نزار غالب فليحان
البحث عن الحياة بين تفاصيل الموت، كان دأب “عزيز بنبين” ورفاقه الذين انخرطوا (أو تورطوا) في محاولة انقلاب عسكرية عام 1971 على الملك الحسن الثاني ليلة احتفاله بعيد ميلاده في قصره في مدينة الصخيرات.
ثمة قبور لموت مؤجل، تلك زنزانات الاعتقال التي تظل تضيق حتى آخر نَفَسٍ، هناك حيث يحلم شاغلها ببصيص نور يطمئنه أن الحياة مازالت مستمرة.
يقوى “عزيز بنبين” على الموت في زنزانة “تزمامارت” وينتصر عليه في جولات عديدة في حين يقضي ثلاثة وعشرون من رفاقه بأساليب موت مختلفة يصورها لنا “بنجلون” بدقة وبكاميرا كأنها احترفت صورة الوجع وبلغة أدبية عالية الحساسية حد بلوغها تخوم الشعر.
يتصاعد الألم في الرواية مع تراكم ضحايا المعتقل بتراكم أيام الاعتقال، ويضمحل أمل المعتقلين بالخلاص إلا إلى قبور أعدها لهم النظام الحاكم وأعد لها (القبور) الكلس الحارق الذي كان كفيلاً بإخفاء أي أثر لجثة أطعمها السجَّانون للتراب.
في هذا الخضم وتحت وطأة انتظار الموت، يعرض “عزيز بنبين” حكاية أسرته وعلاقته المضطربة مع والده القريب من السلطة والخاضع للملك حدَّ تَبَرُّئِهِ من ولده “عزيز” المتورط في الانقلاب على جلالته.
إلى أن يُكشف أمر معتقل “تزمامارت” بعد سبعة عشر عاماً على اقترافه حين يتسرب خبر وجوده إثر تمكن أحد السجانين من تأمين ورقة وقلم للمعتقلين ليدفعوا برسالة إلى قريب أحدهم تفضح أمر المعتقل وانتظار من تبقى من المعتقلين الموت، تصل الورقة إلى ناشطة تدعى “كريستن” التي تعرض بدورها الأمر على الرأي العام الذي يباشر بدوره الضغط على موقع الجلالة الذي أذعن نهاية الأمر وأطلق سراح من بقي على قيد الحياة من المعتقلين.
يعود “عزيز بنبين” إلى أهله بعد فترة علاج رُكاماً مستلقياً على ظهره منتصراً على موت العتمة منتظراً موتاً آخراً، موت النور والعلن.
تضيف “تلك العتمة الباهرة” منجزاً أدبياً جديداً إلى منجزات أدب المعتقلات من منصة المراقب الذي لم يجرب تلك العتمة ولم ينتظر موتاً مؤكَّداً مُتَكَتَّماً عليه، لتأتي الرواية بحلة أقرب إلى الشعرية أبعد عن التوثيق ربما تصيب أبطالها الحقيقيين (ضحايا الاعتقال) بألم مضاعف حيث كان عذابهم مطية إبداع لغيرهم في الوقت الذي يفكر هذا الغير (الروائي) بطريقة مختلفة من موقعه ككاتب يرى أن من واجبه، لا بل إن رسالته أن يمارس دوره الإيجابي حين يكتب نصه الروائي لكي يفضح من جانب ممارسات نظام قمعي أدمن القتل ويبرز من جانب آخر نضال أبطال نصه الروائي، جدلية ستبقى مفتوحة على كل الآراء و المواقف.
لكن الجدلية الأكثر رسوخاً هي جدلية القمع/ الحرية، التي لا يبدو أن لها أجلاً محتوماً وستبقى الشغل الشاغل لكل طالب حرية ساعٍ إلى غدٍ يتسع فيه العالم للجميع.
عذراً التعليقات مغلقة