ماذا بقي من نظام الأسد؟

عبد الرحمن الحاج3 نوفمبر 2018آخر تحديث :
ماذا بقي من نظام الأسد؟

حان الوقت لفهم أعمق لما يجري داخل النظام والبنية التي آل إليها بعد سنوات من مواجهة الثورة وانخراط دول متعددة للحفاظ على مصالحها الإقليمية أو أمنها القومي أو حتى لكسب مزيد من المصالح في المنطقة؛ لأن وقف تمدد النظام وحلفائه عسكرياً عند مساحة لا تزيد عن 54% من مجمل الأراضي السورية. يحتاج هذا الأمر إلى دراسات متخصصة لكل قطاع من الدولة التي يحتلها النظام، وفهمها تماماً، وريثما يتم ذلك يمكن الاعتماد على عدد المؤشرات الملحوظة والتي يصعب أن تخطئها عين أي مراقب لما يجري في الداخل.

المؤشر الأول فقدان السيطرة الأمنية، ثمة سيطرة واضحة للميليشيات الشيعية الأجنبية (تتبع إيران) والميليشيات التي تتبع للنظام وتضارب في مصالحها مع عجز النظام وأجهزته الأمنية على السيطرة عليها، أقرب الأمثلة ما حصل من اشتباكات واسعة في حلب بين ميليشيات إيرانية وميليشيات محلية تابعة للنظام في صراع على ما يعتبرونه “غنائم” المتمثلة في السيطرة على بيوت مئات آلاف المهجرين من شرقي مدينة حلب، وقبل أيام حالة من الغليان وسط ما تبقى من سكان نفس المدينة من تفشي ظاهرة خطف وقتل واغتصاب الأطفال من قبل الميليشيات عينها.

قد يكون ثمة رغبة للنظام وحلفائه لمعاقبة المدينة المتمردة فهذه سياسة الأسد الأب بعد أحداث الثمانينات وترك الميليشيات تفتك بها، لكن هذا يصح لولا أن مثل هذه المظاهر متكررة في مدن مثل اللاذقية وحمص ودير الزور بل ودمشق وريفها أيضاً، ثمة الكثير من الشواهد على ذلك.

المؤشر الثاني في حاجة النظام إلى المقاتلين وتهتك جيشه، بعض الأرقام تقول إن المجندين لا يتجاوزون 100 ألف مقاتل، يشهد لذلك إجراءات منع السفر لمن هم في سن التجنيد، ورفع سن التجنيد، وإجبار المعتقلين على القتال في الجبهات، وإجبار شباب مناطق “المصالحات” على الانضمام للجيش أو الالتحاق بإحدى الميليشيات المحلية أو الأجنبية التي تقاتل مع النظام.

المؤشر الثالث تفشي النزعة الأمنية، والرغبة بالانتقام من السكان، انتشار الاعتقال والاختفاء القسري والمماطلة في ملف المعتقلين في أستانة، واعتقال وقتل أو اغتيال قادة المصالحات، ومنع عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق التي سيطر عليها، بدا هذا واضحاً للغاية في درعا وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، لم يتم تنفيذ أي من بنود الاتفاق لمن بقي هناك.

المؤشر الرابع الخوف من عودة اللاجئين والنازحين، خوف مركب الأبعاد، من هذا فإن عودة هؤلاء تهدد مخطط النظام في “الانسجام” السكاني وتنقية المجتمع من معارضيه، وإفشال مشروع التغيير السكاني الذي تقوم به إيران ومن جهة ثانية فإن عودة هؤلاء سيكون مدعاة للقلق في مدى بسط السيطرة الأمنية، وزيادة في المخاطر السياسية على النظام واستقراره، ثمة عمل ممنهج لترهيب السكان من العودة ورغبة في عدم توفير أي ظرف ملائمة وآمنة لعودتهم، ليس هذا أمرا اعتباطياً، في مقابل تسويق إعلامي وبدون أي معنى ضمانات لعودة اللاجئين، وحاصل هذا السلوك المتناقض هو أن النظام يريد أن يتم التعاطي معه وإكسائه الشرعية الدولية بغض النظر عن سلوكه.

المؤشر الخامس فقدان الموارد المالية والعجز عن إعادة الإعمار، بل العجز عن توفير الرواتب للوظائف المدنية، هنالك دائما تأخير، والأموال المتدفقة من إيران تذهب في معظمها للمقاتلين في الميليشيات الشيعية الأجنبية والحد الأدنى من بقاء النظام على قيد الحياة، هذا ما يجعل النظام غير قادر على تأمين بدائل للميليشيات التي تسيطر على الأرض والتي قاتلت معه.

المؤشر السادس ترك المتضررين بدون أي تسوية تساعدهم على لملمة جراحهم وفتح أفق جديد للحياة، أساساً النظام عاجز عن تقديم ذلك، ليس ثمة تعويض ولا رفاه ينتظر يأمله السوريون تحت سلطته، ليس ثمة أي نوع من الأمل، ثمة خوف وقلق من المجهول، وهذا ذاته لغم كبير سينفجر سريعاً، ثمة دماء كثيرة سالت، وثمة بيوت كثيرة هدمت فوق أصحابها، من يمكنه تعويض هذه الخسائر وجبر الضرر؟ وكيف يمكن ذلك دون أن يشعروا بالأمل؟

المؤشر السابع فقدان السيادة على المناطق التي يسيطر عليها النظام بالمطلق لصالح إيران، التي تتغلل عبر أجهزة الدولة والمجالس المحلية والمؤسسات الخيرية وتجنيد السكان المحليين في ميليشياتها الأجنبية المتعددة الجنسيات وإنشاء أحزاب وتنظيمات سياسية والمؤسسات الاقتصادية وقطاعات الدولة الحيوية مثل الاتصالات والطاقة، فما تريده إيران لم يعد ممكنا للنظام أو روسيا أن يمنعانها منه، باختصار إيران جوّفت النظام ونخرته تماماً، سواء في الأجهزة الأمنية أو العسكرية وهي تسير قدما وبشكل ممنهج ومدروس باتجاه ترسيخ أقدامها لجعل اقتلاعها من سوريا مستحيلاً، وتجعل بقائها دائماً.

المؤشرات السبعة تقول إنه لم يبق من نظام الأسد إلا بقايا نظام، وتسعى جميع القوى المستفيدة من هذا الوضع الإبقاء على صورة النظام والعمل في ظلها، كل حلفاء النظام يفعلون ذلك، ويعني ذلك بالضبط أن المنطقة تحت النظام مستباحة لجميع الحلفاء، ولا يملك النظام أن يقدم للسوريين تحت سيطرته إلا مزيداً من الضغط الأمني وقتل أي أمل بالمستقبل.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل