ترجمة: رانيا محمود – حرية برس
إن الشعر هو فن الشفافية الذي يتسم بالرقة والإحساس العالي، لذا يبدو أنه من غير المنطقي أن يكون احتفالاً بالوحشية، ونوعاً من الفنون التي يفضلها الطغاة. إلا أن السعي للمجد، العزاء، أو الحميمية قد ألهمت الطغاة منذ العصور الكلاسيكية وحتى العصور الحديثة لكتابة الشعر.
وفي معرض الحديث عن شعر الطغاة يقفز إلى أذهاننا الإمبراطور الروماني “نيرو” الذي كان حكمه المستبد يعكس فنه الناقص. حيث أشار مؤرخو تاريخ عصره إلى روما التي كانت المُعذّبة في شعره وسياسته على حد سواء. وذلك يُثير تساؤلاً مقلقاً: هل يمكن لفن الطاغية أن يخفف من وقع جرائمه؟ وهل يمكننا أن نحكم بشكل منصف على نوعية شعر الطاغية؟
أشار الباحث الألماني “أولريش غوتر” في كتابه الذي نُشر مؤخراً “طغاة يكتبون الشعر” إلى أنه بالمقارنة مع الشعراء الأباطرة قيصر وأغسطس فقد كان عصر نيرون أقل دموية بشكل ملحوظ. ومع ذلك، وعلى الرغم من افتقاره للطموح العسكري، إلا أن نيرون يرتسم في أذهاننا كمستبد بائس، يتغنّى بسقوط طروادة في الوقت الذي تحترق فيه إمبراطوريته وتندثر، وسعيد للغاية بجمال ألسنة اللهب بحسب ما نقل عنه المؤرخ الروماني “سوتونيوس”.
وبعد حوالي ألفي عام ظهر طاغية جديد في إيطاليا من هواة الشعر هو موسوليني الذي عُرف بقصائده العاطفية السطحية. وأشار المؤرخ الأسترالي “ريتشارد بوسورث” الذي كتب عن حياة موسوليني، إلى حبه للظهور والاستعراض، حيث كان يتعمّد إبقاء كتب كبار الشعراء مفتوحة على مكتبه عند زيارته من قبل ضيوف أجانب.
وكان مما لا شك فيه أن الطغاة يفرغون خيبات أملهم الفنية في السياسة. ومثالاً على ذلك يبرز الزعيم النازي هتلر الذي برغم إعلانه أنه يُفضّل “جمالية الكلمة المنطوقة” على الأشكال الجمالية الأدبية الجمالية الأخرى، إلا أنه كان يتخيّل نفسه بوهيمياً من فيينا.
وفي الوقت الذي أطلقت الماركسية موجة من الحركات الجمالية الراديكالية، إلا أن ستالين تمسك بأسلوبه المحافظ الذي لا يمت لهذه الحركات بصلة. وقد أثنى أهم كتّاب السيرة على شعره. وكتب المؤرخ البريطاني “سيمون سيباغ مونتفيور” عنه بأنه جماليته تكمن في القافية واللغة، في حين زعم الشاعر البريطاني/الكندي “روبرت سيرفيس” بأن اللغة التي استخدمها ستالين في أعماله مفهومة من قبل الجميع.
ويظهر رئيس الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي “يوري أندروبوف” كوريث روحي لستالين. وقد كان يجمع بين البيروقراطية والرومانسية، حيث قام بسحق الانتفاضة المجرية واضطهاد المعارضين في الوقت الذي كان يكتب فيه قصائد حب لزوجته.
وقد كان الشعر من الأدلة الإجرامية التي قُدمت لمحكمة الجنايات الدولية، فقد أُدين زعيم الصرب في البوسنة رادوفان كاراجيتش المعروف بلقب “جزّار البوسنة” بتهمة ارتكابه جرائم حرب. وفي عام 1992 عرضت “BBC” فيلماً وثائقياً يظهر فيه كاراجيتش أثناء إلقائه قصيدة يهدد فيها مسلمي البوسنة، ويظهر في هذه الأثناء الشاعر القومي الروسي إدوارد ليمونوف يطلق رشقات من الرصاص في الوادي.
ومن جهة أخرى، يجب الحذر من مخاطر التعامل مع الشخصية الفنية على أنها شخصية الكاتب نفسه. فعلى سبيل المثال، إن آية الله الخميني الذي كتب بالفارسية أشعاراً عن العشق والخمر، لديه في الواقع العديد من الفتاوى التحريمية، وسياساته مفضوحة في قمع المعارضين من أقرانه في المؤسسة الدينية، مروراً بالليبراليين إلى اليساريين.
أما بالحديث عن الشعراء الجهاديين يبرز بن لادن كواحد من أشهرهم، حيث كانت مكانته مستمدة جزئياً من إتقانه للبلاغة الكلاسيكية. كما كان أمير بن لادن في العراق، أبو مصعب الزرقاوي الذي يكتب الشعر أيضاً معروفاً بلقبين في الوقت ذاته “الجزار” و”الباكي كثيراً”. مما يسلّط الضوء على الصلة بين القسوة والمشاعر، والرغبة المشتركة في السلطة واستدرار العطف.
وفي السياق نفسه يُذكر أيضاً أيمن الظواهري الزعيم الحالي للقاعدة ككاتب للشعر، بالإضافة إلى أبو بكر البغدادي وهو الخليفة الذي أعلن نفسه باسم الدولة الإسلامية، الذي كتب أطروحة الدكتوراه الخاصة به في قصيدة دينية.
عذراً التعليقات مغلقة