الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا والحكم على النوايا

عبد الحميد الشدة10 ديسمبر 2018آخر تحديث :
الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا والحكم على النوايا

انتشرت في الغرب في العقود الأخيرة ظاهرة اسمها الإسلاموفوبيا. والفوبيا هي كلمة من أصل يوناني وتعني الخوف أو الذعر (غير المبرر). وقد انتشرت هذه الظاهرة بسرعة كبيرة خاصة بعد انتهاء العدو الأكبر للغرب وهو الإتحاد السوفييتي الشيوعي وكتلته.

وحتى لو كانت للكلمة جذور تاريخية واجتماعية وثقافية، لكن أحداثاً سياسية كثيرة مثل وصول الملالي في إيران إلى السلطة وحرب الخليج الأولى بين العراق والغرب ووجود حماس، كلها سارعت في زيادة هذه الظاهرة. ومنذ حادثة 11 إيلول ازدادت شراسة الحملة خاصة وأن المتحكمين بالإعلام الغربي هم من المقربين لإسرائيل التي تحارب حماس الإسلامية.

وبما أن اليمين المتطرف الغربي وبعض الصهاينة، وبسبب التاريخ والقوانين، لايجرؤون على إظهار عداء عنصري للمسلمين فلجؤوا إلى طريقة الهجوم على الإسلام وليس على المسلمين لأن هذا مسموح به، حيث أن الديانات هي أفكار وإيديولوجيات يمكن انتقادها في الدول الديمقراطية بينما يُمنع التهجم على فئات لأسباب دينية ويُمنع التهييج العنصري.. هذه الطريقة المقبولة قانونياً تدخل في دائرة حرية التعبير ظاهرياً، لكن من السذاجة ألا نرى استخدام البعض لها لأهداف عنصرية. وتنامي ظاهرة التخويف من الإسلام بشكل مبالغ فيه وإيهام الشعوب الغربية أن الإسلام هو دين تطرف وعنف وعدم تسامح ودين غزو زادت من الإسلاموفوبيا والتي بدأ البعض ينتبه إلى تشابهها من ناحية المضمون مع اللاسامية التي لصقت التهم باليهود وبررت في عقول أتباعها أفظع الجرائم التي حصلت ضد اليهود في فترات ما في الغرب.

وقد بدا لي نوع من التشابه مابين الإسلاموفوبيا وبين ظاهرة في البلاد العربية تعمد إلى شيطنة الإخوان المسلمين والتخويف منهم بطريقة عاطفية لا عقلانية ولا تخضع لمقاييس الموضوعية.

ففي مصر وبعد وصول الإخوان إلى السلطة بطريقة ديمقراطية شفافة لأول مرة في تاريخ مصر قامت حملة تهييج عاطفية لتوهم المصريين بأن نهاية مصر اقتربت بسبب الإخوان وأن كل مصائبهم هي بسبب الإخوان، هذا في الوقت الذي كان الإخوان يحترمون حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي. وكانت النتيجة الإنقلاب العسكري بمساعدة دول خليجية وبتر التجربة الديمقراطية والوضع الكارثي الذي تعيشه مصر السيسي اليوم. لم تكن الحجة الأساسية ماذا فعل الإخوان في الواقع إنما كانت في التشكيك في نواياهم. كان دافع محاربتهم المعلن هو أن “نيتهم وحشة”.

في سورية كان النظام الأسدي يستخدم كلمة إخوان كتهمة تجريمية حاضرة للتخوين وربى أجيالاً على كره الإخوان ومعاداتهم. ونعرف أن الهدف لم يكن أعضاء التنظيم وإنما كل نواة إعتراض أو إحتجاج على الطغيان الأسدي الطائفي، وكان واضحاً أنه كان يستهدف القوى الحية من السنة من متدينين ومن غير متدينيين. وساعده في هذه المهمة قسم من اليسار السوري.

وقد ظهرت تسميات تجعل كلمة إخوان مسلمين كشيء سيء في حد ذاته وبعضهم يستخدم كلمة إخونج.

بعد قيام الثورة برز الإخوان المسلمون في الصف الأول السياسي وكان لهم دور هام وبغض النظر عن درجة سلبيته أو إيجابيته، لكنه كان موجوداً كجزء هام يمثل شريحة من الشعب السوري. والسؤال المطروح هو أولاً كيف نحكم على دورهم وثانياً هل يجب محاكمة دورهم هم فقط أم يجب محاكمتهم مثل كل القوى والأشخاص الذين تواجدوا في الصف الأول وفي مراكز القرار.

وهنا قد يبرز التمييز وتلبيس “خاصية الإستثناء” التي يتعامل بها البعض مع الإخوان. فيتم أولاً تضخيم عددهم وقوتهم السياسية بشكل مبالغ فيه لوضع مسؤولية كل المصائب عليهم ثم يتم تسليط الضوء على كل عيوبهم ويتم تجاهل كل حسناتهم وتضحياتهم وجهودهم. وفي السر والعلن أعلن الإخوان السوريون قبولهم بالتعددية وبما يسمونها الدولة المدنية وتعاونوا مع كل القوى السياسية الأخرى ولهم تاريخ عريق في هذا المجال منذ الإستقلال وحتى الإنقلاب البعثي.

لست محامياً عن الإخوان السوريين، وأعرف تفاصيل كثيرة عنهم ونشرت آراء كثيرة حولهم وانتقادات موضوعية. وجهة نظري ببساطة هي أن عيوب الإخوان هي من عيوب المجتمع السوري، وعيوبهم الإيديولوجية والتنظيمية هي من عيوب المنطقة كلها وإصلاحهم لن يتم إلا في إطار إصلاح شامل في المجتمعات المعنية وفي سورية.

ولأنني أؤمن بالنظام الديمقراطي التعددي وبالدولة الوطنية السورية وبأن كل سوري له حق الإنتقاد وحق المساءلة. وأيضاً أرى أن أي كلام إقصائي للإخوان أو “شتم تمييزي” أو تهويل إفترائي هو فعل يتناقض مع مبادئ الديمقراطية ومع الوحدة الوطنية.

وهناك اليوم حملة في بلاد معينة تتهجم على الإخوان بشكل إفترائي وتُصَوُرهم كأنهم شر مطلق بحد ذاته لإخافة الناس منهم وهناك من يتفاعل مع هذه الحملات مدفوعاً بأسباب إيديولوجية أو دينية ليحكم بالإعدام السياسي، وأحياناً الجسدي، على الإخوان المسلمين.

ماهكذا تُبْنى المجتمعات والأوطان والسلم الأهلي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل