’’الفراغ السياسي‘‘ في المعارضة

عبد الرحمن الحاج21 أبريل 2018آخر تحديث :
’’الفراغ السياسي‘‘ في المعارضة

مع بدء العد التنازلي لسقوط الغوطة الشرقية وخروج أول دفعة من مقاتلي فيلق الرحمن من القطاع الأوسط استُدعي ديمستورا إلى موسكو لإحياء محادثات جنيف المتوقفة، كانالروس مستجعلين لصرف تقدمهم على الأرض مع النظام والإيرانيين سياسياً، يريدون من جنيف 10 أن تتوج تنازلاً جديداً من المعارضة على وقع التغير الميداني الحاصل، والقبول
بإنشاء لجنة سوتشي الدستوري تحت عباءة النظام وبقرار من رأسه، فـ”الدستور موضوع سيادي واللجنة الدستورية لم تُشكل ولن تُشكل إلا بإرادة الحكومة” كما يقول وزير خارجية النظام وليد المعلم، لكن الضربة الأمريكية العسكرية والتصعيد في الخطاب السياسي غيَّر الحسابات، فرسالتها السياسية كانت أكبر من نتائجها العسكرية، ومفادها: لا تفرد روسي في تحديد مصير الحل في سوريا، كبح ذلك تماماً فكرة إطلاق محادثات جنيف مرة أخرى، فالأمريكيون والأوربيون يتحدثون عن “اقتياد” غير مشروط لنظام الأسد إلى ’’مفاوضات‘‘ (وليس محادثات) جنيف 10، أي العمل بمرجعة القرارات الأممية، وبالطبع لصرف الضربة العسكرية بثمن سياسي، لكن واضح من التحرك الأخير والكثيف للمبعوث الأممي ستيفان ديمستورا أن جنيف 10 مستعصية، فتضارب أجندة الروس والإيرانيين وما تبقى من النظام مع الولايات المتحدة والأوربيين والدول الداعمة للمعارضة السورية يحول دون انعقاد أية محادثات، وحتى لو انعقدت فتضارب الأجندة يجعل المحادثات شكلية ولن تحقق أي تقدم. لكن أين المعارضة من كل هذا؟

النضال الرئيس لهذا القسم من المعارضة هو من أجل استعادة استقلال القرار الوطني وتحريره من لعبة الدول “الصديقة” و “العدوة” معاً.

فالهيئة السورية للتفاوض تنتظر وتبحث في البوصلة الدولية إلى أين تتجه لتتبعها بخصوص محادثات جنيف بل والحل السياسي برمته؛ فقد شُكلت مطواعة منزوعة القدرة على إحداث تأثير منفرد، ولأنها لم تشكل بإرادة السوريين أنفسهم وإنما بإرادة دولية وإقليمية فقد ولدت عقيمة غير قادرة على الاستقلال، وأسوأ  من ذلك أُدخل في تركيبتها جزء من بقايا النظام نفسه ممثلاً بشكل رئيسي بـما يُعرف بـ”منصة موسكو” المرتبطة تماماً بأجهزة النظام الأمنية في مشهد فانتازي لم يشهد تاريخ العالم له مثيلاً من قبل. وحيث أن وضع الهيئة المفروض على السوريين لتمثيلهم مرغمين على هذا النحو، فإن النقاش بين السوريين يدور الآن بين رأيين؛ الأول نزع ما يُضفى من “شرعية” دولية ومحلية على الهيئة من خلال عمل واسع النطاق يبدأ بين السوريين أولاً وينقل ذلك لاحقاً إلى المجتمع الدولي، والهدف من نزع الشرعية للهيئة هنا هو إضعافها ومنعها من تقديم مزيد من التنازلات للنظام، والثاني إصلاح البنية الكارثية للهيئة بطرد منصة موسكو منها في الحد الأدنى؛ ليكون لها قدر من الاحترام يمكن البناء عليه.المعارضة الرئيسية في الواقع منقسمة بين مجموعتين أساسيتين منذ رياض 2، إحداهما ممثلة لخط “الهيئة السورية للتفاوض” التي حلت محل “الهيئة العليا للمفاوضات”، وتتبنى رؤية تطبيعية للوقائع الميدانية والسياسية، وتطلق على ذلك تسمية “الواقعية” مستندة إلى مواقف المجتمع الدولي ومحصلة المواقف الإقليمية، والمجموعة الثانية ممثلة لشخصيات سياسية وناشطين لديها صوت قوي ومسموع لكنها غير منظمة، وتتبنى نهجاً جذرياً في الحل السياسي مستندة إلى مفهوم “الثورة” ذاته والثمن المدفوع لأجلها حتى الآن. وبوجود ظاهرة “معارضة منظمة غير مؤثرة، ومعارضة مؤثرة غير منظمة” نكون أمام “فراغ سياسي” فريد من نوعه (إذا جاز لنا استخدام هذا المصطلح هنا)، يرجع إلى العبث الكبير الذي أحدثه “أصدقاؤنا” في بنية المعارضة بهدف تلبية تغيرات المواقف الدولية والإقليمية.

