تعيش الثورة السورية إحدى أخطر مراحلها والتي قد تنبئ باندثارها وموتها ما لم يتم التعافي منها سريعاً والعودة لمربعها الأول الذي انطلقت منه. هذا الخطر لم يأت كما يظن الكثيرون من داخل النظام وحلفائه بشكلهم الحالي وليس نتيجة عوامل خارجية، بل كان هذه المرة ذاتياً من قلب الجسم الثوري نفسه، ويتمثل بأزمة الثقة التي تعيشها الثورة على مختلف مستوياتها والتي تعود لعاملين أساسيين:
الأول هو ما خلفه نظام الأسد عبر سنوات من التغييب والقهر متسبباً بحالة من التخلف الاجتماعي وتراجع القيم الحقيقية للمجتمع وسيطرة قيم جديدة قائمة على المنفعة والمكسب والمكيافيللية، مما جعل كل فرد من أفراد المجتمع ينظر بعين الريبة والشك للطرف الآخر داخل منظومته نفسها فكيف الحال ضمن حالة عداء مستحكم من منظومة إجتماعية أخرى تقف على الطرف الآخر من الثورة، هذه النظرة التي امتاز بها أفراد المجتمع إزاء كل تجربة جديدة مهما كان مصدرها أو خلفيتها وجعلت من كثير من المحاولات الجدية والبعيدة عن فكرة التكسب والمصلحة متهمة بذات التهمة من تخوين وتهميش وازدراء، مما أدى إلى ضآلة إمكانية تحققها وبالتالي تراجع تلك المبادرات لتحل محلها قوى أكثر تسلقاً وانتهازية.
والعامل الثاني هو الانتهازية التي سيطرت على جزء كبير ممن تصدى للعمل العام ضمن أجسام الثورة والمعارضة، وأغلب هؤلاء ممن ركب موجة الثورة للانتفاع الخاص وليس العام وهم شريحة واسعة تلونت حسب متغيرات الوضع على الأرض وبالتالي كان “الترمومتر” الثوري لديها غير مستقر وهم شريحة تضم سياسيين وقادة عسكريين ومنظمات مجتمع مدني وإغاثي وغيرها…
وبرأي فإن هذين السببين كافيان للقضاء على أي خطوة حقيقية لإعادة الثورة لمسارها الصحيح.
من المؤسف أن هذه النظرة وهذه الأحكام لم تقتصر على عموم جمهور الثورة فحسب بل تعدتها إلى نخب الثورة بكل أطيافها حيث انتقلت سياسة التخوين والريبة والشك إلى الصفوف الأولى بما فيها النخب السياسية والثقافية المحسوبة على الثورة، وشكلت ما يشبه ثورات مضادة على الثورة نفسها ومن ضمن الثورة نفسها وهو ما تسبب بالوصول للحالة التي نحن عليها الآن.
لكن الخطر الأكبر كان نشوء أو ظهور تيار جديد استغل هذا الفراغ وحالة عدم الاستقرار والاقتناع والقبول ليطرح بدائل لا تملك الحد الأدنى من أهداف الثورة، بل هي عبارة عن تشكيل حالة اجتماعية جديدة أكثر فساداً من الناحية الإجتماعية على الأقل مما قامت عليه الثورة، يرتكز على التبعية والانصهار ضمن قوالب جاهزة لا تناسب المجتمع بصيغته الحالية على الأقل.
هذا التيار يقتبس من قشور التفكير الغربي ويحاول إسقاطه على المجتمع الحالي، المجتمع غير المستقر والذي لا زال يعيش روح الغضب والثورة والنزق والغليان وبذات الوقت حالة من التوهان والضياع في ظل وقائع جديدة ومتحولات كثيرة ألمت به…
فبمجرد خروج البعض إلى بلدان اللجوء حاولوا إسقاط حالة الانبهار التي أصابتهم والتي يعيشونها على مجتمع متفكك ممزق لا زال يعيش حالة اللااستقرار، مطالبين أفراده بأن يمثلوا ويحملوا قيم احتاجت تلك الدول التي يجعلون منها أمثلة مئات السنين للوصول إليها.
هذا التناقض يضيف عاملاً آخر لما هو موجود ليضع عصياً في عجلات الاستمرار، فإن لم يقم الحراك الثوري بكل أطيافه وأشكاله بنخبه الفكرية والسياسية والثقافية بعمل مراجعات حقيقية فكرية للأخطاء التي مرت بها الثورة خلال السنوات الماضية من عمرها، وتشكيل اصطفافات جديدة تبعد من خلالها على الأقل الصف الاول والثاني من الساحة ومن متصدريها، واستبدالهم بقيادات وشخصيات لا تزال تحمل فكر الثورة بشكلها الأول والنقي ولم يتعكر أو يتشوه تفكيرها بالتيارات الجديدة التي أفرزتها السنوات الماضية وتأخذ على عاتقها العمل على إعادة الثورة لألقها لتنبعث من جديد وتعيد سيرتها الأولى.
عذراً التعليقات مغلقة