نعم.. نحن عنصريون!

لينا العقلة7 ديسمبر 2018آخر تحديث :
لينا العقلة

من المعروف عن المجتمع السوري أنه مجتمع يتشكل من مزيج متنوع من أتباع ديانات وقوميات ومذاهب وطوائف متعددة، تعايشت مع بعضها بشكل إيجابي منذ عصور، ولطالما تغنينا -نحن السوريون- بهذا التعايش البناء الذي نطلق عليه اسم “الفسيفساء السورية”، ولطالما كنا فخورين بتعدد الأديان والطوائف والقوميات في سوريا واحترامها لبعضها.

ومع انطلاق الثورة السورية برز أحد أهم وأعمق الشعارات في هتافات الثوار ليعلن أنه “واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد”، في تأكيد على حرص الثوار والمتظاهرين السوريين على وحدة هذا المجتمع والخوف من تعرضه لهزات قد تؤدي لتفككه ربما، لكن غالبيتنا العظمى كانت تردد هذا الشعار بفخر، ودون التفكير في عمق معناه ومدى مصداقيته، لكن ما آلت إليه أوضاع شعبنا والهزات العنيفة التي تعرض لها تجعل من المشروع والواقعي أن يطرح السؤال التالي: هل فعلاً كان الشعب السوري واحداً؟

وابتداءً، وبجواب سريع، أزعم أن الحقيقة تقول أن الشعب السوري لم يكن في يوم من الأيام شعباً واحداً أو متعايشاً بشكل صحي وإن بدا عكس ذلك ظاهرياً.

هذه الحقيقة صادمة دون شك، لكنها واقع يجب الاعتراف به، فقد كنا نعيش انقسامات حادة متنوعة، منها دينية وعرقية ومذهبية، والأخطر تلك الانقسامات الطبقية الهائلة، حتى على مستوى الطائفة الواحدة أو القومية الواحدة، أو حتى على صعيد العائلة الواحدة.

وكانت هذه الانقسامات تنطوي على عنصرية مقيتة، عشناها بشكل واضح تجاه بعضنا، منها عنصرية الغني تجاه الفقير أو عنصرية أهل المدينة تجاه أهل الريف، وبالعكس، أو عنصرية النخب المتعلمة وذوي الشهادات الجامعية تجاه الطبقة غير المتعلمة، أو عنصرية الملاك تجاه الطبقة الكادحة العاملة أو الريفية البسيطة.

ولا بد أن يكون في ذاكرة كل منا قصة عن حالات زواج قوبلت بالرفض بسبب الفارق الطبقي أو الفارق التعليمي أو الاختلاف الديني أو القومي أو المذهبي، وعدم استجابة المجتمع لمحاولات البعض تجاوز هذه الفوارق الوهمية.

وكم من حالات الزواج القسري التي مارسها الأهل بحق أبنائهم بهدف الحفاظ على مستوى طبقي معين وعدم الانحدار “باسم العائلة” حسب منظورهم القاصر.

نعم نحن عنصريون.. عنصريون حتى النخاع، حتى لو بدا هذا الواقع مؤلماً لكن علينا الاعتراف به كخطوة تمهد لمعالجته أو للحد منه على الأقل.

وإن لم يكن صعباً تحديد الأسباب التي أوجدت هذه الآفة الاجتماعية، لكن التركيب المعقد والمتنوع للمجتمع السوري ترك لها المجال واسعاً للانتشار، ومما لاشك فيه أن نظام الحكم الاستبدادي عمل على تعزيزها والاستفادة منها لتكريس سطوته على الشعب السوري بكل فئاته، حتى بات التخلص منها أمراً في غاية الصعوبة وصارت جزءا من ثقافتنا وحملاً ثقيلاً حمله الشعب السوري معه إلى دول اللجوء، ورغم الحرب القاسية ودروسها الأليمة و رغم الخسارات الهائلة المفجعة ورغم الفقد وخسارة الأصدقاء والأهل.. لكن معظم السوريين ظلوا متمسكين بهذه الآفة، كأنها قدر.

