تتشابه الجرائم الإلكترونية مع الجرائم العادية من حيث عناصرها (الجاني – الضحية – الفعل)، ولكنها تختلف عنها من حيث البيئة والوسائل المستخدمة، فالبيئة التي تُمارَس فيها الجريمة الإلكترونية هي بيئة افتراضية، ووسائلها تكون تكنولوجية ومعلوماتية حصراً، فضلاً عن أنه لا يشترط فيها تواجد الفاعل في مسرح الجريمة.
بدأ انتشار هذا النوع من الجرائم مع تطور وسائل الاتصال والشبكات، والتي تعد سلاحاً ذا حدين، خاصةً مع انتشارها الواسع، ودخولها إلى كل بيت حول العالم. ومع زيادة استخدام هذه الوسائل، بدأت تظهر أضرارها الكبيرة، التي قد تكون أكثر ضرراً من الجرائم العادية؛ حيث تطال أفراداً ومجموعات وشخصيات اعتبارية، وربما يطال ضررها دولاً بكاملها.
تعتبر سوريا من الدول حديثة العهد بتكنولوجيا المعلومات، والاعتماد على المعلوماتية كجزء أساسي من مكونات الدولة الحديثة. ويعود سبب تأخرها عن مواكبة التطورات إلى التغييرات السياسية التي مرت بها منذ الاستقلال، ومن ثمّ استيلاء حافظ الأسد على السلطة، الذي لم يمنح أي أهمية لتطوير وسائل الاتصال، حتى أنه كان يفضل الوسائل التقليدية على الحديثة. كل ذلك شكل فارقاً كبيراً بين سوريا ومثيلاتها من الدول المصنفة بالنامية.
وحالما صعد الأسد الابن للسلطة وريثاً لوالده، ادعى حمله راية التطوير والتحديث وشروعه في تخليص الدولة من إرث والده الغني بالفساد والتخلف، حيث فتح المجال أمام بعض المقربين له لإغراق الدولة بوسائل التكنولوجيا، خاصةً الاتصالات، كما حصر المسؤولين عن هذه الوسائل بأشخاص موثوقين من قبله؛ فزادت أبواب رزقهم باباً آخر بعد كل تلك المقدرات التي ذهبت إلى جيوبهم.
كان نظام الأسد يعتمد الطرق القديمة في الحصول على المعلومات عبر زرع المخبرين في كل شبر من أراضي الدولة وحتى خارجها عبر موظفيه الديبلوماسيين، وتحت حجة العداء مع ’’إسرائيل‘‘ كانت وضع أحاديث وأفعال الشعب السوري تحت رقابة أجهزة الأسد الأمنية، حتى أصبح الخوف يحول بين المرء وعقله في التفكير.
ورغم كل التطور الحاصل في العالم إلا أن الجرائم الإلكترونية في حالة ازدياد مضطرد، خاصةً تلك التي تستهدف المنشآت أو أسرار الدولة في الدول المتقدمة، وهذا لا يشمل الدول النامية، لا سيما العربية، بسبب عدم اعتمادها على أتمتة المعلومات وخاصة الهامة منها، فيما اقتصرت الجرائم الإلكترونية في سوريا على بعض الأمور التي تخص الأفراد كالتشهير والتهديد والتحريض، ويعتبر أبرزها الإساءة لرأس النظام.
ومنذ عام 2012 بدأت وسائل التواصل الإجتماعي تحتل المرتبة الأولى في حياة السوريين كونها الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومات ونشرها دون خوف من اقتفاء أثرها، كما لعبت دوراً جوهرياً في نقل أحداث الثورة؛ ما زاد في تصميم النظام على وضع حد لها.
اتبع نظام الأسد شتى الوسائل من أجل فرض رقابته على هذه الوسائل، ثم أصدر قوانين تجرّم الأعمال المرتكبة على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أحدث فرعاً خاصاً للجرائم الإلكترونية، إضافة إلى قضاء مختص بذلك.
في مفهوم الدولة الذي يعتمده الأسد، لا يجوز للمواطن التعبير بحرية عما يدور في رأسه، ولا يحق له انتقاد السلطة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وإلا سوف يتعرض للتهديد والتشهير والذم والقدح من قبل موظفين مختصين مهمتهم المراقبة والتجسس بصفة رسمية.
عذراً التعليقات مغلقة