خلال زمن طويل ساد الإعتقاد بأن المتكلمين بالعربية المسلمين في البلاد العربية هم من أصول منحدرة من الجزيرة العربية. وهذا الاعتقاد منتشر في أوساط العامة ولكن حركات سياسية مثل البعث والقوميين العرب استغلت هذه الفكرة وركبوها لتثبيت إيديولوجياتها القومية العرقية، ونتج عن هذا إجحاف وأحيانا عنصرية بحق بعض الأقليات اللغوية.
هذا الزعم كان من أقوى الحجج التي استخدمتها التيارات المتشددة وحتى المعتدلة في الأقليات اللغوية (ولا أقول العرقية) والدينية لتقول للناطقين بالعربية أنتم غرباء قادمون من الجزيرة العربية ونحن أصحاب الأرض والبلد الأصليون. أنتم محتلون ونحن مضطهدون مظلومون من قبلكم خلال ألف وأربعمئة سنة. وسمعت خلال الثورة السورية من بعض أبناء هذه الأقليات شتائم عنصرية فظيعة مثل ارجعوا إلى صحرائكم أو أنتم تشربون بول البعير وغيرها.
دراسة سريعة تكفي لاكتشاف أن علاقة سكان البضع وعشرين دولة عربية بالجزيرة العربية هي أساساً ثقافية وليست انحداراً نسبياً أو هجرة جماعية كما يتصور البعض. إن سكان سورية الحالية هم مزيج من الشعوب القديمة التي سكنت البلاد خلال آلاف السنين. آشوريون وكنعانيون وآراميون وفينيقيون ويونان ورومان وأتراك وأيوبيون وشعوب مهاجرة أو غازية من آسيا ومن القوقاز ومن البلقان وأيضا أفارقة، كلها تركت أثراً ونسلاً في سورية.
الأقليات اللغوية والدينية التي تلجأ لهذه النظرية هي نفسها في وضع هش ومزاعمها سهل الطعن بها. وجود الأكراد في سورية هو نفسه نتيجة لهجرات قديمة وحديثة لشعوب قادمة من الشرق الشمالي ومن الجبال وهم أيضاً خليط من الشعوب المحلية والمهاجرة. أما المسيحيون فمن المعروف أن منهم كثيرين قدموا من الدولة البيزنطية ومن اليونان ومن آرمينيا وجورجيا وأنهم مثل باقي السوريين مزيج من الأعراق والأصول.
هذه حقائق تاريخية والجميع اندمجوا في الحواضر وفي الريف ويكفي اأن نتفحص في المعالم وفي الوجوه لاستنتاج هذا. كيف يستطيع شخص لا نكاد نعرف أصله أن يقول لسكان تدمر والسخنة وجبل الزاوية وجبلة أنتم غرباء محتلون؟.
العنصر العربي له دور هام في الحضارة وهو السائد ثقافياً ولغوياً لكنه ليس الوحيد. أسطورة الأصول العربية قد يكون لها جمالية وشعور عاطفي عند كثيرين لكنها أسطورة قابلة للاستخدام السياسي الضار. وأسطورة أن ذوي الأصول والديانات الأخرى هم سكان البلد الأصليين هي أسطورة مزدوجة الغباء والحماقة وأحياناً الخبث العنصري فهي تأخذ النظرية العروبية وتضيف عليها نظريتها الذاتية.
Sorry Comments are closed