رزق الحرب لا يدوم

ياسر الأطرش11 يوليو 2018آخر تحديث :
رزق الحرب لا يدوم

لا بد من الإشارة أولاً إلى أن الرزق هو ما ينتفع به الإنسان حلالاً كان أو حراماً وفق كثير من المفسرين، وليس جميعهم.

وفي الحروب؛ تنشأ مهن وتستجد حِرَفٌ – جوازاً- مرتبطة بالحرب، أكثرها سلبي يقوم على امتهان السلب والنهب والخطف والتهريب وقطع الطرق… وبعضها إيجابي يقوم على ترميم آثار الحرب في النفوس والأبدان والممتلكات…

وقد شهدت الحالة السورية كل ما يخطر ولا يخطر على قلب بشر من تلك المهن، فنشأت أسواق للمسروقات عُرفت بـ”أسواق السنة”، بِيع فيها جنى عمر ملايين السوريين بثمن بخس، كما ازدهر تهريب البشر وصار تجارة رائجة، وكذا الخطف بغية طلب فدية، والمخدرات وتجارة السلاح… إضافة إلى مئات المهن الوحشية التي أنضجتها الحرب على نار الحقد وغريزة البقاء على حساب إفناء الآخر أياً كان.

ومع تشوق وتلهف السوريين إلى اللحظة التي تعلن انتهاء هذا التوحش واندثار تلك المهن وأهلها، أو محاسبتهم عما اقترفت أيديهم من وبال، ننظر بأسى وألم إلى مهن أخرى وأرزاق حلال بدأت تنقطع مع حاجة المجتمع الماسة لها، ذلك أن الداعم ملَّ طول الحرب وارتفاع التكلفة، فصور لنفسه أن الحرب قد وضعت أوزارها وأزف رحيلها، علماً أنه يعلم أن ذلك خلاف الحقيقة، وأن المحتاجين لخدمات أساسية شتى ما زالوا يعدون الملايين من أبناء الشعب السوري المنكوب بكافة فئاته وشرائحه.

فمنذ العام 2017 بدأت كثير من المنظمات الأوروبية والأمريكية وغيرها بمغادرة الوجع السوري وترك الجرح مفتوحاً على احتمالات منها الموت أو ما هو أصعب منه، واستمر الحال واستشرى في العام الجاري، لتنقطع أرزاق آلاف السوريين العاملين في تلك المؤسسات، ويُحرم المستفيدون من خدمات طبية ونفسية وإنسانية كانوا وما زالوا يتعلقون بها طوق نجاة وجسراً ربما يفضي بهم إلى النجاة من نكوص لا يرون أملاً بعده.

صحيح أن تلك المنظمات والمؤسسات شهدت حالات فساد ومحسوبيات وإهمال ومحاباة… كثيراً أو قليلا.. لا يشك متابع في ذلك، إلا أنها قدمت خدمات جليلة لمئات آلاف المحتاجين، فأنقذت أطفالاً من اليأس النفسي والقصور الجسدي، وانتشلت آباء وأمهات من هوة العوز وقدمت مفتاح نجاة يطل على إمكانية المستقبل، ليجد العاملون في تلك المؤسسات والمستفيدون من خدماتها أنفسهم على أبواب الخيبة مجدداً، تائهين في عراء الأسئلة المغلقة على نفسها بلا أجوبة.

ولأن رزق الحرب وما ينتج عنها لا يدوم، فإن هذه النهايات كانت متوقعة، ولكن ماذا يفيد التوقع في ظل انعدام البدائل؟! فلا العامل ولا المستفيد لديهم سعة البحث في المجتمعات المضيفة الغريبة عن حلول معقولة، ولذا تجد الصدمة قد جمدّت تفكيرهم وأعادتهم إلى دائرة الإحباط من جديد.

وإن كان للدول الداعمة حساباتها السياسية والاقتصادية، فإن بعض المجالات يجب أن تكون أكبر وأسمى من تلك الحسابات، وأعني هنا ما يختص بتقديم الدعم الصحي والنفسي وما يتعلق مباشرة بالحفاظ على النفس البشرية والحياة، وكذا المؤسسات التي تُعنى حقيقة وبإخلاص بشؤون الفئات الأشد ضعفاً في بلدان اللجوء والداخل السوري على حد سواء.

وأخيراً: فإن معظم تلك المؤسسات – فيما يبدو- لم تكن إلا جزءاً من حالة سياسية على الرغم من مزاعم استقلاليتها ومدنيتها، فهم يعلمون أن معالجة آثار الحرب تحتاج سنين بعد الحرب وربما عقودا، أما ترك من طحنتهم الحرب لمصائرهم فليس من الإنسانية المدعاة في شيء، حتى إنه ليمحو كل أثر لما قُدم سابقاً من خدمات، فترك مريض السرطان في وسط العلاج هو أبشع من عدم علاجه، مع إيماني بضرورة غلق كثير من المنظمات التي علمت بعض الناس الكسل والاتكالية والعيش على فتات المانحين، فاللاجئ السوري الشريف يحتاج عملاً كريماً يؤدي إلى حياة كريمة، وليس إلى معونات تجعله مع الوقت صاحب اليد السفلى، إلا الفئات الأشد ضعفاً التي يتحتم علينا كسوريين ومؤسسات دولية تبنيهم حتى يبلغوا أشدهم أو يملكوا وسائل العيش الكريم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل