سيرة ذاتية ناقصة لحصان مُرهَق (2)
“فهرس الرحيل”
أحمد بغدادي
***
أمام النافذةِ، خلفها.. لا تحصِّ النجومَ والكواكبَ وتنتظرُ قمراً مكتملاً كدهشةِ القتيلِ حينما تُقبّلهُ الرصاصةُ؛ أنتَ الآن وحدكَ في حَجْرِ المنفى، يهدْهدكَ الوجدُ على ساقيهِ.. وسوف تكبر، ساهِماً أمام مرايا عمركَ، كحقلٍ جفَّ أمام قبلاتِ العشاقِ المنهزمين.
لكَ هذي المنافي.
لكَ الحرُّ والقَرُّ والفيافي.
لكَ كلُّ الحدائقِ الفارغةِ، لكَ الأزهارُ القتيلة، وأوراقُ الأشجارِ وخطواتُ الغابرينَ عنها، ولكَ الضُحيكاتُ الخجولةُ بين الأزقّةِ الضيّقةِ كالفرحِ في قلوبِ الأمّهات!
لكَ، فقط الأمنياتْ.
لكَ الأوارُ والتلظّي والتأجّجُ والتلجْلجُ والتشظّي .. ولكَ الغرقُ في الشتاتْ!
فخُذْ ما شئتَ من الذكرياتِ في حقيبةِ قلبكَ، وارمِ مفاتيحَ الأوطانِ في لجّةِ النسيانِ، ولا تتعثّر بالحنينْ!
.
.
الحزنُ جنينْ… سوف يكبر قبلكَ، ويقودكَ من ساعِدِكَ إلى الغسقْ، حيث الهاويةُ أمام قدميكَ، ويشيرُ بسبّابتهِ نحو البلاد البعيدة، نحو السهولِ والتلالِ اليباب، نحو المنازلِ المحطّمةِ والنوافذِ الشاهقةِ والأبوابْ؛ فلا تتسربلِ الضياع!
أنتَ، الطريدةُ ها هنا.. والفريسةُ بين أنيابِ الضباعْ؛ أنتَ المُضمَّخُ بالهزائمِ، أنتَ الشهيُّ على الموائدِ والولائمْ!
أنتَ عنوانُ السُبابِ والشتائمْ، على ألسنةِ الأشقاءِ وفي كلِّ المعاجمْ.
لكَ هذي المنافي.
لكَ الحرُّ والقَرُّ والفيافي.
لكَ الخيامُ وأطْنابُ السُّرادِقْ.
لكَ البراري والصحاري، ولهم القصورُ والقيانُ والجواري.. والفنادقْ.
لكَ حدودُ الأوطانِ والدولُ (الصديقة)..
لكَ برامجُ الأغذيةِ العالميةِ والشعاراتُ الأنيقةْ!
لكَ الصواريخُ والراجماتُ والدباباتُ والقذائفْ ..
يا ساكنَ الرحيلِ، والعويلِ والبكاءِ أمام الجماهيرِ المُخبّئةِ في جيوبِ المعاطفْ!
يا ساكنَ الرحيل …
من الذي قرأَ على دمكَ سيرةَ الحروبِ وأهداكَ الوصيــــــهْ؟
من الذي استبدلَ باقاتِ الزهورِ بالبندقيّـــــه!؟
من همُ الذين حملوا نعشكَ نحو القبورِ القَصِيَّــه؟
أشقاؤكَ؟ … من الخليجِ إلى عُمانْ !
أجدادُكَ؟ .. مِن تُرهاتِ “صِفّين” إلى بيعِ الأوطانِ بالمزاداتِ والتبوّلِ على القضيّــــه!
لكَ هذي المنافي.
لكَ الحرُّ والقَرُّ والفيافي.
لكَ المجزرة، وأموالُ البنوكْ..!
لكَ العدالةُ الانتقاميّـــه ..
لكَ الشهاداتُ الممْهورةُ من القتلةِ أيها القتيلُ في “حُسنِ السلوكْ”!
لكَ المنظّماتُ والأحزابُ واللقاحاتُ والحافلاتُ الخضراء؛ ولكَ، بقّعةُ أرضٍ في وطنكَ، تدقُّ فيها أعمدةَ الخيامْ.
