اختصر مستشار الرئاسة الأميركي، جون بولتون، مهمات الوجود الأميركي في سورية بنقطتين، إلحاق الهزيمة بمسلحي “داعش” بشكل كامل، وإخراج إيران من سورية. يوحي التشديد على عبارة “بشكل كامل” بوجود طويل الأمد، وكأن الإدارة الأميركية قرّرت أن تبقى هنا في سبيل إنجاح خطتها لكن ضد إيران.
كان بولتون يقول ذلك، قبيل لقائه نظيره الروسي في جنيف نيكولاي باتروشيف، وإذا أضفنا إلى تصريح بولتون ما قاله المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي، برت ماكجورك، إن إدلب تمثل أكبر تجمع آمن لأعضاء “القاعدة” منذ “11 سبتمبر” في العام 2001، سيبدو معنى تحديد المهام الأميركية في سورية هو إطلاق يد روسيا نحو إدلب، ولكن بشكل حربٍ تقليدية، فلم ينسَ المسؤولون الأميركان إطلاق تهديداتٍ جدّية بالرد في حال تم استخدام أسلحةٍ غير تقليدية، وحذت فرنسا وبريطانيا حذوَ أميركا في ذلك، والتهديدات من هذا النوع لا ترتبط بذكرى قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي، فذاكرة هذه الدول لا تستوعب حدثاً من هذا النوع، وقد تمت مقايضته عبر اتفاقية تحقّق مصالحها.
تبقى تركيا العامل الرئيسي في حالة إدلب، فعليها فقط يتوقف مصير المدينة، والهم بشكل أساسي إنساني وإغاثي، فمن المتوقع حدوث موجات هجرة كثيفة في حال نشوب الحرب، وإن كانت بأسلحة تقليدية فقط، وينذر الشكل العام للسياسة الدولية بأن هذه الحرب لا بد واقعة، فقوات النظام تتجمع بكثافةٍ على حدود المنطقة، وخصوصا على محور (جسر الشغور- أريحا)، وهو المحور نفسه الذي غادرت قوات النظام المدينة عبره، ويبدو أنه يؤمّن لها حركة سريعة، ومواقع أكثر استراتيجية، كالطريق الدولي الذي يتصل مع قلب إدلب المدينة.
لكي يبقى الملف السوري مفتوحاً على الطاولة، عيّن الرئيس ترامب مبعوثاً خاصاً لسورية، يدعى جيمس جيفري، تجاوز عمره السبعين عاما، لكنه على دراية بالمنطقة، وخدم سفيرا في تركيا والعراق، وقضى بعض الوقت في الكويت، وكان من مهندسي القضاء على نظام صدام حسين. لم يزر سورية من قبل، لكنه على دراية بها، ولديه قدرة خاصة على التعامل مع مليشيات إيران، إذ كان يعمل على مقربةٍ منها، عندما كان سفيرا في العراق، وخبر طريقة التحرّك الإيراني على الأرض، باستخدام وكلاء عسكريين من شاكلة هذه المليشيات، الملف الذي يحمله جيفري هو النقطتان المهمتان اللتان يرغب بولتون في تحقيقهما في سورية، وسيكون على هذا المبعوث العمل عليهما. وقد تفصح خبرة هذا الرجل في تركيا بالذات عن رغبة أميركية في الاقتراب من تركيا بشكل أفضل، وإعطائها مساحةً في العملية إلى جوار أميركا، والتركيز على الجانب السياسي للأمر يعني محاولة ترميم العلاقة مع بعض الوجوه السياسية في المعارضة السورية.
يمكن أن يبدأ جيفري التجوال في المنطقة، وخصوصا بشأن إيران، فجزء كبير من مهمته موجّه نحوها تحت مسمياتٍ سوريةٍ، وقد جاء تعيينه على خلفيات إحدى مهمتَي بولتون للوجود الأميركي في سورية، وقد يزور تركيا، ولديه ذكريات خاصة بها، وقد تُحدث زيارتُه عوامل تقارب جديدة، ولكن عليه قبل ذلك أن ينتظر ما ستسفر عنه معركة إدلب المقبلة، خصوصاً أن سيناريو الحرب فيها غير معروف، فهي لا تشبه المناطق الأخرى، وفيها خزانٌ بشري ضخم سيقع تحت التهديد مباشرة، ويمكن أن تخلف الحرب موجةً إنسانية كبيرة، وليس من المضمون أن يستطيع النظام ضبط نفسه بعدم استعمال أسلحة محرّمة قد تثير حفيظة الكبار. وعند ذلك، قد يتغير مسار اللعبة من أساسها، وتصبح مواجهة إيران في سورية أمراً لا مفرّ منه، وقد لا تستطيع روسيا نفسها منع مواجهة من هذا النوع، وهي العالقة هناك، على حد تعبير بولتون نفسه. وقد تزيد معركة إدلب مقدار التورط الروسي، ويمكن عندها أن تطلب مساعدة صريحة من أميركا، وسيكون ثمنها بلا شك رأس إيران في سورية.
عذراً التعليقات مغلقة