبل المجتمع المحيط؛ الأمر الذي دفع الكثيرات إلى الانتحار. ولا توجد إحصائيات حقيقية لهذه الحالات نظراً إلى الحساسية الكبيرة لهذه القضايا في مجتمعاتنا التي تفرض وضع الملح على الجرح والتّكتم عليها.
ثانياً – المعتقَلات والمختفيات قسراً:
في سعيه الحثيث من أجل تفتيت نسيج الأسرة والمجتمع السوريَين بهدف إجبار الشعب السوري الثائر على التّخلّي عن ثورته، كان اعتقال واختطاف النساء نهجاً مُتعمّداً من قبل النظام، وذلك لوضع العائلة كلها تحت ضغطٍ نفسيّ شديدٍ نظراً إلى ما تمثله في مجتمعاتنا من رمز للشرف، كما يجب أن نتذكر ممارسات النظام اللاأخلاقية في استخدام المعتقلات كورقة ضغطٍ وابتزاز من أجل تسليم أقاربهن المعارضين والمطلوبين للنظام، أو من أجل تسليم عتاد حربي من قبل الثوار لقوات النظام.
إن تجربة الاعتقال تحدث آثاراً نفسية سلبيةً عميقةً في حياة المرأة يصعب تجاوزها بسهولة، حتى بعد الإفراج عنها، نظراً إلى ما تتعرض له من إهانة وكلامٍ نابٍ، ناهيك عن ألوان التعذيب التي تفقدها قيمتها كإنسانة.
ولا بدّ من القول إن معاناة المرأة تزداد عند اعتقال زوجها وما يفرضه ذلك عليها من العمل لتحمل أعباء الاسرة، وتكاليف المتابعة القانونية لزوجها، وإذلال عناصر النظام لها أثناء الانتظار أمام المقرات الأمنية.
ثالثاً -استهداف الناشطات المدنيات والمدافعات عن حقوق الإنسان:
كانت الناشطات السوريات العاملات على الصعيد الإغاثي والتمريض أو على الصعيد الحقوقي، وما يزلن، هدفاً أساسياً للنظام السوري، وقد تعرضت كثير ات منهن للاعتقال التعسفي والخطف سواء في المراكز الرسمية أو في مراكز الاعتقال السرية، ولاقين أقسى ألوان التعذيب والإهانة، هذا بالإضافة إلى ملاحقتهنّ قضائياً بجرم الارهاب بعد أن سنّ النظام ما سُمي بقانون مكافحة الإرهاب الذي فُصّل لملاحقة كل المعارضين له، والذي أصدرت المحاكم التابعة للنظام بموجبه قرارات غيابية بالحبس لمدة عشرين سنة بحق الناشطات وغيرهن، علاوة عن حجز ومصادرة أموالهن المنقولة وغير المنقولة.
رابعاً – استخدام الأسلحة ذات الخطر الجماعي:
تعتبر الأسلحة ذات الخطر الجماعي، كالبراميل المتفجرة والقصف المدفعي والصاروخي والأسلحة الكيماوية، من أخطر الانتهاكات التي مارسها النظام بحق المدنيين، التي كان لها الأثر الكبير، خاصة على النساء، نظراً إلى ما تحدثه هذه الأسلحة من أعداد كبيرة من الضحايا، بالإضافة إلى الخوف الشديد الناجم عن هول الانفجارات والدمار. وقد سجلت منظمات دولية آلاف حالات الإجهاض الناجمة عن الخوف الشديد إثر استخدام تلك الأسلحة، إضافةً إلى تعذّر الحصول على المساعدة الطبية اللازمة.
خامساً – اللجوء والنزوح:
إن كل تلك الممارسات دفعت المدنيين إلى النزوح إلى المناطق الآمنة في داخل سوريا، أو إلى اللجوء إلى الدول المجاورة، وقد تجاوز عدد النازحين واللاجئين في الداخل والخارج 10 ملايين، تشكل النساء (البالغات والأطفال) نسبة 65% منهم، ويعيش هؤلاء ظروفاً صعبة في ظل انعدام الأمل بالعودة وقلة فرص عمل، فضلاً عن تراجع المساعدات. وتزداد الآثار كارثيةً على المرأة التي فقدت معيلها بسبب الوفاة أو الاعتقال أو التغييب القسري.
سادساً – الحصار:
استخدم النظام أسلوب الحصار والتجويع بهدف تركيع كثير من المناطق الثائرة، مانعاً وصول الإمدادات الإغاثية والصحية الضرورية للحياة، وكان لذلك أثر إضافي، خاصة على النساء الحوامل والمرضعات، نجم عنه ارتفاع في معدلات الوفيات والإجهاض والعيوب الخلقية الناتجة عن سوء التغذية الشديدة وانعدام الرعاية الصحية.
سابعاً – استهداف المنشآت الصحية وطواقمها:
تؤكد تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالوضع السوري أنّ النظام والقوات المتحالفة معه، مسؤولون عن 97% من مجموع الهجمات التي استهدفت المنشآت والمراكز الصحية وطواقمها العاملة، الأمر الذي أجبر ما يزيد على 90% من الأطباء والكوادر الطبية إلى الهجرة خارج سوريا، ولاشك أن ذلك أدى إلى عدم إمكانية تلقي النساء، على وجه الخصوص، عناية طبية، وحرمانهن من خدمات التوليد ورعاية الأمومة والحمل وخدمات الحواضن.
ثامناً – انهيار القطاع التعليمي:
تشير تقارير منظمة اليونيسيف إلى أنّ واحدة من خمس مدارس في سوريا دُمّرت أو تضررت أو تحولت إلى ملاجئ للأسر النازحة، وأنّ أكثر من 2000 مدرسة تحولت على يد النظام السوري إلى مراكز اعتقال، وتؤكد تقارير متواترة أيضاً أنّ نسبة 40% من عدد الأطفال الذين بلغوا سن التعليم في سوريا لم يلتحقوا بالمدارس، إضافةً إلى إيقاف النظام صرف رواتب المدرسين والمدرسات في المناطق الخارجة عن سيطرته. كل ذلك أدى إلى انهيار القطاع التعليمي، وانقطاع الآلاف من الطلاب والطالبات عن الدراسة، وانتشار الأمية في صفوف من أدركوا سن التعليم ولم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس بسبب ظروف الحرب والتهجير، فضلاً عن انتشار ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، وامتناع آلاف الطالبات الجامعيات من المناطق الثائرة عن الالتحاق بالجامعات الموجودة في مناطق سيطرة النظام خوفاً من الاعتقال والخطف.
وختاماً: لا شك في أن تلك الانتهاكات الخطيرة التي يمارسها النظام بشكل ممنهج لها آثارها الكارثية على المجتمع السوري، وخاصةً على النساء، كما تشكّل جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب حسب القوانين الدولية، حيث أنها تحدث بعيداً عن أية مساءلة قانونيةٍ دوليةٍ رادعة، وفي ظلّ مراقبة دولية صامتة، أقل ّما يوصف به أنه صمت المتواطئ مع المجرم.
Sorry Comments are closed