بعد مظاهرات الأردن.. هل احتج السوريون بشكل خاطئ؟
سؤال يتردد بكثرة في نفسي، وهو سؤال تهكمي حاضر الإجابة، لكن بعد مضي أسبوع على الاحتجاجات في الأردن، بدأت تظهر وفي مستوى غير مسبوق في الترند الأردني تغريدات ومنشورات تتحدث عن طبيعة الحراك وسلميته كأحد السمات الرئيسيّة التي “تميز” بها المحتجون هناك بعبارات مثل: “اعتصام سلمي شريف، حراك شعبي شريف … الخ “، حيث استعرض الأردنيون مواقف عديدة عبروا فيها عن نقاط وميزات هذا الحراك بطابع يضفي الخصوصية العالية دوناً عن غيره من الحراكات الشعبية في البلدان الأخرى، وبشكلٍ اتخذ جانب التلميح عن ما حدث في سوريا.
لم يقتصر تداول ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، بل ظهر في لافتات المُحتجين حيث تقول إحدى اللافتات: “ما حدا يجي يحكيلي بدك يصير فينا زي سوريا، أنا بدي يصير فينا زي سنغافورة”.
لعل البديهيات تحتل المقال بشكل رئيسي في أوجه المقارنة ما بين الحراك السوري والأردني، أو أي حراك آخر، أهمها وأبسطها وجود مناخ ديمقراطي أكثر من جيد في الأردن يسمح بالاحتجاج بحدود مقبولة نوعاً ما، دون التعرض للاعتقال والاختفاء القسري أو الاختطاف من قبل الجهات الأمنية دون التعرض لتهمة إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة ونظام الحكم في دولة يحكمها قانون حالة الطوارئ الذي يسمح لأي فرع أمني من أجهزة السلطة في إبقائك معتقلاً دون محاكمة حتى مماتك!
وقد لا يعلم الأردنيون أيضاً أنّ آخر تظاهرة عفوية ذات مطالب سياسية خرجت في سوريا وعاد أبناؤها على قيد الحياة إلى منازلهم هي مظاهرة حصلت قبل وصول حافظ الأسد إلى السلطة، اي قبل السبعينيات من القرن الماضي، وأنّ العملية الديمقراطية والحياة السياسية في سوريا انتهت عند وصول “القائد المفدى” أيضاً، حيث قام بحل جميع الأحزاب السياسية في سوريا والاستيلاء على جميع النقابات ليصبح كما نصّ دستور سوريا الذي كانت تقول مادته الثامنة : “حزب البعث (الحزب الحاكم) القائد الأوحد للدولة والمجتمع”، وهذا رغم قابلية تنفيذه إلا أنه غير موجود في الأردن.
وقد لا يعلم الأردنيون أيضاً أنّ سلميتك في سوريا ليست سمة أو صفة مميزة قد تحميك أو تمنع السلطة من استهدافك بقواتها التي تنتظر بفارغ الصبر الأوامر لتنفيذ إعداماتها الميدانية بوسائل شتى للموت، وأنّ الشعب السوري يطمح منذ سبعينات القرن الماضي أيضاً إلى الحد الأدنى من حقوقه في ممارسة العملية الديمقراطية بوسائلها الَتِي قد لا تسمح له في سوريا حتى باختيار لجان الإدارة المحلية في مناطقه، وأن حراك اللجان المحلية والنقابات والبلديات المُنتخبة والبرلمان الأردني المُنتخب ومحاججة الحكومة القائمة هو أمر أقرب للخيال في أذهان السوريين.
وقد لا يعلم الأردنيون أيضاً وأيضاً أنّ قرب نهاية حراكك وقدرة استخدامه من قبل السلطة هو إعلان دخول التنظيمات فيه، ولعل الأخوة في الاردن لا يعلمون أن الجهة الرئيسية التي أضفت شعارات جهادية وإسلاموية في الحراك الأردني السابق في العام ٢٠١٢ لم تنضم للحراك الأردني الحالي بسبب صفقات مع النظام الحاكم ومصالح ضيقة تخص نشاطها وسعة تواجدها وهذا ما قد يقلل من حجم البروبجندا التي تحارب المتظاهر الأردني في وسائل الاعلام الرسمية في الاردن.
كما أنَّ الجيش السوري ومفارز الأمن بتركيبتها الطائفية لا تعدو كونها بسطاراً بقدم رئيس الدولة ومافيات النظام الحاكم، يبحث عن رقاب السوريين، في حين أن هذه التركيبة المتشددة والإذعان المباشر غير المسبوق للسلطة الحاكمة “قد” وأقول “قد” تغيب في الأردن، ما لم تنادي الشعارت بمطالب تطال نظام الحكم و”مالك الاردن” عندها ستتخذ السلمية جانباً رومنسياً ذا بعد فلسفي يصلح في رؤية بطيئة مشهداً سينمائياً ترى فيه البشر يتساقطون موتى سلمياً مع بعض فوارغ الرصاص وتهماً بالإرهاب بجانب تلك الفوارغ هنا وهناك.
ربما يجب أن تعلم ..عزيزي الثائر في بلدان الشرق التي يستثنى منها سوريا.. أنك ستبقى حياً ما لم تصمت أو تقترب من أركان ثالوث السلطة المقدس (الحاكم – ابن الحاكم – قصر الحاكم الذي قد تصل مساحته لحدود دولة) لأننا في سوريا قد نموت بمطالب دون ذلك بأشواط، وأنّ كل الشعوب في هذه البلدان سواء، وأن سوريا هي درس يوضح قدرة الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان على القتل والتدمير دون رادع طالما أنها تحقق مصالح اقليمية وجيوسياسية لدول أخرى، وليس قدرة الشعوب على تدمير وقتل نفسها كما يتم تصويره في ذهنك وأن الشعب السوري من قاد نفسه للموت المُحقق بأخطائه ووسائله.
وأخيراً: “كان بدنا سوريا تصير زي سنغافورة” أيضاً.
Sorry Comments are closed