وتشكرُ العربَ، وشفتيِّ ملكِ الخليجِ الرائعتين، وعباءته، وأسرتهُ، ووليَّ العهدِ، ودولَ مكافحةِ _الإرهابِ_ وجاركَ “العلويّ والسنّي والشيعيّ ” والعميلَ السرّيّ، وتشكرُ الأممَ المتّحدةِ على قتلكَ ودفنكَ دون هويـــّـــه!
فلا تحصِّ النجومَ، لم يعد هنالك سُطوحٌ ولا حتى نوافذ.. تلوّحُ عبرها للقتلى الذاهبينَ إلى قوائمِ الإحصاءِ في أرشيفِ الإلهِ والمراكزِ العالميّــــــه!
لا تندهش البتَّة ..
يخلقونَ لكَ الدهشة!
يصنعونَ لكَ الحروبَ ويوزّعون القبورَ النظيفةَ على أبنائكَ بالتساوي!
يخلقونَ الحروبَ ويتبجّحونَ بخبراء الإرشاد النفسيّ والمبعوثين الأمميين لترتيب الركامْ!
يشربونَ دمكَ بجماجمِ أطفالكَ ويتحدّثون عن السلامْ !
يرسمونَ حتفكْ ..
وحاضركَ وأمْسَكَ .. ومستقبلكَ، ويرمونَ لكَ فتاتِ عمركَ أمامَ قدميكَ كي تنسى ثأركْ.
عاشتِ الحرية ..
يحيا جلالةُ الملك المفدّى وشكراً موصولاً لأرزِ المندي ولحم أطفالنا ..
تحيا قراراتُ قيادةِ المرأةِ لبعير الدفعِ الرباعي..
عاش نفطُ ليبيا والشعبُ الإيطالي وحفتر.
شكراً لفحلِ الأردنِ وأخوالهِ في تل أبيب ولندن.
شكراً لملامحِ أبومازن القذرة وللأمير ويليام ولشيوخ القدسِ والصهاينة.
عاش بسطارُ الطاغيةِ في الشامِ والشعبُ المتجانس.
ما أجمل الــ NGO والعصافير والبيتزا والثورة وبلدان الهجرة في كندا وباريس والسويد.
تحيّة معطّرة لبقرِ هولندا وروثِ منظمات المجتمع المدني الحلوب.
مليونَ دولارٍ محروق لذقنِ قائدِ جيش الإسلامِ من الائتلاف السوري المناضل.
شكراً للجنرالِ الغبيّ العصاميّ على أرضِ مصرَ الطاهرة.
قبلاتٌ حارّة لقيصرِ روسيا من مشجعي كأس العالمِ في الكعبةِ وكربلاء.
شكراً لمعارضةِ موسكو ولمؤخرةِ القسّيس ولعابِ أعضاءِ منصّةِ القاهرة.
شكراً للمعارضةِ الداخليةِ والبوليّةِ الداعرة.
تحيا الديمقراطية في توزيع القبورِ والمجازر على أبنائنا.
شكراً أمريكا الرؤوم وللصواريخ الذكية..
شكراً لإدارةِ البيت الأبيض ولشركات المكياج العربية والعالمية.
شكراً لخرافِ الخليج الخانعينَ تحت مُدْيَةِ “ترامب”.
شكراً للصين والعيونِ الواسعة
ولقطر وسندويشة الفلافل الملغومة وعقال حَمد..ولطائراتِ البحرين الشقيقة تنثرُ على المدن السوريةِ ورودَ الفاجعة.
شكراً للقناصِ التركيّ على الحدودِ يصوّرُ قلوبَ الأطفالِ وأصداغهم.
شكراً لزواج المتعةِ بين القرداحةِ وطهران..
شكراً لمِئزَرِ الخامنئي وإسهالهِ في الوطن العربي.. ولأبراج خليفة وأشداق محمد بن زايد.
شكراً للندبِ والتطبير وللتاريخ القذر.
شكراً للأنبياءِ والحواةِ والسفلة.
شكراً لتجّار سوق الحميدية
وتجّار حلب..
شكراً لكلّ القتلة
شكراً لفنجانِ القهوةِ الذي أشربهُ الآن في مقهى المنافي.
شكراً للنادلـــــهْ..
شكراً للخساراتِ الجميلة
ولقوادي الهجرةِ إلى أوروبا.
شكراً لفرنسا
ولعيونِ حبيبتي السافلهْ.
عذراً التعليقات مغلقة