وبنظرة متفصحة لواقع السوريين في بلدان نزوحهم ولجوئهم، وخاصة في البلدان العربية، نلاحظ انقسام السوريين بين “شعب المخيمات” وهم الفئة الأشد فقراً والأقل تعليماً، والسوريين المقتدرين مادياً أو من طبقة المتعلمين، ممن هجرتهم الحرب، وهؤلاء تمكن معظمهم من الإفلات من مصيبة المخيمات بفضل مقدراتهم التي مكنتهم من الإقامة في منازل خاصة وافتتحوا أنشطة مهنية أو منشآت تجارية أو أعمالاً متنوعة خاصة، ويلاحظ عندهم احتفاظ معظمهم بنظرة فوقية تجاه “شعب المخيمات”، حتى أن البعض منهم يكاد يدين هؤلاء “المعترين” على سوء حال واقعهم!

أما في الدول الأوربية فقد أخذ الانقسام منحى آخر، بين لاجئين جدد، ومقيمين قدامى، سواء منهم الحاصلين على الجنسيات الأوربية أو المقيمين بهدف العمل أو الدراسة، وهم من جرى تسميتهم بالسوررين القدامى في إشارة إلى تواجدهم في الدول الاوربية قبل الثورة وموجات اللجوء التي تسبب بها إجرام نظام الأسد، واللافت للنظر أن “السوريين القدامى” وبنظرية استعلائية مؤسفة، لم يطلقوا اسم “السوريين الجدد” على مهجري الحرب، وإنما أطلقوا عليهم مسمى “اللاجئين”.

كما وصل الأمر بالبعض منهم حد الخجل من التعامل مع أبناء جلدته، ربما لأنه ينظر إلى مسمى لاجئ على أنه أمر معيب، أو لأنه يخجل من تصرفات بعض اللاجئين التي تفتقر الى اللباقة واحترام القوانين – حسب رؤيته – وكأنه لم يمر بهذه التجربة عندما كان حديث العهد في البلدان الأوربية، ويتغافل عن حقيقة أن هذا الأمر تحولٌ طبيعي، ربما تسببت به الصدمة الثقافية للاجئ، وهو بحاجة فقط إلى الوقت لتجاوزها، والاعتياد على الحياة الجديدة التي لم يألفها في بلاده!

ولا أبالغ أبدا إذا قلت إن العنصرية وصلت إلى التعامل بين الأطفال فيما بينهم على صعيد المدرسة، فالأطفال المقيمون باتوا يمارسون نظرة متعالية على أطفال اللاجئين، ربما ورثوها من آبائهم!

وأتساءل هنا باستغراب مفجع: كيف يُقبل هؤلاء بجدية على تعليم أطفالهم أن يتعالوا على أبناء وطنهم وأن يصنعوا منهم أشخاصاً مغرورين عنصريين دون أن يدركوا أنهم يتسببون لأبنائهم بضرر بالغ قبل الضرر بالآخرين؟!

وكيف لنا أن نشتكي من عنصرية الغرب تجاهنا إذا كنا نمارس ما هو أقبح وأفظع على أبناء جلدتنا غير مبالين بضعفهم وحاجتهم وعجزهم؟!

الشعب السوري واحد؟، هو سؤال محزن بحق، ولينظر كل منا إلى مرآة ذاته وقلبه وإنسانيته ويفكر جيداً.. هل هناك ما يستحق كل هذه العنصرية وهذا الغرور؟! وهل تعتبر الفروق الثقافية والمادية والإجتماعية والوظيفية والدينية والعرقية مبرراً لهذا التعامل التمييزي السلبي؟؟ أم هي عقد النقص وعدم التصالح مع الذات؟

وبماذا يفسر هؤلاء تصرفاتهم التمييزية عندما يقرأون قوله تعالى في القرآن الكريم: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل.. لتعارفوا؟ أو عندما يقرأون ما ورد في الإنجيل: الغني والفقير يتلاقيان، فكلاهما صنعهما الربُ؟!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل