بات جلياً أن لبنان سيكون ساحة صراع دولي حاله حال جارته سوريا، حيث تشير نتائج الانتخابات إلى تقدم كبير للمرشحين “الشيعة” من حزب الله وحركة أمل، تقدم على المستوى الانتخابي ولكن ربما يكون تراجعاً كبيراً في السلك الدبلوماسي اللبناني.
السعودية ومعها بلدان أخرى لن تكون راضية عن بسط حزب الله “يد إيران في المنطقة” سيطرته على الدولة اللبنانية بشكل كامل، فهذا يعني تقوية شوكة الحوثيين الذين تحاربهم المملكة في اليمن وبجانبها بلدان التحالف العربي، ويعني سيطرة إيران على عاصمة عربية جديدة هي مهمة بالنسبة للعرب والغرب.
الجميع يعلم أن حزب الله فوق الدولة اللبنانية، وهو ينفذ ما يريد دون أي خوف من المحاسبة القانونية، لكنه كان مكبلاً بعض الشيء كونه لا يملك شرعية الدولة، ورغم ذلك كان قد تعرض في وقت سابق لعقوبات عربية وغربية بسبب تدخله في سوريا إلى جانب النظام وقيامه بتهجير الآلاف من السوريين على الحدود اللبنانية وخاصة في منطقة القصير بريف حمص.
والآن حزب الله يتسلم مفاتيح الدولة اللبنانية من بوابة الانتخابات الشرعية، وهذه نقطة سيستخدمها الحزب كثيراً لمواجهة منتقديه من العرب واللبنانيين، فصناديق الانتخابات أعطته شرعية كان يفتقدها طوال السنين الماضية، وباتت بيروت محافظة إيرانية جديدة ارتفعت فيها صور الخميني ونصر الله في معظم شوارعها وانتشرت العبارات الطائفية مبكراً معلنة عن حقبة جديدة من حقب الصراع غير المسلح في لبنان.
تتقاطع مصالح السعودية وإسرائيل في لبنان، فكلتاهما لا تريد لحزب الله أن يكون في موقع السلطة الشرعية في لبنان، فالقرار اللبناني واضح الآن وهو التغني بالممانعة ضد اسرائيل ونشر التشيع في لبنان ومساعدة الحوثيين باليمن، وهو ما سيكون له تبعات كبيرة جداً على لبنان دولة وشعباً، فتمثال الرئيس رفيق الحريري الذي وضع علم حزب الله عليه يلخص الوضع الذي وصل إليه لبنان من انحطاط سياسي ودهورة أمنية باتجاه المجهول، وحزب الله لن يترك لتيار المستقبل” التيار السياسي السني” وحليف السعودية في لبنان فرصة للمقاومة ومحاولة النهوض لحجز مكان في سياسة لبنان وهذا يعني احتمال تدهور كبير للعلاقات مع السعودية الداعم الرئيسي للجيش اللبناني.
أما الجارة اسرائيل والتي تضع يدها على الزناد مستعدة لتدمير لبنان جراء إطلاق رصاصات خلّبية باتجاه أراضيها وبذلك تكون هي أكبر المستفيدين من تصرفات حزب الله الصبيانية وذلك لأن حدوها مع سوريا ولبنان لن تشهد توتراً ربما إلى يوم الدين، وهذه هي الخدمة التي يسمسر عليها حزب الله وإيران وحلف الممانعة وتشمل إبقاء الأسد في سوريا وجعل نصر الله زعيماً للبنان مقابل سلامة بعض القرى الاسرائيلية التي تصلها صواريخ الممانعة.
اسرائيل وعلى عكس السعودية لديها خيارات كثيرة لمواجهة الحزب، أولها الحرب ضد لبنان بحجة عدم شرعية حزب الله وتهديده لأمن اسرائيل وبالتالي ارجاع لبنان عشرات السنين إلى الوراء، كذلك قد تلجأ للعقوبات الاقتصادية عبر حلفائها الأمريكان والغرب وبذلك ينهك اقتصاد لبنان ما سيدفعه للارتماء في الأحضان الخليجية التي لن تستقبله إلا بشروط.
خلاصة الكلام أن لبنان في مفترق طرق خطير، فحزب الله لو أراد مصلحة الشعب اللبناني لما كانت الطائفية عنوان مرشحيه للانتخابات، فلبنان ليس شيعياً او مسيحياً أو سنياً، لبنان لكل اللبنانيين لكن إيران عبر وكيلها فيه اغتصبت قرار الدولة وجعلته تابعاً لقرار طهران حاله حال قرار دمشق وصنعاء وبغداد، وكلنا رأى ما حدث لهذه البلدان من دمار وتشريد للشعب وفاتورة دماء لم تتوقف إلى الآن، فهل يتنبه عقلاء لبنان ويمنعون بلدهم من الانزلاق نحو الهاوية التي بات أكيداً أن لبنان يقف على حافتها.
Sorry Comments are closed