السؤال هنا، لا يتعلق بمدة زمنية، ليس هذا ما أردته، فمدة بقائنا منفيّين مُبعدين عن جغرافيتنا المادية والروحية ليس نحن من يحددها، ولا غيرنا من السوريين، بل الدول التي صارت تتبارى في حبك مشكلة دولية حول بلدة أو قرية صغيرة في أرضنا القديمة!.. فما بالك بالحل النهائي لمجموع آلاف البلدات والقرى والمناطق؟..
وبالعودة إلى السؤال، فإنه – هنا- موجّهٌ إلينا حيث نحن في منافينا، مستقصياً الحالة الذاتية والموضوعية ورغبتنا في التمرد على اللجوء ومحاولة الفكاك من أسره ودونيّته، وهذا ما لا يحققه “توطين” يتم الحديث عنه والتخويف به في بعض البلدان، ولا “تجنيس” سيبقى اسمياً أكثر منه فعلياً إن لم يدأب “المُجنّس” على إثبات ذاته في المجتمع الجديد، والكفّ عن النظر للجنسية على أنها مجرد “جواز سفر”.
تجربتنا نحن السوريين في البلدان التي تشهد كثافة وحضوراً مليونياً لنا، لا تشي بأننا بدأنا بعد سبع سنوات بالتحول من تجمعات لاجئين إلى حالة مجتمعية متمايزة، وذلك مرده إلى أسباب موضوعية وأخرى ذاتية، نتقاسمها نحن والمجتمعات المضيفة وحكوماتها بالطبع.
أما الأسباب الموضوعية، فقد حضرت في الدول العربية خصوصا، ووصلت حد التمييز والقهر والإتجار بالبشر (اللاجئين)، ولا تحتاج لبنان في هذا المجال إلى كثير شرح وتفصيل، وهي التي فرضت حكومتها قيودا على اللاجئين السوريين تتنافى وشرعة العالم وأخلاق الإنسانية، فلم يتح للسوري اللاجئ هناك أن يفكر بأكثر من أمنه وسلامة أسرته وتوفير قوته.. وليس المخيمات في دول الجوار بأفضل حالاً بكثير، فهناك يُعزل مئات الآلاف من السوريين عن العالم وعن الزمن، ويبدون وكأنهم أسرى ماضيهم، لا يتفاعلون مع المجتمعات المحيطة إلا ما ندر، ما يجعلهم محكومين بعلاقات المخيم التي تتمحور حول الماضي والفراغ والتفكير بكل شيء غير سويّ.
وعلى أهمية الأسباب الموضوعية التي تقف عقبة أمام خروج البعض من عتبة اللاجئين، تبدو الأسباب الذاتية أشدّ وقعاً وأسوأ مآلا على البعض الآخر الذي أتاحت له المجتمعات المضيفة حياة طبيعية أو شبه طبيعية، فاختار الركون إلى “المسكنة” وإظهار الضعف والعوز حتى وإن كان به قوة!..
دول أوربية وأخرى مثل تركيا تتيح للاجئ العيش بين الناس ومعهم، وتسهّل له سبل العمل والتعلم، بل وتسعى جاهدة لتمكينه من أدوات العيش الكريم وما أبعد من ذلك، فيقابل (معظمنا) تلك التسهيلات بالتبرم واختلاق مسوغات الهجوم والاتهام، ليبرر لنفسه أخيراً أن يقعد ويكون الطاعم الكاسي على نفقة المجتمع المضيف (الذي نهب خيرات بلدنا!!!).
والآن، وبعد سبع عجاف عصفت بالسوريين في الداخل والشتات، ما يزال المستعطي مستعطياً، ورب الأسرة ينتظر (كرت المعونة)، والغني يسابق الفقير عليه، غير مدرك (أقصد الغني) أنه يخسر احترامه في مجتمع ربما يحتاج أولاده فيه لأن يكونوا فخورين بأبيهم مستقبلا.
وبدل أن تسهم (المؤسسات) السورية التي نشأت في دول اللجوء بتطوير إمكانيات اللاجئين وتأهيلهم ليكونوا أكثر فاعلية وتفاعلا في المجتمع الجديد، تعمل معظم تلك المؤسسات بدوافع سياسية على تعليب الأفكار ودفع الجهود والإمكانات باتجاهات تفيد مشاريعها الإيديولوجية بالذات، معتمدة (تأليف القلوب) كما يقولون، وشراء الذمم كما لا يعترفون.
التراث الثقافي والحضاري والاجتماعي السوري الذي يستحق أن يُحفظ ويستمر، ليس مجرد (مطبخ حلبي أو نكتة حمصية أو زيّ شعبي…)، هذا ما أفلحنا في نقله معنا وتسويقه للمجتمعات المضيفة.. وحتى الآن، فشلت المشاريع الثقافية والتنموية والاجتماعية، وإن سوّق لها الإعلام وحاول تظهيرها، فإن الصورة باهتة والحال مكشوف…
وفي يوم اللاجئ الذي صادف أمس في العشرين من حزيران:
تحية واحترام لكل طالب سوري يدرس ويعمل ليبني نفسه ويعيل أهله.
تحية واحترام لكل سيد وسيدة سوريين، لكل أب وأم يعملون ويجتهدون لينالوا بعرقهم مرضاة الرب واحترام العالم..
تحية واحترام لكل يد تسعى لأن تكون العليا، وتعزز قيم العطاء في مجتمع الأخذ.
ولكل من مارس مهمة إعمار الأرض والإنسان، فخرج من ضيق اللجوء إلى سعة الإنسانية.
عذراً التعليقات مغلقة