كأنها أيام مرّت علينا قبل أكثر من سنة، وقبل شهور، نعم نفسها تلك الأيام التي كنا نداعب مشاعرنا فيها إبان حملة نظام الأسد على مدينة حلب قبل أكثر من عام، وكذلك حملة النظام على الغوطة الشرقية قبل أشهر، نفسها أنفاس النصر تتسلل إلينا بداية الهجوم، وعند إعطاب أول دبابة لجيش الأسد يبدأ شعور الخوف بالسيطرة على جوانب الروح.
سقطت حلب والغوطة وقبلها مناطق كثيرة، وها هي درعا مهد الثورة تسير على نفس الطريق متروكة وحيدة تجابه العدوان الثلاثي، لا ناصر لها إلا الله وبنادق أولادها الذين اختاروا الموت على التهجير.
كأنه سيناريو رسمت أحداثه في موسكو وبدأ تطبيقه على الأرض، حيث منح دور البطل للأمريكان الذين قالوا لن نسمح لكم بالهجوم على درعا، لكن ما لبث البطل أن التهم تصريحاته وانسحب من الساحة بطلب المخرج الروسي، ويلعب المجتمع الدولي دور الجمهور وأهل درعا ضحايا.
تقدمت قوات الأسد بعد أسبوع من القصف وسيطرت على مناطق جديدة في محيط مدينة الحراك وبصر الحرير والمليحة الشرقية والغربية ومناطق من اللجاة، ويعتبر هذا التقدم استراتيجي للغاية وخرق لمناطق المعارضة التي لم تتمكن من الحفاظ على مواقعها بسبب شدة القصف الروسي على المنطقة.
ولم يفلح استخدام المعارضة لصواريخ أرض جو المضادة للطائرات في الحد من عمليات القصف الجوي الروسي، ورغم اصابة طائرتين إلا أن الحقد الأسدي ازداد ووصلت نيرانه إلى حدود اسرائيل، ورغم امتلاك المعارضة لصواريخ “تاو” الأمريكية المضادة للدروع ونجاحها بعطب آليات عدة للنظام إلا أنها لم تفلح بقلب ميزان المعركة حتى الآن، فتقدم قوات النظام لا مفرّ منه ولا رادع له طالما أن الروس يعتمدون على سياسة الأرض المحروقة ويهدمون المدن على رؤوس ساكنيها دون حرج أو خجل من مجتمع دولي متفرج أو من حرمة دماء لأطفال مزقتهم قاذفات الروس إرباً.
ليس الروس والنظام وحدهم من يريد سقوط جبهة الجنوب السوري، بل الأردن والمجتمع الدولي لديهم نفس الرغبة، حيث منع الأردن اللاجئين الفارين من درعا من دخول أراضيه، ويقوم حرس الحدود الأردني بإطلاق النار مستهدفاً كل من يحاول دخول أراضي المملكة، وهذا ربما يشكل ضغطاً هو الأكبر على فصائل المعارضة والتي لن يكون بمقدورها أن تتحمل فوق طاقتها، فتجمع النازحين في القنيطرة وعلى حدود الأردن سيكون ورقة ضغط لصالح النظام، فالمجازر التي يرتكبها هو وروسيا بحقهم ستدفع قوات المعارضة السورية للتنازل وربما التراجع وخلق قناة تواصل مع النظام يكون عرابوها هم الروس كالعادة، ويتطبق الحل الروسي في درعا، ولربما إن استمر قصف الروس والنظام على البشر والحجر في حوران شهراً آخر سنرى أهالي حوران في الشمال السوري مالم يتدخل المجتمع الدولي عامة ودول أستانة خاصة لوقف تلك المذبحة.
منطقياً، كل المؤشرات تقول أن المعركة ستستمر فترة طويلة وسيدفع الأهالي فاتورتها ولكن ما هو الحل الداخلي الوحيد لوقف حمام الدم في حوران؟
تسريبات عن اجتماعات حصلت في الشمال السوري بين كبرى الفصائل خلال اليومين الماضيين بهدف تشكيل غرفة عمليات مشتركة على خطوط التماس مع قوات النظام في ريف حماه وإدلب واللاذقية وحلب، كذلك هناك مطلب شعبي بأن تتحرك فصائل الشمال لإنقاذ الجنوب، وهو مالم يحصل أثناء هجوم النظام على الغوطة، لكن هذه المرة هناك نبرة عالية الصوت من تركيا تقول أوقفوا خرق الاتفاق وإلا خرقناه في الشمال، حيث الفصائل تمتلك عدّة وعدداً يمكنها من الوصول إلى مطار حماه العسكري خلال أسابيع قليلة، وهي ربما تكون ورقة الضغط الداخلية الوحيدة، فإطلاق معركة في شمال حماه وإحراز تقدم سيكون له أثر كبير على معركة الجنوب السوري، فالجميع يعلم أن النظام سحب معظم عناصره باتجاه الجنوب وأبقى على الشبيحة وبعض عناصر المخابرات في معظم مدن شمال حماه، فالوقت مناسب حالياً لهكذا هجوم تشنه المعارضة فالسبيل للدفاع هو الهجوم.
Sorry Comments are closed