تعتبر الوساطة الدولية واحدة من الأساليب لفض النزاعات في الوقت المعاصر عن طريق تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة بمساعدة دولة أو شخص محايد للوصول إلى حل ودي يرضي جميع الأطراف. ويشترط في الوسيط أن يكون حيادياً وغير منحاز لأيّ طرف وألا يكون له أي سلطة في التأثير على صنع القرار، وتلجأ المنظمات الدولية في الوقت الحالي إلى الاعتماد على شخصيات ذات شهرة واسعة لتلعب دور الوسيط بدل الدول.
أما في سوريا فيجوز قلب الموازين والقواعد الدولية حسب أهواء كل دولة لها مصلحة في تدمير بنيتها بل والمشاركة بشكل أو بآخر في القضاء على الفكر الحر ومنع أي حركة ثورية تنادي بتغيير النظام الحالي، ولم تكتف القوى العالمية بمنع إسقاط النظام السوري بل ساهمت مباشرة بدعمه للصمود وإعادة إحيائه من جديد بعد أن وصل إلى مرحلة الانهيار وتقديمه للمجتمع الدولي وللشعب السوري كخيار وحيد لا بديل عنه.
فبعد عدة أشهر من إنطلاق الثورة السورية رأت الجامعة العربية (بفضل خبرتها في حل مشاكل الشعوب العربية) أن تبتعث (الدابي) على رأس فريق كان عملهم أشبه بعمل المهرجين حيث استطاع النظام أن يغير جلده أمامهم ويصبح هو المدافع عن حياة شعبه ضد بعض (القتلة المأجورين خارجياً) فكانت مهزلة أصابت الشعب السوري بالذهول من هذا المشهد الدرامي حيث عجز هذا الفريق عن رؤية الأبنية المدمرة بفعل الآلة العسكرية عن سماع أصوات الرصاص التي تطلق على المتظاهرين وحتى هم لم يأمنوا على حياتهم عند خروجهم عن الخط المرسوم لهم من قبل النظام.
وعندما أعلنت الجامعة العربية فشلها في الوصول إلى حلّ يضمن بقاء السوريين تحت حكم الأسد رفعت شكواها إلى أسيادها واقتصر دورها على المراقبة، هنا كانت الفرصة سانحة للأمم المتحدة كي تبرهن للعالم مدى فشل العرب في حل مشاكلهم وعدم قدرتهم على ممارسة حقوقهم بدون وصاية، ومن هنا بدأت شرعنة النظام عندما طرح مفهوم الحوار بين الضحية والجلاد من قبل مبعوث الأمم المتحدة كوفي عنان بحجة منح المعارضة المشاركة في العملية السياسية و(الشرف) في محاورة النظام الأمر الذي أنهى حلم الشعب بإسقاط النظام كمطلب أساسي وصناعة معارضة على مقاس الأمور التي يريد النظام التنازل عنها.
لم يكن الأمر يحتاج إلى كل تلك الوفود وتغيير المبعوثين كل فترة لو لم يرد أصحاب القرار الحقيقي إطالة أمد وحياة النظام، فقد بات معلوماً أن إضاعة حقوق الشعوب تكون بتحويلها إلى دهاليز الأمم المتحدة وكذلك فعلوا بحق الشعب السوري فمن إتفاق جنيف إلى سوتشي تآكلت الثورة السورية وخرجت من أيدي ثوارها الحقيقيين لتصبح فريسة قرارات شخصية بصيغة دولية تصب في مصلحة النظام وأعوانه أولاً والمحسوبين على الثورة ثانياً.
لم تكن الرؤيا واضحة في طرح الإبراهيمي للحلول ولم يضع خطة أساسية للعمل عليها بل كان هدفه فقط تدويل المسألة وترك المجال مفتوحاً لجميع الاحتمالات وخاصة أن كفة الثورة كانت هي الراجحة لذلك لم يتبلور أي طرح يمكن السير به إلى نهايته.
بعد أن تبين للدول ذات العلاقة أن النظام في حالة يرثى لها كان لابد من رفده بجرعات مختلفة سواء عسكرية أو سياسية حتى يظل واقفاً على قدميه، وهنا جاء الرجل المناسب إلى المكان المناسب ديمستورا ومن خلال تجارب المبعوثين السابقين وفشلهم استطاع أن يغير الحسابات الدولية بطرحه لفكرة (مناطق خفض التصعيد) وحصل على تأييد عالمي وخاصة بعد أن وجدت تلك القوى نجاحاً لهذا الطرح في مساعدة النظام للسيطرة على حلب أولاً ثم بدأ بالعمل على إنشاء طرفين دوليين مهمتهما التأثير على النظام والمعارضة وإن لزم الأمر التصرف بدونهما فأصبحت الكرة في ملعب النظام وحلفائه وتمسكوا بأفكار ديمستورا الذي لم يعد يهمه الإتهام بالانحياز لطرف النظام بل تابع عمله بمباركة الأمم المتحدة وحتى الدول التي كانت تقف إلى جانب الثورة السورية فحصل النظام على خدمات مجانية وكلما أحس بوقوعه في مأزق يعود إلى التمسك بديمستورا وأفكاره.
عذراً التعليقات مغلقة