هذا في حين أن الشق الثاني في المعارضة لا يملك أي دور في محادثات جنيف، فهو مبعثر وغير منظم، تأثيره الرئيس في السوريين المناهضين للنظام، ويعتمد بشكل كبير على الثقة والاحترام الذي يتمتع به هؤلاء لديهم، وبالرغم من أنهم غير منظمين بعد، وتتنازعهم مشاريع تنظيمية عدة إلا أنهم يمثلون تياراً واضحاً يمثل خطاباً سياسياً واضح المعالم أقرب ما يكون إلى تيار يعبر عن ضمير الثورة، قد لا يكون هؤلاء قادرين على الفعل والتأثير المباشر في صناعة الحل السياسي لكنهم يمكن أن يشكلوا عقبة أمام تنفيذ أي حل أيضاً؛ فالنضال الرئيس لهذا القسم من المعارضة هو من أجل استعادة استقلال القرار الوطني وتحريره من لعبة الدول “الصديقة” و “العدوة” معاً.

يجب أن نتذكر أن اللاجئين والنازحين اليوم هم عنصر جديد وقوي لا يجوز أن يكون مهملاً، وأن السوريين المؤيدين للثورة باتوا منتشرين في أنحاء العالم.

غير أن بقاء هذا القسم من المعارضة على هذا النحو بدون إطار تنظيمي يضعف من فاعليته، ويحد من قدرته على تحقيق أهدافه، ووجود أكثر من إطار تنظيمي صغير في الوقت نفسه سيكون عقبة أمام تشكيل إطار تنظيمي موحد. كما أن بقاء الهيئة السورية للتفاوض على هذا النحو ليس مقبولاً على العموم ولا يصب في صالح السوريين. وأي عمل على نزع شرعيتها سيضعفها ولن ينهيها، وهو أمر يعتقد كثيرون أنه يصب في مصلحة النظام خصوصاً مع عدم وجود إطار تنظيمي قوي يمكن أن يكون حاملاً سياسياً يعوض الفراغ ولا يترك ظهر المعارضة مكشوفاً، لكن هذه الحجة تواجه بحقيقة أنها تمثل إرادة الدول التي أنشأتها أكثر من إرادة السوريين.

يشبه الوضع في المعارضة الآن ما كانت عليه الأمور في الشهور الخمسة الأولى من الثورة، حيث سعت جميع التنظيمات إلى عقد مؤتمرات وتحالفات وتنظيمات لإنشاء كيان سياسي يكون بمثابة مظلة للمعارضة تملأ الفراغ، كانت المعادلة صعبة تتمثل في جمع تنظيمات سياسية هرمة لم تلعب أي دور في إطلاق الثورة، واستيعاب تدفق الشباب نحو السياسة، وضم القوى الثورية الناشئة في جسم واحد وخطاب سياسي معبر عن تطلعات الثورة. كل المحاولات فشلت، ومحاولة وحيدة نجحت لأنها حققت تلك المعادلة، وأنشئ  بنتيجتها “المجلس الوطني السوري” الذي كان أساساً لكل المؤسسات السياسية للمعارضة بعده.

الآن في هذا الفراغ السياسي للمعارضة أيضاً يجب أن تبذل جهود مركزة ومستمرة لإنشاء الجسم السياسي الذي نحتاجه لتجاوز هذا الفراغ، لا يمكننا أن نوقف التدهور الحالي ومنع تعويم النظام بالاستناد إلى “الأصدقاء” فقط دون أن يكون لدينا قوة سياسية موحدة ومنظمة مستقلة يمكنها أن تفرض نفسها على المجتمع الدولي واللاعبين الأساسيين.

ويجب أن نتذكر أن اللاجئين والنازحين اليوم هم عنصر جديد وقوي لا يجوز أن يكون مهملاً، وأن السوريين المؤيدين للثورة باتوا منتشرين في أنحاء العالم، كما يجب اليوم فهم معادلة العمل السياسي بشكل دقيق وعلى نحو يتناسب مع الخبرة التي تشكلت عبر السنوات السابقة،  نحن الآن في سياق زمني ترسم  فيه حدود النفوذ للدول التي لديها قوات عسكرية ميدانية على الأراضي السورية، التي لا يتجاوز نفوذ النظام وحلفائه 50%، مما يعني أن قرابة 50% هي خارج سلطة النظام، وبالتالي أي تسوية سياسية محتملة لن تكون قريبة، وإذا حدثت يوما ما ستكون بالاتفاق بين جميع الأطراف الفاعلة على الأرض، وإذا بقيت المعارضة على هذا الحال فلن يكون لها صوت ذو معنى، تماماً مثلما هو حال ما تبقى من النظام.

لنترك جنيف جانباً إذا مع إبقاء عيوننا مفتوحة عليه، ولنلتفت إلى ما هو أهم، فليس ثمة وقت أنسب من هذا الوقت لإطلاق عمل تنظيمي جديد للمعارضة يعيد ترتيب أوراق البيت الداخلي.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل